شهدت اكتشافات الغاز المغربي أخبارًا إيجابية خلال الـ48 ساعة الماضية، مع إعلان تطورات جديدة في مشروعين تعول عليهما الرباط في تأمين احتياجاتها من الوقود، وتصدير الفائض إلى الخارج.
جاءت التطورات الجديدة من امتياز حقل غرسيف شمال شرق البلاد، الذي تديره شركة بريداتور أويل آند غاز، وكذلك حقل أنشوا قبالة ساحل مدينة العرائش من قبل شركة شاريوت البريطانية.
حقل غرسيف
كشفت شركة بريداتور أويل آند غاز البريطانية، أول أمس الثلاثاء، عزمها حفر بئر غاز ثانية في غرسيف المغربية، وتجهز -حاليًا- الأوراق والمستندات اللازمة من أجل التقدم للحصول على تفويض قانوني لعمليات الحفر.
وأشارت عدد من التقارير إلى أن الشركة البريطانية -التي تعمل في المغرب وترينيداد وتوباغو وأيرلندا- تعتزم بدء أعمال الهندسة المدنية المتعلقة بالمشروع خلال الشهر الجاري.
وأكدت التقارير أن البئر الجديدة، التي تعتزم بريداتور أويل آند غاز حفرها، ستكون جاهزةً للاختبار والتقييم بين شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول المقبلين.
اكتشافات ضخمة
أعلنت الشركة البريطانية، مطلع العام الجاري، اكتشافات غاز ضخمة في ترخيص حقل غرسيف، الذي تمتلك فيه نسبة 75% والمكتب الوطني للهيدروكربونات والمناجم 25%.
وتشير التقييمات الأولية لاكتشافات الغاز المغربي في غرسيف بنحو 393 مليار قدم مكعّبة، مع امتلاك بريداتور نحو 295 مليار قدم مكعّبة، بناءً على استخراج الغاز بنسبة 66% على مدار 13 عامًا، وهو ما يكفي لتغطية احتياجات الغاز لأكثر من 3 ملايين أسرة.
وأعلنت الشركة البريطانية أنها تتطلع إلى توقيع مذكرة تفاهم مع إحدى شركات الغاز الطبيعي للحصول على تمويل لتطوير اكتشافات الغاز المغربي، بموجب اتفاقية من الباطن من أجل وضع البئر على خطوط الإنتاج في أقرب وقت ممكن.
ويُقدر صافي القيمة الحالية المتوقعة غير الخاضعة للمخاطر في المشروع بنحو 592 مليون دولار، إذ بناءً على تقدير الغاز الموجود في الخزانات الأكثر سمكًا في اكتشاف غرسيف، فإن صافي الاحتياطيات المنسوبة إلى بريداتور يصل إلى 708 مليارات قدم مكعّبة من الغاز.
وتتكون رخصة غرسيف البرية من 4 تصاريح استكشاف لـ4 آبار تحمل اسم إم أو يو 1 و2 و3 و4، تغطي مساحة 7 آلاف و269 كيلومترًا مربعًا.
وكانت شركة الطاقة البريطانية قد أبرمت أول اتفاق مع المكتب الوطني للهيدروكربونات والمناجم المغربية في عام 2021 بموجب اتفاق ترخيص مدته 8 سنوات.
تطوير الغاز المضغوط
تعهّدت شركة بريداتور أويل آند غاز بأنه بمجرد إثبات الاحتياطيات وتطوير موقع حقول غرسيف فإنها ستدرس بجدية تنفيذ مشروع لتطوير الغاز الطبيعي المضغوط، من أجل توفر كميات من الغاز للأسواق الصناعية.
وشددت الشركة على أن الغاز الطبيعي المضغوط قابل للتكيف مع طبيعة سوق الغاز المغربي، كما أنه يتيح تحقيق الدخل المتسارع من الغاز بأقل قدر من الاستثمار الأولي في الحفر.
وتعتزم شركة بريداتور خدمة القطاع الصناعي على نطاق محدود، بناءً على السعر المغربي الحالي لكل مليون قدم مكعبة (ألف قدم مكعبة) البالغ 11.40 دولارًا.
وتبلغ النفقات الرأسمالية الصافية لملكية بريداتور بنسبة 75% في المشروع التجريبي للغاز الطبيعي المضغوط نحو 12.21 مليون دولار، مع تكاليف تشغيلية تبلغ 2.3 دولارًا لكل مليون قدم مكعبة.
حقل غاز أنشوا المغربي
بعد أقل من 24 ساعة من إعلان بريداتور، تلقت اكتشافات الغاز المغربي أخبارًا سارة من شركة شاريوت البريطانية، بنجاحها في زيادة إجمالي الموارد القابلة للاستخراج المتبقية في مشروع حقل غاز أنشوا، إلى 1.4 تريليون قدم مكعّبة.
ولم تتوقف طموحات شاريوت عند حقل غاز أنشوا المغربي، وإنما حددت آفاقًا لاستكشاف آخر في ترخيصي ليكسوس وريسانا، ضمن نتائج التقييم التي أجرتها شركة “نيذرلاند سيويل آند أسوشيتس” الاستشارية.
وأكدت شاريوت -في بيان صحفي أصدرته أمس الأربعاء (20 يوليو/تموز)- أن ترقية الموارد تدعم جهود الشركة لتطوير موارد الغاز المغربية، من أجل تأمين احتياجات السوق المغربية، وتصدير الفائض إلى الخارج، خاصة أوروبا، التي تسعى لتنويع مصادر الإمدادات بعيدًا عن روسيا.
وتمتلك الشركة البريطانية 75% في الحقول التي تعمل على تطويرها، ومن بينها مشروع حقل غاز أنشوا المغربي، ويمتلك المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، حصة الـ25% المتبقية.
تلبية الطلب على الغاز
من جانبه، قال المدير الفني لشركة شاريوت، دنكان والاس: إن زيادة مواردنا في اكتشافات الغاز المغربي خطوة مهمة نحو التدفقات النقدية المادية، وتوفير الغاز لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في الرباط.
وتستهدف شركة شاريوت وضع حقل أنشوا على خطوط الإنتاج في أسرع وقت ممكن، مع العمل في جميع جوانب خطة التطوير المطلوبة للوصول إلى قرار الاستثمار النهائي.
كانت شاريوت قد أعلنت -في 20 يناير/كانون الثاني- الانتهاء من عمليات الحفر الاستكشافية في حقل غاز أنشوا، موضحةً أن بئر أنشوا 1 -التي بدأت عمليات حفرها في عام 2009- أصبحت متصلة بمنصة الحفر ستينا دون، مع إعدادها لعمليات الإنتاج المستقبلية.
ويضيف والاس: “ندرك قيمة حقل غاز أنشوا المغربي، ونواصل العمل من أجل إثبات النطاق الكبير لقاعدة مواردنا الأوسع في البلاد”.
تقديرات حقل أنشوا
أعلنت شركة الاستشارات زيادة تقدير للموارد الممكنة في حقل غاز أنشوا، بنسبة 82% في أقلّ من 201 مليار قدم مكعّبة مرتفعة إلى 365 مليار قدم مكعّبة.
وأشارت الشركة إلى أن هناك زيادة بنسبة 76% في أفضل تقدير للموارد الممكنة، لترتفع من 361 مليار قدم مكعّبة إلى 637 مليار قدم مكعبة.
وعززت أفضل تقدير للموارد المحتملة بنسبة 49%، ليرتفع إلى 754 مليار قدم مكعّبة في 3 أهداف لم تُحفر بعد، مع تحسّن في احتمال النجاح الجيولوجي، الذي يتراوح الآن بين 49 و61%.
ويُعدّ تطوير حقل غاز أنشوا إنجازًا مهمًا لقطاع الغاز المغربي، الذي يتوقع أن يشهد نموًا اقتصاديًا سريعًا ويحقق دخلًا واعدًا على المدى القريب، مع ترقب العديد من الدول الأوروبية للموارد الهيدروكربونية في المغرب.
وقدّرت شركة الاستشارات إجمالي الموارد القابلة للاستخراج من اكتشافات الغاز المغربي في حقل أنشوا بـ1.4 تريليون قدم مكعّبة.
ترخيص ليكسوس
قدّمت شركة الاستشارات -أيضًا- تقييمات حديثة حول اثنين من الاحتمالات في ترخيص ليكسوس لم يُحفرا بعد، وهما ماكورو وغرب أنشوا.
وأشارت إلى أن أفضل تقدير للموارد المحتملة يبلغ 838 مليار قدم مكعّبة، مع احتمال تقديري للنجاح الجيولوجي يتراوح بين 30 و52%.
وقدّرت الشركة إجمالي الموارد القابلة للاستخراج المتبقية في محفظة ليكسوس بنحو 4.6 تريليون قدم مكعّبة.
وفّر التقييم المبكر للمناطق التي يغطيها المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد، في ترخيص ريسانا، أفضل تقدير لإجمالي الموارد المحتملة يزيد على 7 تريليونات قدم مكعّبة.
اقرأ أيضًا: هل تعوّض اكتشافات الغاز المغربي إمدادات الجزائر؟.. خبراء يجيبون
تحدث خبراء، عن اكتشافات الغاز المغربي الأخيرة، ومدى جدواها الاقتصادية، وإذا كان يمكنها تعويض الإمدادات الجزائرية التي انقطعت منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
فبعد نحو 5 أشهر من توقّف الغاز الجزائري إلى المغرب بانتهاء العقد المبرم بينهما، عاد الحديث عنه، ولكن ليس من الجهة المتعلقة بإعادة النظر في القرار، بل على خلفية الاكتشافات الأخيرة التي أعلنتها الرباط.
وقال المغرب، إن اكتشافات الغاز الأخيرة قابلة للاستخراج والإنتاج بغرض البيع والاستغلال، ولتُظهر مجددًا إمكان تعويض الغاز الجزائري بوساطة الحقول والآبار المغربية المكتشفة.
أهمية اكتشافات الغاز المغربي
يرى المدير السابق للاستكشافات في مجمع سوناطراك الجزائري، سعيد بغول، أن إعلان اكتشافات مهمة لحقول الغاز في المغرب مجرد حرب إعلامية، هدفها إقناع الجبهة الداخلية بأن توقف العقد مع الجزائر، وأنه لن يكون له أيّ أثر، وسيّعوض بسهولة.
وتساءل بغول عن توقيت هذا الإعلان، كونه يحمل في طيّاته علامات الاستفهام، قائلًا: “لماذا لم يعلن الاكتشاف عندما كان عقد أنبوب ميدغاز ساري المفعول؟”، فليس من المنطقي تغاضي أيّ بلد عن استغلال ثرواته الباطنية مثل الغاز، بينما تستعين بالغاز المستورد من الخارج.
وقال في تصريح خاص إلى “الطاقة”، إن التسليم بوجود حقول تحتوي على الغاز في المغرب لا يعني القدرة على استغلالها قبل 10 سنوات، نظرًا للاستثمارات الضخمة التي يتطلبها حفر بئر واحدة، بجانب المعطيات الجيولوجية المتحكمة في طريقة الحفر وعمق البئر وطبيعة التربة والصخور، التي تترجم بشكل تكاليف تحكم جدوى المشروع الاقتصادية، خاصة أن المغرب لا يملك أيّ خبرة في قطاع إنتاج المحروقات.
كما إن حجم الغاز، وفقًا لبغول، -الذي كان المغرب يستفيد منه بفضل عقد أنبوب ميدغاز-، يُقدَّر بمليار متر مكعب سنويًا بأسعار تكاد تكون رمزية، ومن ثم فإن تحقيق هذا الحجم من الإنتاج بشكل مستقر وبالتكاليف المالية نفسها مستحيل.
ودلّل على ذلك بتوقّف محطتي إنتاج الكهرباء، اللتين كانتا تستعملان الغاز الجزائري، لافتًا إلى أن المعلومات من داخل المغرب تؤكد العودة لاستعمال الفحم مصدرًا لإنتاج الكهرباء، ما عدّه دليلًا على استبعاد فرضية اكتشاف هذا المخزون.
حقول تنبئ بمخزون
في المقابل، قال مدير الدراسات السابق بوزارة الطاقة الجزائرية والخبير الدولي، عبد الرحمان مبتول، إن المغرب يمكنه التوجه نحو الاستثمار في موارد باطنية أخرى، منها مجال الفوسفات بالدرجة الأولى، لا سيما في منطقة الريف، وهو ما يمكن أن يدل على وجود مخزون من الموارد في المنطقة.
وأوضح مبتول أن الفوسفات المغربي يتميز بدرجة نقاء عالية تتراوح بين 53 و60%، حسب الدراسات التقنية، من ثم فإنّ تكلفة تحويله لمادة تجارية لن تكون مرتفعة، خاصة أنّ أسعار الفوسفات ارتفعت مؤخرًا في السوق العالمية على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ ارتفع إلى 160 دولارًا للطن.
ولفت إلى أن المغرب يسيطر على 80% من أراضي الصحراء الغربية، ومن ثم لديه إمكانات كبيرة لإنتاج الفوسفات، موضحًا أن هناك شركات إسرائيلية تسعى للاستثمار في فوسفات الصحراء الغربية، رغم التعقيدات السياسية التي تنتظر ما ستقرره الأمم المتحدة في هذا الشأن خلال الشهر الجاري.
3 سنوات قبل الاستغلال التجاري
وفقًا للخبير الاقتصادي والنفطي الجزائري، عبدالرحمان عية، فإن مصطلح الاستكشاف في المجال النفطي والطاقوي يعني تضافر عديد من العوامل والمراحل التي سبقت إعلان حقل أو بئر معين، ومع هذا فهذا الأخير لا يعني أنه سيكون جاهزًا للاستغلال والإنتاج مباشرة.
ودلّل عية على هذا الأمر بأن المراحل الأولى لعمليات الاستكشاف تكون في أغلب الأحيان عن طريق صور القمر الصناعي، ثم تليها عمليات المسح الزلزالي التي تتيحها التكنولوجيا حاليًا، وبعدها تأتي مرحلة الحفر الاستكشافي التي تسبق عملية الحفر الأساسية.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر، إن هذا النوع من الاكتشافات لا يجيب على الأسئلة الأساسية والضرورية، لا سيما الحجم الحقيقي للمخزون وإمكان استخراجه، والتكاليف المطلوبة التي ترتبط بمجموعة من النقاط على غرار عمق البئر وطبيعة الصخور أو التربة التي توجد فيها المحروقات، بالإضافة إلى نوعية المخزون، وذلك في معادلة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار أسعار النفط بالأسواق العالمية.
وأوضح عبدالرحمان عية، أن بدء الاستغلال التجاري وبيع المخزون من النفط أو الغاز، أو استعماله لتغطية الطلب المحلي، تُقدَّر في المتوسط بنحو 3 سنوات منذ بداية أعمال الحفر الخاصة بالإنتاج.
ومن ثم، فإنّ الاعتماد على الاكتشافات الأخيرة لتعويض توقّف إمدادات الغاز الجزائري، بعد توقّف أنبوب “ميدغاز”، الذي يتجه نحو إسبانيا عبر المغرب، لن يحدث حاليًا، مشيرًا إلى أن هذه الكمية من الغاز الجزائري يمكن تعويضها، بحكم كونها ليست كبيرة.
كان المغرب يستفيد من عبور أنبوب “ميدغاز” عبر أراضيه، قبل 31 أكتوبر/تشرين الأول، منذ انتهاء العقد، على نحو مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، أي ما يمثّل 97% من احتياجاتها.
ويحصل المغرب على نصف هذه الكمية في شكل حقوق طريق مدفوعة عينًا، والنصف الآخر يشتريه بثمن تفاضلي، وكان الغاز الجزائري يزوّد محطتين للكهرباء في تهدارت (شمال) وعين بني مطهر (شرق)، بما يصل إلى نحو 700 مليون متر مكعب سنويًا.
وتوقّع عية إمكان تعويض الغاز الجزائري، لا سيما أن الاستثمار في القطاع الطاقوي والنفطي مرتبط أيضًا بالمعطيات الجيوسياسية، والتوازنات الدولية، وكذا القرارات السياسية، ومن ثم فإنّ احتمال حصول المغرب على مساعدات مالية وتقنية من أوروبا وارد، في محاولة للبحث عن بدائل لإمدادات الغاز الروسي.
المصدر: مواقع إلكترونية