جمع بين المهارة والفن.. كيف تنقلب أصداف البحر إلى قطع فنية باهرة بيد لاجئ سوري في مرسين؟ “فيديو”
يرمي البحر على الشاطئ بعضاً مما في أعماقه، قطعاً صلبة كالعظام الرقيقة، مختلفة الأحجام والألوان والزخارف، كانت سابقا غلافا عظميا لكائنات بحرية انتهت حياة الجانب الرخو والحي منها.
يرى الأطفال في الصدف هدايا جميلة يقدمها لهم البحر شاكرا لهم زيارته، ويرى فيها أصحاب الحس المرهف والفنانون، مادة أولية، يمكن تحويلها إلى قطع فنية لا نهاية لها.
العم نزار فنان في تحويل أصداف البحر إلى مجسمات للزينة تنبض بالحياة. نجده جالسا على مقعد صغير بجانب بسطة متواضعة على أحد شواطئ مدينة مرسين التركية يعرض منتوجاته التي تلفت انتباه المارة.
المجسمات الصدفية التي يصنعها العم نزار تحمل بصمة فنية فريدة، تعكس ابتكاره وإبداعه وحبه للألوان الزاهية والتفاصيل الدقيقة، من دون أن يمحو أصلها، وهو البحر. بل بالعكس كل مجسم يذكر مشاهده أنه قادم من عالم البحار، وأصل فكرته وزخرفته وألوانه قادمه منه. باختصار، العم نزار يحكي قصتين في عمله، قصته هو، وقصة البحر.
“أضواء سوريا” من شواطئ مرسين
ولد “نزار عدرا” في مدينة دمشق البعيدة عن البحر، لكنه عندما أكمل الثامنة من عمره انتقل وعائلته إلى مدينة اللاذقية حيث درس فيها المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وبعدها انتقل إلى طرطوس ليكمل المرحلة الثانوية ويستقر بها كونها مسقط رأس والدته.
جمال وسحر مدينة طرطوس وجزيرة أرواد المقابلة لها، هما من دفع ضيفنا للوقوع في عشق البحر وكل ما فيه، وفجرا فيه موهبة التعامل مع الصدف. يقول لموقع تلفزيون سوريا: “تجوالي الدائم على شاطئ جزيرة أرواد واستكشاف الأصداف التي تلقيها أمواج البحر على الرمل، أثارت في داخلي شغفاً في جمع الأصداف، ثم ترتيبها، ثم في صناعة المجسمات الصدفية. ومع تعرفي على كبار الحرفيين في هذا المجال، زاد حبي لها، وزادت مهاراتي في صنعها”.
وقبل ست سنوات وبحثا عن الأمن له ولعائلته، غادر العم نزار طرطوس مكرها، واختار الإقامة في أقرب مدينة لسوريا وساحلها، وأشبهها بطرطوس. وهي مدينة مرسين يقول: “اخترت هذه المدينة لعدة أسباب، أولاً وجود البحر فيها، وهذا شرط لعملي وهوايتي وحياتي، فمن البحر الأصداف والرمال التي أعمل بها، وثانياً صيف مرسين الطويل وهذا عامل مهم في حرفتي، وثالثاً قرب مرسين من سوريا، حيث نرى في الليل أضواء سوريا من هنا، فما بيننا وبين اللاذقية وطرطوس، مجرد مسافة من نفس البحر، ورابعاً وجود الكثير من أقاربي وأهل اللاذقية وطرطوس في مرسين”.
“شواطئ البحر تشبه المزارع”
بعد وصول نزار إلى مدينة مرسين واجه صعوبات وتحديات عدة لكنه لم يفقد شغفه بهذا الفن، حيث وجد في الأصداف والرمل مواد إبداعية قليلة الكلفة وبدأ يستخدمها لصنع تحف فنية فريدة من نوعها، فهو يختار فصل الشتاء لجمع الأصداف المميزة من شواطئ المدينة، ليغسلها بالماء وينشرها ويجففها بالهواء وأشعة الشمس. كما أنه يشتري صدفا من دول أخرى كالفليبين وأفريقيا ليضيفها إلى مجموعته.
ويوضح لنا “العم” عن سبب اختياره لشواطىء عدة في مرسين ليجمع منها الأصداف، فيقول: إن “شواطئ البحر تشبه المزارع.. حيث يختص كل شاطئ بوجود نوع معين من الأصداف”.
يستخدم العم نزار مجموعة متنوعة من الأصداف في صناعة مجسماته ويسميها بمصطلحاتها المتداولة في سوريا مثل: “صدف بوغي بوق، بلون بني وعسلي.. صدف المحار، وهو عبارة عن طبقتين وبداخله حيوان بأشكال وأحجام متعددة.. والميديا التي نراها تنتشر على شواطئ إسطنبول، إضافة إلى شكل الحلزون الذي أشتريه، لأن جمعه من الشواطئ صعب لصغر حجمه”.
وعن مواده التي يستخدمها في صناعة هذه المجسمات يوضح لنا، “أستخدم رمل البحر بنوعيه الناعم والخشن إضافة إلى المواد اللاصقة والطلاء الملون، وبهذا أنتج قطعي بأقل الإمكانيات”.
حرفة تجمع بين المهارة والفن
يتفاوت الوقت اللازم لصناعة القطعة الصدفية، بحسب حجم القطعة وتقنيتها وتفردها. ينظر العم نزار إلى أصابع يديه ويبدأ بالعد “قد تستغرق القطعة التي أصنعها ثلاثة أيام، وقد تستغرق أسبوعا وأحياناً أكثر. لأن القطعة تمر بمراحل عديدة من بردغة (حت السطح لإزالة الشوائب النتوءات) ورش بالرمل وطلاء، وانتظار جفاف الطلاء، وهو أمر يتوقف عى الطقس”.
ويتابع حديثه، “فمثلا نفذت سفينة شراعية بطول متر ونص المتر، بأدق التفاصيل من ياطر وسلالم وغيرها.. مثل هذه القطعة استغرقت مني حوالي الشهر.. وكانت من أحب وأقرب الأعمال إلى قلبي”.
كما حدثنا “نزار عدرا”عن مشاركته في معارض فنية وحرف يدوية. يقول: “شاركت بمهرجان تركي أقيم في مدينة مرسين، عرضت فيه قطعي الصدفية، وكانت فرصة لي لعرض أعمالي، والتعرف إلى جمهور جديد من محبي هذا الفن، فأنا أشعر بالسعادة والفخر عندما أتلقى إعجابهم بجمال القطعة وتفاصيلها”.
يقف العم نزار ممسكا بيده قطعة صدفية وينظر إليها بابتسامة. ثم يشاركنا طموحه بصوت مليء بالتفاؤل والحماس، ويقول: “طموحي هو أن أرى أعمالي الصدفية تصبح معروفة عالميا ومحبوبة من قبل الناس من مختلف الثقافات والبلدان. أود أن يعرف الناس من خلال المعارض جمال أعمالي التي أقدمها والتفاصيل الدقيقة التي أضعها في كل قطعة.”
ويضيف “أحلم أن يتم عرض أعمالي في المعارض الفنية السورية والتركية، وأود أن تصبح قطعي الصدفية حديث عشاق الفن، وأتمنى أن أصمم قطعا كبيرة باستخدام أصداف مستوردة، وأن أقتني وسيلة نقل ملائمة لتقليل التعب والجهد المبذول في النقل”.
ويختم حديثه قائلاً: “سأواصل العمل بجد وتفانٍ، وسأسعى لتطوير مهاراتي وتجديد إبداعي باستمرار. أعتقد أنه بالمثابرة والتفاؤل، يمكنني تحقيق طموحاتي وإحداث تأثير إيجابي من خلال فني وموهبتي في صناعة الأعمال الصدفية”.
يعود “العم نزار” إلى مقعده ويستعد لمواصلة العمل على تحفه الصدفية، مع وعد قطعه لنفسه بأنه سيواصل السعي نحو تحقيق طموحاته وتحقيق النجاح في عالم هذا الفن.
المصدر: تلفزيون سوريا