تقدر احتياطياته بنحو 2 مليار طن.. كيف سيغير “عملاق الحديد النائم” مكانة الجزائر الاقتصادية؟
تفتتح الجزائر، السبت، رسميا منجم الحديد الكبير بغار جبيلات بمحافظة تندوف، أقصى جنوب غرب الجزائر، وذلك لأول مرة منذ اكتشافه عام 1952، وهو المنجم الذي يوصف بـ “عملاق المناجم النائم”.
وتمتد رواسب غار جبيلات على طول 131 كيلومتر مربع، وتقدر احتياطياته القابلة للاستغلال بنحو 2 مليار طن من الخام، مع نسبة 58.57 بالمئة من الحديد، وهو ما يضع الجزائر في ريادة صناعة الحديد والصلب في إفريقيا.
التسويق الجيوسياسي والاقتصادي
وجاء في بيان وزارة الطاقة الجزائرية، أن وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، سيقوم بافتتاح المنجم، الذي تسعى من خلاله الجزائر لضمان وتأمين إمداد المصانع الوطنية للمعادن والصلب بالمواد الخام وتعزيز الإيرادات غير الهيدروكربونية.
وقد ظل هذا المشروع بين أعين الحكومة الجزائرية منذ عقود من الزمن، غير أن الظروف السياسية والأمنية التي مرت بها الجزائر فضلا عن ارتفاع تكلفة المشروع هو الذي أخر استغلال المنجم إلى يومنا هذا.
وحسب المدير العام للمناجم بوزارة الطاقة والمناجم الجزائرية، مراد حنفي، فإن أبرز العراقيل التي تواجه المشروع، هي تواجده في منطقة معزولة تفتقد إلى كل المرافق اللازمة، خاصة السكة الحديدية والطاقة والماء.
وأكد حنفي أن المشروع سينطلق بطاقة تصل 4 ملايين طن سنويا، خلال مرحلة الأولى الممتدة حتى 2024.
وينظر خبراء الاقتصاد إلى غار جبيلات باعتباره داعما للاقتصاد وللأمن القومي في نفس الوقت، خاصة في الجنوب الذي ظل يعاني التهميش من التنمية.
ويتوقع أن يخلق المشروع أكثر من 3 آلاف وظيفة مباشرة، وأكثر من 25 ألف وظيفة غير مباشرة، بالإضافة إلى تشييد العديد من المنشآت القاعدية والخدماتية التي ظلت تفتقر إليها المنطقة.
وقال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن عطية لموقع سكاي نيوز عربية: “رغم الأهمية الاستراتيجية الذي يحملها المنجم إلا أن الأمور تسير في إطار التسويق الاقتصادي الجيوسياسي والاقتصادي بالدرجة الأولى”.
وتعتبر الجزائر ثالث أكبر منتج للنفط في إفريقيا وأكبر منتج للغاز الطبيعي في القارة، وتسعى إلى تنويع مصادر دخلها، وفق برنامج التنويع الواسع الذي يطلق عليه” نموذج النمو الجديد لعام 2030″.
منعطف استراتيجي هام
وسلط هذا الحدث المزيد من الأضواء الدولية على الجزائر، وذلك بالتزامن مع دخول قانون الاستثمار حيز التطبيق، وهي الخطوة الطموحة التي ستحرك العديد من المشاريع الكبرى المتعثرة منذ عقود.
ووصف خبير الطاقة محمد غزلي افتتاح غاز جبيلات بالمنعطف الاستراتيجي الذي سيضع الاقتصاد الجزائري على السكة ويدعو المستثمرين الأجانب خاصة في مجال البناء والعقارات والصناعة الثقيلة لدخول السوق الجزائرية مما سيساعد في تعزيز البنية التحتية.
وقال غزلي لموقع سكاي نيوز عربية: “من المهم أن توجه الجزائر رسائل إلى العالم على أنها بلد الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي، وهو ما كان ينقصها في السنوات الماضية مما دفع بالمستثمرين للعزوف عن الدخول إلى السوق الجزائرية”.
وأكد خبير الطاقة على أن خطة الجزائر تركز على جلب العملة الصعبة ودعوة الأجانب للاستثمار في المناطق الاستراتيجية.
في إطار شراكة صينية قوية
وتأتي هذه الخطوة الهامة، تجسيدا لبنود مذكرة التفاهم التي وقعتها الشركة الوطنية للحديد والصلب الجزائرية مع مجموعة “سينوستيل “الصينية للمعدات والهندسة لإجراء دراسات الجدوى لتطوير المشروع، في 12 مارس 2017.
وشمل العقد أداء مراكز الأبحاث الصينية لاختبارات التخصيب في أربع عمليات مختلفة، بتكلفة استثمارية تقارب ملياري دولار، حسب تقديرات الخبراء.
وقد أنتجت الجزائر في عام 2016، أكثر من 2.5 مليون طن من الحديد والصلب وكانت تهدف في ذلك الوقت إلى إنتاج سنوي يبلغ 12 مليون طن بحلول عام 2020، بهدف تلبية الاحتياجات الوطنية (أكثر من 9 ملايين طن سنويا في عام 2015) مما دفعها للاستيراد على مدى عامين.
وتطمح اليوم لكي تصل طاقتها الإنتاجية الحالية، المقدرة ب 5 ملايين طن في السنة من الحديد والصلب، إلى 12 مليون طن في غضون 4 إلى 5 سنوات، و16 مليونا بحلول عام 2030.
اقرأ أيضاً: هل تستخدم الجزائر “دبلوماسية الغاز” في علاقتها مع أوروبا؟
أعلنت الشركة العمومية الجزائرية لاستغلال الموارد البترولية “سوناطراك”، تحقيق 3 اكتشافات جديدة، منها اكتشافان يتعلقان بالغاز، وذلك بالتعاون مع الشريك الاستراتيجي للجزائر، شركة “إيني” الإيطالية.
وتأتي هذه الاكتشافات الطاقوية الهامة بالتزامن مع توجه الاقتصاد الجزائري، بخطوات بارزة، باتجاه مرحلة عولمة الاقتصاد لاسيما في مجال الطاقة وتشغيل مختلف القطاعات الهيدروكربونية والهيدروجين الاخضر.
إمكانيات كبيرة ومجازفات
ويبلغ عدد الاكتشافات النفطية، التي أعلنت عنها الجزائر خلال النصف الأول من 2022، 7 اكتشافات هامة، منها اكتشاف بحوض إيليزي جنوب الجزائر، والذي قدرت قدرته الأولية بحوالي 100 و340 مليار متر مكعب من الغاز المكثف.
ووصف خبير الطاقة ومدير الاستكشافات السابق في مجمع “سوناطراك”، سعيد بغول، هذه الإعلانات بـ”العادية والتي لا تحتاج إلى تفسير سياسي، رغم تزامنها مع إحدى أصعب الأزمات الطاقوية التي تمر بها أوروبا”.
وقال بغول لموقع “سكاي نيوز عربية”: “لقد اعتادت سوناطراك الإعلان عن اكتشافات، ولكن تسليط الضوء عليها بهذا الشكل في المرحلة الحالية، هو أمر راجع للأزمة التي تعيشها الدول الأوروبية التي تبحث عن بديل يحررها من الحصار الروسي”.
وأضاف: “الدول الأوروبية تريد حلولا استعجالية ورغم أن الجزائر تمتلك مخزونا جيدا من الطاقة والغاز إلا أنه لا يمكن لها تلبية ذلك بسرعة، بسبب ارتفاع احتاجيات السوق المحلية (نحو 45.8 مليار متر مكعب) التي تبقى أولوية استراتيجية وأيضا لقلة الإمكانات وارتباطها بعقود ملزمة مع دول أخرى”.
وأوضح المسؤول السابق في سوناطراك أن المشكلة الكبرى تكمن في ضيق الوقت وليس في قدرة الجزائر على زيادة حجم الطلبات التي تتلقاها من الدول الأوروبية.
ويرى الخبير في الطاقة أن القدرة القصوى للجزائر التي يمكنها أن ترفعها لا تتجاوز 6 مليارات متر، وهذا على المدى المتوسط وهو ما لا يتماشى مع احتياجات الدول الأوروبية المستعجلة.
ويستبعد خبراء الطاقة إمكانية تعويض الغاز الجزائري للغاز الروسي الموجه إلى أوروبا، في مقابل هناك إمكانية لزيادة الجزائر لحصص بعض الشركاء التقليديين مثل إيطاليا وفرنسا.
وتقدر احتياطات الجزائر من الغاز الطبيعي بنحو 2,4 ترليون متر مكعب، وتقدر صادراتها الغازية نحو أوروبا بـ34.1 مليار متر مكعبا، أي ما يعادل 11 في المئة من الاستهلاك الأوروبي.
المصلحة الوطنية أولا
وتنظر بعض الدول الأوروبية في مقدمتها إيطاليا وإسبانيا إلى الغاز الجزائري باعتباره عصب الحياة، وقد أبانت الأزمة الجزائرية الإسبانية عن ملامح الاستراتيجية التي تعتمدها الجزائر في علاقاتها مع الدول عن طريق استخدام ورقة الغاز.
ويجمع خبراء الطاقة على أن الأزمة الأوكرانية دفعت بسلاح الغاز ليعلب دورا كبيرا في بناء العلاقات الدبلوماسية بين الدول المنتجة للغاز والدول الأوروبية التي تبحث بكل الطرق عن بدائل للغاز الروسي.
في مقابل ذلك، لم تؤثر الأزمة الإسبانية الجزائرية على عقود الغاز، فعدا الاتفاق الجديد الذي أعلنت عنه الجزائر مؤخرا والقاضي بزيادة إمداداتها من الغاز إلى إيطاليا بواقع 4 مليارات متر مكعب، لم تقم سونطراك برفع حصة الغاز إلى أي دولة أوروبية رغم الطلبات الكثيرة التي وصلتها.
وقال الخبير الطاقوي الجزائري، نبيل بوجمعة، إن الغاز يمثل بالنسبة للجزائر قوة استراتيجية ودبلوماسية وسياسية، مما يجعل أي بلد آخر يرغب في الاستثمار في الأسواق الجزائرية وهو ما يفرض دفاع الطرف الجزائري عن مصالحه الوطنية وتجنب أخطأ الماضي على غرار الشراكة مع الاتحاد الأوروبي التي امتدت عواقبها لسنوات عدة.
احترام العقود والاتفاقيات
من جهته، يؤكد الدبلوماسي الجزائري السابق، مصطفى زغلاش، أن الجزائر تتصرف في المرحلة الحالية وفق مبدأ احترام الاتفاقيات الملزمة.
وقال لموقع “سكاي نيوز عربية” إن العلاقات التجارية هي جزء أساسي من العلاقات الدبلوماسية، والجزائر تسعى لتوسيع نطاق تعاونها الطاقوي منذ الاستقلال مع الدول التي تجمعها بها علاقات صداقة قوية.
وقد قامت الجزائر بطمأنة شركائها بما فيها إسبانيا، بشأن مسألة الغاز، ولكنها في المقابل تمسكت بحقها في مراجعة الأسعار وفق ما تنص عليه الاتفاقيات.
على خط واحد مع الجميع
وتعتبر الجزائر نفسها دولة غير معنية بشكل مباشر بالنزاع الذي يهدد أمن واستقرار دول الاتحاد الأوروبي، وهي تلتزم بحق التحفظ في وفق مبدئها الدبلوماسي الثابت منذ الاستقلال، حيث لم يثبت وأن قامت الجزائر بقطع الغاز على شركائها الأوروبيين لأسباب سياسية.
كما لم توجه روسيا أي ملاحظات إلى الجزائر فيما يخص مواقفها وقراراتها السيادية التي تتعلق بسياستها النفطية.
وأكد الدبلوماسي السابق أن “سياسة الجزائر واضحة جدا تجاه الأزمة الأوكرانية”.
وقال زغلاش: “إن تعدد شركائها من الصين وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي هو الذي يدفع الجزائر لتتعامل بحذر شديد مع مسألة الغاز”.
المصدر: مواقع إلكترونية