معلم ديني ومعماري فريد يتوسط العاصمة الأردنية عمان.. شاهد على تحوّلات المدينة عبر التاريخ.. “المسجد الحسيني” الذي يعود في أصل تشييده لعهد الفاروق
تكتنز بعض المساجد عبق الماضي وتاريخاً قديماً جداً، من بينها الجامع الحسيني في الأردن، وهو أقدم مسجدٍ في المملكة الهاشمية، قد تتساءل كيف يكون الجامع الأقدم ويعود لعشرات العقود وهو يحمل اسم الشريف الحسين بن علي؟!.
في الحقيقة إن هذا الجامع ليس إلا بناءً جديداً تم تشييده منذ مئة عامٍ تقريباً، ولكنه في الأصل كان مسجداً منذ عهد الخليفة والصحابي الجليل الخليفة عمر بن الخطاب، وكان يُسمى فيما مضى بالجامع العمري.
يعد “المسجد الحسيني” معلما دينيا ومعماريا فريدا في المملكة الأردنية، ويكتظ في شهر رمضان المبارك بجموع المصلين، لينهلوا من النفحات الإيمانية في أيامه، بالدعاء والذكر وأداء الصلوات، لا سيما صلاة التراويح، وصلاة القيام في ليلة القدر المباركة.
المسجد الحسيني بيت من بيوت الله، يستشعر رواده أنهم في ضيافة الرحمن، فيدعونه مخلصين، لعلهم يرجعون وقد أجيبت دعواتهم وانقضت حاجاتهم من لدن عزيز مقتدر.
لا شيء يعكر صفو الحياة هنا؛ فالكل متوجه بقلبه ولسانه إلى الله بكلمات مؤثرة ودموع صادقة، علها تمحو كدر الحياة وجراحاتها.. هنا فقط تفيض المشاعر حبا وإيمانا.
تأسيس المسجد
الناطق الإعلامي في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، الدكتور حسام الحياري، يطلعنا على تاريخ وتأسيس المسجد الحسيني الكبير، فيقول “هو أقدم مساجد العاصمة الأردنية، إذ أسسه الملك عبد الله الأول بن الحسين عام 1923، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى الشريف الحسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى في الجزيرة العربية وبلاد الشام”.
وتذكر موسوعة ويكبيديا أن المسجد الحسيني مبني فوق أنقاض المسجد الأموي القديم. وقد أورد كل من الجغرافي أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي في كتابه “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم” وياقوت الحموي في كتابه “معجم البلدان”، وصفا للمسجد الأموي القديم. ويمكن إجمال وصف المسجد الأموي القديم بأنه كان يتألف من صحن تحيط به من الجهات الثلاث سقائف محمولة على أعمدة، ثم بيت للصلاة سقفه محمول على أعمدة أيضا؛ تتجه عموديا نحو حائط القبلة.
ويقع المسجد في وسط مدينة عمان، في أول شارع الملك طلال، وبه فناء كبير، والمسجد مزخرف بنقوش إسلامية جميلة، وله رواق أمامي ورواقان جانبيان، وفي الوسط ساحة سماوية ومئذنتان.
توسيع صحن المسجد
ويبين الحياري أن المسجد بني بحجارة مصنعة بشكل منتظم، كما زينت الواجهة المطلة على صحن المسجد بمكعبات الفسيفساء الملونة.
ويضيف “في الأربعينيات من القرن العشرين تم توسيع صحن المسجد، وأقيمت في وسطه ميضأة، كما أضيفت المئذنة الغربية بارتفاع طابقين مشابهة للمئذنة الشرقية، ولكنها ذات خوذة حجرية، وأجريت في المسجد الحسيني أعمال إصلاحات وتجديدات واسعة في العامين 1986 و1987”.
تاريخ بناء المسجد الحسيني
وتحدث الحياري عن تاريخ بناء المسجد فذكر أنه بني في عهد الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وجدد البناء في عصر بني أمية، وفي عهد إمارة شرق الأردن جدد أيضا في عهد الشريف الحسين، وأيضا أعاد بناء هذا المسجد الملك عبد الله الأول. ويضيف “يشكل المسجد ملتقى لأبناء الوطن القادمين إلى العاصمة عمان لأداء الصلوات والعبادات”.
وحسب الحياري فقد “حظي المسجد بعناية الهاشميين منذ مرور قرابة 100 عام على بنائه، ليظل إرثا إسلاميا عزيزا من عمر الدولة الأردنية. وتمثلت تلك العناية الفائقة في أعمال الصيانة والترميم الدائم على مر السنين، ليبقى المسجد محافظا على هيئته التراثية ومنعته المعمارية”.
تحفة معمارية
ويقول الحياري “كل ما تشاهده في المسجد هو طراز من العمارة الإسلامية المزينة بالنقوش والأقواس التي تضفي على المسجد عمقا تاريخيا وروحانية، ومنذ رفع بنيان المسجد وحتى يومنا هذا وهو قبلة للزائرين، وتحفة معمارية، يتوسط العاصمة عمان كونه أول مساجدها وأقدم بناء فيها”.
بني المسجد من الخلطة الإسمنتية، وجدرانه بألوان مختلفة ومزركشة، وتم تشييد الواجهة الرئيسية للمبنى من الرخام الوردي، ويبلغ ارتفاعها أكثر من 20 مترا وسمكها متر ونصف المتر، وتتميز البوابة الرئيسية بأقواسها نصف الدائرية التي يزينها جمالا شرقيا هي وغيرها من البوابات.
أنشطة وفعاليات
وتتعدد الأنشطة والفعاليات التي تقام في المسجد، وحول ذلك يحدثنا مدير المسجد الحسيني، الدكتور عمر الخطيب، بقوله: “نحرص في المسجد على تقديم دروس دينية وبشكل يومي للمصلين، تتضمن العديد من المواضيع الدينية، إلى جانب استقبال الأسئلة والاستفسارات، وتتم الإجابة عنها، وتعقد هذه الدروس في الشهر الفضيل كالمعتاد، بأوقات صلاة الظهر والعصر، وصلاة التراويح، وفي فترة السحور امتدادا لصلاة الفجر، وتبث إذاعيا”.
وفي الشهر الكريم يستضاف العلماء الأجلاء من وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، ودائرة الإفتاء، وكليات الشريعة في الجامعة الأردنية، وأحيانا تتم استضافة ضيوف من خارج البلاد. ويتناوب الخطيب مع زملائه في شهر الخير والبركة في تقديم الدروس الدينية.
إقبال متزايد في رمضان
يقول الخطيب “يشهد المسجد الحسيني في شهر رمضان إقبالا متزايدا من المصلين، حيث تُزين ساحته الخارجية بالأهلة والنجوم، وتقام فيها موائد الإفطار عند أذان المغرب، بتبرع من أهل الخير والمحسنين، ويتم تقديم الإفطار لرواد المسجد”.
ويؤكد حرص إدارة المسجد على تقديم الماء والتمور للصائمين الذين يبقون في داخل المسجد الذين يحضرون لصلاة المغرب جماعة في المسجد.
صلاة التراويح والتسابيح
يخصص في شهر رمضان درس ديني قبل صلاة المغرب، وبعد أداء أول 4 ركعات في صلاة التراويح، ويذكر الخطيب أن فعاليات إحياء ليلة القدر تكون في 27 رمضان، مبينا أنه يوم مفتوح تتخلله دروس وأداء العديد من الصلوات التي تبدأ من صلاة المغرب حتى صلاة الفجر، ويتخللها تقديم وجبات سحور للمصلين، وتتم قراءة القرآن والأدعية والابتهالات الدينية.
ويكشف الخطيب عن أن هذا العام ستقام “صلاة التسابيح” في منتصف ليلة 27 رمضان، ولهذه الصلاة أجر كبير، وفي كل ركعة من ركعاتها الأربع يسبح المصلي 75 تسبيحة.
ويختم الخطيب: “تتبع للمسجد دار لتعليم القرآن الكريم، ومصلى للنساء ومتوضأ تم بناؤه في الجهة الشرقية من المسجد، ومكتبة إسلامية تضم العديد من الكتب والمراجع الدينية”.
أبو سامر.. من رواد المسجد
الحاج يعقوب حميد “أبو سامر” (68 عاما) اعتاد على الصلاة في المسجد الحسيني مع أصدقائه في منطقة وسط البلد، وقد نشأ على أداء صلواته منذ الصغر في المسجد، عندما كان يحضر برفقة والده.
أبو سامر (تاجر) رئيس لجنة الرعاية في المسجد؛ هو وأصدقاؤه متطوعون يحرصون على رعاية المسجد وصيانته، إلى جانب المشاركة في ترتيب الاحتفالات، وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة، وفق قوله للجزيرة نت.
ويصف أبو سامر المشهد العام للمسجد في الشهر الكريم بأنه “أشبه بخلية نحل” تمتلئ بالمصلين من الداخل والخارج، فعندما يكتظ المكان في الداخل يفترش المصلون الأرض في الساحة الخارجية، تحديدا في صلاتي الظهر والعصر.
ويقول عن يومياته في المسجد: “نتلقى الدروس الدينية بشكل يومي، من الدكتور الفاضل عمر الخطيب، الذي يزودنا بمعلومات وأمور حياتية مختلفة، ومسائل فقهية ومالية، وأيضا يحدثنا عن صحة الصلاة وصحة الصوم. وفي الشهر الفضيل يحضر للمسجد أئمة وعلماء محليون وضيوف من عدة دول، يقدمون خطب يوم الجمعة، والدروس الدينية”.
ويلفت إلى أن جميع الأئمة في المسجد يتمتعون بحسن الصوت، وبالتالي يشعر المصلي بالراحة والخشوع، والتفكر في الآيات القرآنية.
ويقول: “هذا المسجد معلم ديني وتاريخي، أول مسجد في عمان، عاصرته منذ توسعته، وكان يأتي لزيارته علماء الدين، ومنهم الشيخ عبد الباسط، ومحمد صديق المنشاوي، ومتولي الشعراوي. وللمسجد الحسيني روحانية خاصة، له ماض عريق، وله محبة بقلوب الناس، يقصدونه ويشعرون بالروحانية والسكينة بأجوائه وحجارته ونقوشه المميزة”.
المصادر: الجزيرة – مواقع إلكترونية