مناخ

تقلب المناخ.. مدن غرقى وطقس ملتهب وكوكب جائع

منذ فترة طويلة من الزمن، كان التغير المناخي أمرا يتوقع حدوثه العلماء في المستقبل ولكن الأمر لم يعد كذلك، فقد أصبح بمقدورنا –لأول مرة في التاريخ- رؤية ما اقترفته أيدينا والتأثيرات السلبية للتغير المناخي على حياتنا، فالأعاصير أصبحت أقوى والفيضانات أشد وموجات الحر لا تُحتمل، وهناك زيادة مخيفة في مستوى مياه البحار، وكل هذا التدهور المناخي يحدث أسرع بكثير مما توقع العلماء.

ويرى العلماء أنه بهذا المعدل من الاحتباس الحراري، فإن البشرية تخاطر بمستقبلها، ويطرحون سؤالا حول كيفية تأمين الغذاء لسكان العالم؟

هذا الموضوع المهم والخطير وكيفية إيجاد حلول له هو موضوع الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة الجزيرة الوثائقية بعنوان “تقلب المناخ.. نذر وحقائق”، ويحاول عرض المشكلة بكل تفاصيلها والبحث عن حلول لها عبر استضافة أبرز علماء المناخ من جميع أنحاء العالم والخبراء المهتمين بهذا المجال.

كانت البداية بطرح عدة أسئلة وإيجاد أجوبة سريعة عليها، لأن ما نزرعه اليوم سلبا كان أو إيجابا سنحصده في السنوات القادمة، فما الذي يجب فعله لضمان عدم وقوع الكارثة وإنقاذ حضاراتنا وعالم الطبيعة التي نعتمد عليه؟

الوقود الأحفوري.. شعلة النار التي تحرق الكوكب

إن مناخنا آخذ في التغير بسبب حقيقة واحدة بسيطة، وهي أن عالمنا يزداد حرارة، وعن هذه المعضلة يقول البروفيسور “بيتر ستوت” من مكتب الأرصاد الجوية البريطانية وجامعة إكستر: لدينا ارتفاع في درجات الحرارة على مدى 100 عام، وهناك نمط متصاعد ومتصل، كما أن 20 عاما من بين الأعوام الأعلى حرارة، سجلت في آخر 22 عاما.

وبعد 4 عقود من الأبحاث المشتركة والمنفصلة لعلماء من مختلف أنحاء العالم، توصلوا إلى سبب لا لبس فيه يؤدي لارتفاع درجات الحرارة، وهذا السبب بريئة منه الطبيعة، فهو من صنع الأنشطة البشرية، وخاصة استخدام الوقود الأحفوري.


وتقول البروفيسورة “ناعومي أوريسكوس” من جامعة هارفارد: كل شيء نقوم به في مجتمعنا منذ الاستيقاظ صباحا يرفع درجة حرارة كوكبنا، فنحن نستخدم الطاقة طيلة اليوم، وفي عالمنا الصناعي تأتي جل الطاقة من الوقود الأحفوري.

وبحسب البروفيسور “ستوت”، فإن هذا الوقود -كالفحم والغاز والنفط- نحرقه لتشغيل محطات توليد الطاقة لتدفئة منازلنا وتشغيل مصانعنا وتزويد سياراتنا وقطاراتنا بالوقود.

وعندما نحرق الوقود الأحفوري ينتج عنه غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يعمل مثل البطانية، ويمتص الإشعاع الحراري من سطح الأرض، ويحتفظ به في الغلاف الجوي، فيترك سطح الأرض أسخن مما كان عليه من قبل، والمشكلة أننا نضخ كمية إضافية من ثاني أوكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى وبالتالي نساهم في زيادة سمك هذه البطانية.

ثاني أوكسيد الكربون.. غاز يصنع موجات الجفاف والحر

يقول الدكتور “جيمس هانسن” المدير السابق في معهد “ناسا غودارد” لدراسات الفضاء: قبل البدء بحرق الفحم كان مستوى ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي 280 جزءا بالمليون، أما في الوقت الراهن، فقد تجاوز 400 جزء بالمليون، ودرجة حرارة الكوكب آخذة بالارتفاع أكثر.

وبسبب الضخ الكبير لثاني أوكسيد الكربون، فقد ارتفعت حرارة كوكبنا درجة واحدة، وهذا الارتفاع يبدو بسيطا للوهلة الأولى، لكنه يعتبر كافيا لترك الآثار التي نسميها التغير المناخي.

ويفسر عالم المناخ في جامعة بنسلفانيا البروفيسور “مايكل مان” ما يعنيه ارتفاع درجة حرارة الكوكب درجة واحدة، إذ يقول: إذا ارتفعت درجة حرارة الكوكب فستكون هناك درجات حرارة أكثر حدة وتكرارا، ويتسبب ذلك في جفاف التربة، ويصبح الجفاف أقوى، فنحن نشهد موجات حر شديدة في جنوب أفريقيا واليابان وأمريكا الشمالية والمملكة المتحدة.


ويسبب التغير المناخي أيضا مشاكل صحية للبشر، ولكن العلماء لم يحسموا ما إذا كان التغير المناخي مسؤولا عن حدث معين، فهم يبحثون حول ما إذا كان هذا التغير قد زاد من احتمالية وقوعه أو جعل هذا الحدث أكثر حدة. ويؤكد العلماء أن فرص حدوث موجات حر شديدة تضاعفت بنحو 30 مرة أكثر مما كان عليه قبل التغير المناخي، ويساهم ذلك التغير في زيادة درجات الحرارة القصوى، وهذا يترك تأثيرا كبيرا جدا على كوكبنا.

وللتدليل على هذا التأثير، ضربت موجة من الحر أستراليا ووصلت درجة الحرارة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 إلى 42 درجة مئوية، فلم تستطع الكائنات الحية المتكيفة مع الحرارة البقاء على قيد الحياة، فطرق التبريد المعتادة لديها لم تكن كافية للتعامل مع هذا المستوى من الحرارة، وربط العلماء هذا الارتفاع بالتغير المناخي.

ويذهب الدكتور “هانسن” في تحذيره أكثر من ذلك ليقول: إذا زادت سرعة التغير المناخي سنكون بذلك قد دفعنا بالكائنات الأخرى إلى خارج الكوكب، فنحن نسبب انقراضا لبعض الأنواع، وهذا أمر لا يمكن إصلاحه.

حرائق الغابات.. وحش النار يلتهم الإنسان والاقتصاد

يؤمن العلماء أن 8% من أنواع الحيوانات مهددة بالانقراض بسبب التغير المناخي حصرا. فالأمر لا يتعلق بخسارة عجائب طبيعية، بل سنفقد أيضا أصغر الكائنات الحية، مما يجعلنا في نهاية المطاف نخاطر بانهيار الأنظمة البيئية في العالم، وهي الشبكات التي تدعم جميع مظاهر الحياة على الأرض.

فمع ارتفاع درجات الحرارة، يتضاعف مستوى التهديدات التي نواجهها، فقد شهد العام الماضي أرقاما قياسية في حرائق الغابات حول العالم، حتى وصلت إلى القطب الشمالي أكثر مناطق العالم برودة. وهذه الحرائق تسببت بخسائر بشرية ومادية تقدر بعشرات مليارات الدولارات، فحرائق كاليفورنيا وحدها قبل أعوام، أودت بحياة أكثر من 100 شخص، وأسفرت عن خسائر قدرت بنحو 24 مليار دولار. وهذا يعني أننا نتحدث عن تغير مناخي مميت للبشر ومدمر للحجر.


تبدأ حرائق الغابات بشرارة صغيرة، وبعدها تتكفل الرياح وأحوال الطقس بنقل تلك النيران وانتشارها. وتأثير التغير المناخي لا يقتصر فقط على ارتفاع درجة الحرارة، بل يتعدى ذلك لتغير أنظمتنا المناخية بطرق أخرى، فمع ارتفاع درجة الحرارة درجة واحدة، تزداد الرطوبة بسبب زيادة التبخر من المحيطات، وهذا يعني معدلات أمطار أكثر وعواصف قوية وفيضانات عارمة، وباتت تأثيرات التغير المناخي واضحة للعيان ومباشرة، وليس علينا انتظار عشرات السنوات كي نراها.

وفي الوقت التي لا نستطيع فيه تحميل كل هذه الكوارث للتغير المناخي، ستترك أحداث الطقس القوية ملايينا من البشر مشردين وبحاجة للمساعدات الإنسانية.

ذوبان الجليد.. غضب القارة المتجمدة يغرق الأرض

ويتجاوز تأثير التغيير المناخي الطقس، فعلى بعد آلاف الكيلومترات وبعيدا عن أنظار معظمنا، هناك خطر يتعاظم، فجليد الأرض المتجمد منذ آلاف السنين آخذ في الذوبان. وعن هذا الخطر الداهم، يقول البروفيسور “آندرو شيبرد” عالم المناخ في جامعة ليدز: ارتفعت حرارة الأرض درجة مئوية واحدة على مدى العقد الماضي، ويرى معظم الناس أن هذا ارتفاع ضئيل، ولكنه كبير جدا، ولا يستطيع جليد الأرض تحمله.


وقد قيم مجموعة من العلماء الجليد على الأرض في عدة مناطق وظهر لهم أن التقييم أسوأ من المتوقع، فبحسب البروفيسور “شيبرد” فإن جليد غرينلاند يذوب حاليا، وقد خسر نحو 4 تريليونات طن من كميته، وهو يخسر الآن 5 أضعاف ما كان يخسره قبل 25 عاما.

ويقول البروفيسور “شيبرد”: في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، كانت معظم الدراسات في الماضي تتحدث عن أن مساحة قارة أنتاركتيكا (القارة المتجمدة الجنوبية) ستنمو، لكن الوضع ليس كذلك، بل إنها تخسر 3 أضعاف ما كانت تخسره قبل 25 عاما.

فالماء الناتج عن ذوبان هذه الجبال الجليدية ينتهي في مكان واحد وهو المحيطات، وعندها تبدأ التأثيرات بالظهور على الناس في بقية أنحاء الكوكب، وكلما ذابت الجبال الجليدية يرتفع منسوب مياه البحر، وقد ارتفع مستوى سطح البحر بنحو 20 سنتيمترا خلال 100 عام الأخيرة.

مناطق الساحل.. مياه المحيط تغزو اليابسة وتشرد البشر

أدى ارتفاع منسوب البحار إلى تشريد ملايين الناس الذين يقطنون المناطق الساحلية المعرضة أصلا للخطر، كما في مناطق المحيط الهادئ وإندونيسيا وبنغلاديش. وتتحدث “كوليت بيشون باتل” المديرة التنفيذية في مركز ساحل الخليج للقانون والسياسة قائلة: سيكون التأثير على العائلات أمرا لا أرى أننا سيكون بمقدورنا الاستعداد له، ففي الولايات المتحدة تعتبر لويزيانا على الخط الأمامي لهذه الأزمة المناخية، فالولاية تفقد أجزاء من اليابسة في واحد من أسرع المعدلات على سطح الأرض، إذ تفقد مساحة تعادل ملعب كرة قدم كل 45 دقيقة.

وبعد أن كانت جزيرة “دي جان شارلز” موطنا لنحو 400 شخص، فإنها اليوم تغور في الأرض بسبب استخراج النفط والغاز، إضافة لارتفاع مياه البحار الآن، مما جعل هذه الجزيرة تفقد كثيرا من مساحتها خلال العقود الستة الماضية.

وبالتالي لم يعد أمام سكان هذه الجزيرة أي خيارات، إذ لم يبق من الجزيرة سوى 10%، وسينتقل مجتمع بأكمله ويعاد توطينه بمساعدات من الحكومة الفيدرالية، وهي المرة الأولى التي تدفع الحكومة أموالا بهذه الطريقة المباشرة بسبب تأثيرات التغير المناخي. وقد اعتُبر سكان جزيرة “دي جان شارلز” أول لاجئين بسبب التغير المناخي في الولايات المتحدة، ولكن سكان هذه الجزيرة لن يكونوا الأخيرين، وسيكون هناك لاجئون آخرون بسبب التغير المناخي.


ولا ترتفع مستويات البحار بسبب ذوبان الجليد فحسب، فمياه المحيطات تتمدد أيضا بسبب ارتفاع درجة حرارتها، وأكثر من 90% من الحرارة المحجوزة في غلافنا الجوي تُخزن في المحيطات، مما سيترك تأثيرا مدمرا على الأرض، فبسبب موجات الحر في السنوات الثلاث الماضية ابيضّ ثلث الشعاب المرجانية الموجودة في العالم ثم ماتت.

ويؤكد العلماء أن هذا الجيل سيكون مسؤولا عن تدمير أحد أعظم الأنظمة البيئية على وجه الأرض، ونشهد موت هذه الأعجوبة الطبيعية.

حملات التشكيك بالعلم.. جشع يفسد معركة إقناع الساسة بالخطر الموشك

في صيف عام 1988، أدلى الدكتور “جيمس هانسن” بشهادته عن التغير المناخي أمام الكونغرس، وحذر وقتها قائلا إن الأرض في عام 1988 أصبحت أسخن من أي وقت مضى في تاريخ أجهزة القياس. وأكد وقتها أن هذه السخونة تأثير مادي حقيقي من ارتفاع ثاني أوكسيد الكربون.

وقد حاول “هانسن” وقتها الوصول إلى الناس والسياسيين، ولعب دورا كبيرا لوضع ظاهرة التغير المناخي على جدول الأعمال الدولي، وأسفر ذلك عن ردة فعل جيدة على المدى القريب، غير أن كلام السياسيين بقى في الإطار النظري، ولم ينتقلوا إلى الناحية العملية.

وقد كان من الأسباب التي جعلت الأمور تستغرق وقتا لتوضع على سكة الحل، مقاومة شركات الصناعات الضخمة التي كانت تعلم بشأن التغير المناخي، ولكن لم تكن تريد لشيء أن يتغير، ومن بين هذه الشركات التي كانت ستخسر الكثير من الأموال –لو نجح تحرك العمال- شركات الوقود الأحفوري، فهي الصناعة الأكثر ربحا في تاريخ البشرية، وهذه الشركات أرادت لهذه الأرباح الهائلة أن تستمر.

فقد شنت هذه الشركات حملات علاقات عامة ضخمة شبيهة بحملات شركات التبغ، بهدف التشكيك بالعلم وما يقوله العلماء والخلاصات التي كانت تتنبأ بالتأثيرات الكارثية للتغير المناخي، والهدف كان إبقاء الوضع على ما هو عليه. حتى وصل التشكيك إلى البيت الأبيض، حيث قال الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”: كل ما يقال عن الاحتباس الحراري هو خدعة، فهي صناعة تدر المال.

“جميعنا نستخدم الوقود الأحفوري”.. مسؤولية الشعوب

شكل مجموعة من السياسيين في بريطانيا حلفا مناهضا للتعامل مع الاحتباس الحراري، باعتبار أنه مثلما يجلب الأخطار، فلديه كثير من المنافع، وطالبوا بالتأقلم مع التغير المناخي بدلا من العمل على تقليص الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، وهو أمر مغرٍ لكثير من السياسيين، لأنهم لا يترتب عليهم فعل شيء، وهذا يريحهم أكثر.


وبحسب البروفيسورة “ناعومي أوريسكوس” من جامعة هارفارد، فإن المسؤولية لا تقع فقط على الساسة، بل أيضا على الشعوب، لأنهم يرغبون في سماع أن ظاهرة الاحتباس الحراري ليست ضارة، وتقول: جمعينا نستخدم الوقود الأحفوري في حياتنا اليومية، ونحن مشاركون في هذا النظام الاقتصادي، ولكن بالتأكيد مسؤولياتنا ليست متساوية.

ويؤكد “ريتشارد بلاك” مدير وحدة استخبارات المناخ والطاقة، أن بذور التشكيك بالعلم ساهمت في إبطاء الانتقال إلى اقتصاد الطاقة النظيفة.

ويقول الدكتور “هانسن”: لم تضيع البشرية الأعوام الثلاثين الماضية، ولكن كان ممكنا حل المشكلة لو بدأنا بزيادة سعر الوقود الأحفوري تدريجيا، وطورنا أساليب تكنولوجية أخرى كي تحل مكانه، لكننا لم نفعل ذلك.

زيت النخيل.. غابات استوائية في مهب رياح الاقتصاد

تلعب الغابات العملاقة دورا حيويا في تحديد توازن ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فالأشجار والنباتات تمتص ثاني أوكسيد الكربون وتستخدمه في بناء أوراقها وسيقانها وجذورها، وخلال هذه العملية تمتص الأشجار والنباتات ثلث الانبعاثات في العالم، وتعتبر الغابات بمثابة الرئتين للكوكب.

يقول البروفسور ماثيو هانسن عالم “الاستشعار عن بعد” في جامعة ميريلاند: منذ عام 1972 وأقمار “لاتساك” تراقب سطح الأرض وتأخذ صورا له، وفي 2008 أتاحت الحكومة الصور للجميع مجانا، وبسبب ملايين الصور التي كانت تصل إلى العلماء، فقد تمكنوا من رؤية الكوكب بأكمله، لينكشف حجم الكارثة والمساحة الكبيرة من الغابات التي أزيلت في دول مثل البيرو وبوليفيا.


فقد انقرضت غابات استوائية بأكملها، وأزيلت مئات آلاف الأشجار كي يزرع مكانها فول الصويا والمطاط والأعشاب لتربية المواشي، ولكن أحد الدوافع الرئيسة لقطع الغابات هو زيت النخيل، فثمار النخيل سحرية، وزيتها بات موجودا في كل سلعة نستخدمها كالصابون والشامبو والشوكولاتة والخبز، وزيادة طلب الناس على هذا المنتج يعني قطع أشجار أكثر لتلبية هذا الطلب المتزايد، مما يعني توقف هذا النظام البيئي عن العمل واختفاء المواطن الأصلية والطبيعية لكثير من الحيوانات.

وأكثر من ذلك، فهذه الغابات –التي باتت عملية إزالتها تنتشر في الدول كالعدوى- لديها مخزون ضخم من الكربون، وعندما تزال يضاف مزيد من ثاني أوكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي وتزداد الانبعاثات، وترتفع حرارة الكوكب.

وفي حال الاستمرار في قطع الغابات والأشجار، سنخسر سلاحا حيويا في مواجهة التغير المناخي، ولن نستطيع قلب الطاولة واسترجاع زمام المبادرة، إذ أن الوتيرة المتسارعة لقطع الأشجار وحرقها يعني أن ثلث انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الجو ناجمة عن هذه العملية.

تزايد الحرائق والأعاصير والجفاف.. مجاعة تلوح في الأفق

ويقول البروفيسور “مارك ماسلين” عالم المناخ في جامعة لندن: في حال استمر الوضع على ما هو عليه، فإن درجة الحرارة سترتفع درجة ونصفا ما بين عامي 2040-2050، وبعدها نقترب بشدة من الدرجتين.

ولا أحد يعلم ماذا يحل بالكوكب في حال ارتفعت درجة حرارته بمقدار درجتين، ولكن هناك مؤشرات كثيرة على هذه العواقب. إذ يقول البروفيسور “ماسلين”: مع تزايد العواصف والحرائق والأعاصير والجفاف، يصبح إنتاج الغذاء أكثر صعوبة.


ناهيك عن الصعوبات التي تواجه الناس في إطعام أنفسهم وتأمين المياه الصالحة للشرب، وخاصة في الدول النامية التي تقف في الخطوط الأمامية لهذه المعركة، والدول الفقيرة هي التي تتحمل وزر ما فعلته الدول الغنية والصناعية. وبحسب المؤشرات فإن الكوكب سترتفع درجة حرارته 6 درجات مئوية عام 2100.

وهناك أكثر من 600 مليون نسمة يعيشون في المناطق الساحلية التي لا يزيد ارتفاعها عن 10 أمتار فوق سطح البحر، والتوقعات تشير إلى أن منسوب مياه البحار قد يرتفع بنحو متر واحد مع نهاية هذا القرن. وفي حال استمر التغير المناخي على هذا الطريق، فإننا قد نخسر هذه المدن الساحلية وهذا يعني أنه قد “يصبح لدينا كوكب آخر، ووضع اقتصادي خارج عن سيطرتنا”، وفقا للدكتور “هانسن”.

وبعد كل هذه التداعيات والعواقب بسبب التغير المناخي والاحتباس الحراري، فهل هناك ما نجهله والعلم لم يصل بعد لسبر أغواره؟

غاز الميثان.. شبح الفقاعات الموشكة على إفساد المناخ

يطلق العلماء على العواقب المجهولة التي نتوقعها “نقاط التحول”، وهذا يعني أن أي تحول مفاجئ في التغير المناخي يأخذ الكوكب إلى مكان لا رجعة منه، فالانبعاثات التي يطلقها البشر الآن هي ما يؤدي إلى زيادة حرارة الكوكب، ولكنا إذا عبرنا نقاط التحول، فستخرج الأمور عن سيطرتنا.

وبكلام آخر، فإن الجليد المتجمد في غرينلاند وأنتاركتيكا سيذوب، والغابات ستموت وتتحول لبراري قاحلة، وهذا يعني تغييرا كارثيا وزيادة مستمرة في درجات الحرارة لا يمكن إيقافها أو الحد من تداعياتها، وإحدى نقاط التحول التي يتخوف منها العلماء هي الغازات الدفيئة المخزنة تحت الأرض، فهناك كميات كبيرة من غاز الميثان مخزنة في القطب الشمالي، والخوف أنه عندما يبدأ الجليد بالذوبان، سيخرج الغاز إلى الأعلى على شكل فقاعات “جيوب بيضاء من الغاز”، فغاز الميثان أقوى بـ21 مرة من ثاني أوكسيد الكربون في تأثيره بالاحتباس الحراري.


ولكن ما الذي على الحكومات والساسة والأنظمة والناس فعله كي نعدل هذا المسار؟

ففي قمة المناخ بفرنسا عام 2014، اتفق قادة الدول على العمل للحد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب لأكثر من درجتين مئويتين ووضعوا حدا للزيادة عند درجة ونصف، ولأجل اقتران الأقوال بالأفعال، وإبقاء درجة الاحتباس الحراري عند درجة ونصف، فعلينا تقليل انبعاثاتنا من الكربون إلى النصف بحلول 2030 ثم إلى الصفر على مستوى العالم بحلول عام 2050.

وهذا الأمر يفرض تحديا ضخما، إذ يجب على الكربون أن يخفض من كل قطاع في اقتصادنا، فـ25% منه تأتي من طريقة إنتاجنا للكهرباء والطاقة، رغم البدائل الموجودة في متناول أيدينا.

تقول البروفيسورة “ناعومي أوريكس” من جامعة هارفارد: الأمر ليس بذلك التعقيد، فعلينا التحول من الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي ينتج الغازات الدفيئة إلى مصادر الطاقة المتجددة التي لا تسبب أي انبعاثات.

مصادر الطاقة المتجددة.. طرق طبيعية لصناعة عالم مختلف

كل بلد في العالم لديه نوع من الطاقة المتجددة، ففي النرويج مثلا هناك الموارد المائية الهائلة وفي المغرب والهند كثير من الطاقة الشمسية، وكانت المشكلة في السابق أن الطاقة المتجددة أغلى من الوقود الأحفوري، ولكن في السنوات القليلة الماضية هبطت أسعار الطاقة المتجددة بشكل كبير.

وقد قادت الطاقة الشمسية الطريق في هذا الاتجاه، حتى باتت الكهرباء التي تنتج من الطاقة الشمسية أرخص أنواع الكهرباء في أكثر من 60 بلدا.

وإضافة إلى الطاقة الشمسية، هناك الطاقة النووية التي لا تنتج الانبعاثات، وأيضا الرياح، وهذا ما دفع بعض الدول -ومن بينها بريطانيا- لبناء توربينات ضخمة لأنه كل ما كان التوربين أكبر، كان التقاطه للرياح أكثر، مما ينتج كهرباء أكثر، وكل دورة واحدة للشفرات الضخمة، تؤمن كهرباء منزل ليوم واحد، والميزة في طاقة الرياح أن مستقبلها مميز، وستصبح أرخص بكثير من الوقود الأحفوري، فتكاليف الانتقال إلى الطاقة البديلة والمتجددة أقل بكثير من التقاعس وعدم فعل أي شيء.

وبعد إنتاج الطاقة، يهدف العلماء للتخلص من الكربون في قطاع النقل، وهذا يعني التوجه نحو إنتاج السيارات الكهربائية التي تعمل على البطارية والطاقة الهيدروجينية، ولا يقتصر الأمر على السيارات فقط، فالعلماء يعملون على تقليل انبعاثات الكربون من الطائرات، ولكن أحد العوائق الرئيسية للوصول إلى الطيران الكهربائي هو القوة التي يمكننا الحصول عليها من البطارية، ولكننا نشهد -مع الوقت- تطورا كبيرا وانخفاضا في وزن هذه البطاريات.

“غريتا تونبيرغ”.. صاحبة الخطوة الأولى في طريق الألف ميل

للحد من الاحتباس الحراري بواقع درجة ونصف وتقليل كمية ثاني أوكسيد الكربون التي نطلقها في غلافنا الجوي، فإن علينا إيجاد طرق لتقليل الكمية الموجودة بالفعل، ومن أهم هذه التقنيات الأشجار والغابات، ولهذا علينا إعادة زراعتها، كما أن هناك تقنية واعدة، وهي التقاط الهواء المباشر.


كما علينا شراء السلع المستدامة وذات الجودة الأعلى كي نجعلها تدوم أطول، ويجب أن نأكل كل ما نشتريه ولا نرمي شيئا، ونتجنب الطعام المشحون جوا من الخارج، الذي يزيد تأثيره بنحو 100 مرة عن الطعام التي ينقل بحرا، والأهم هو تقليل استهلاك اللحوم الحمراء والأجبان والألبان.

ولأنه يجب البدء من نقطة ما، فقد اتخذت الطفلة “غريتا تونبيرغ” خطوة الألف ميل وقررت قبل التفكير بمستقبلها والمهنة التي تريد احترافها، أن تتوقف عن الكلام والذهاب إلى المدرسة، واعتصمت أمام البرلمان السويدي كنوع من الاحتجاج والضغط على الساسة، لاتخاذ قرارات بشأن مواجهة ظاهرة التغير المناخي.

وخطوة “تونبيرغ” التي بدأت وحيدة في اعتصامها، قلدها آلاف الطلاب حول العالم الذين امتنعوا عن الذهاب للمدرسة، حتى باتت أكثر الشخصيات ظهورا على الصفحات الرئيسية للصحف والمجلات العالمية، وقد استضيفت في قمة المناخ التي استضافتها بولندا عام 2018 وطالبت القادة بالتغيير والتحرك العاجل قبل فوات الأوان.

المصدر: مواقع إلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى