ما هو سبب طلاء الطائرات باللون الأبيض عكس باقي المركبات؟ ..إليك 5 أسباب
يتم طلاء هياكل الطائرات الخارجية باللون الأبيض على الرغم من أن هذا الأمر لا يخلو من بعض الاستثناءات، حيث حولت الخطوط الجوية النيوزيلندية في إحدى المرات طائرة (بوينغ 777) إلى لوحة إعلانية عملاقة لسلسلة أفلام (سيد الخواتم).
كما تستعمل طائرات شركة (مانغو) التي مقرها (جوهانسبرغ) بجنوب إفريقيا لونا برتقاليا فاتحا، بينما تميل شركة الخطوط الجوية السيبيرية (آس 7) إلى طلاء طائراتها باللون الأخضر.
لكن عدا ذلك، يكون غالبا السواد الأعظم من الطائرات التجارية لنقل المسافرين مطليا باللون الأبيض، لماذا يا ترى؟
تابع عزيزي القارئ معنا قراءة هذا المقال على موقع ”دخلك بتعرف“ لتعرف الأسباب الكامن وراء ذلك:
1. اللون الأبيض أرخص ثمنا وأقل تكلفة:
صرح أحد المتحدثين الرسميين باسم شركة صناعة الطائرات (بوينغ) لصحيفة (التيليغراف): ”يزيد الطلاء بين 273 إلى 544 كيلوغراما إلى إجمالي وزن الطائرة“.
ومنه قد يعني الوزن الزائد استهلاكا أكثر للوقود، كما أن وزن 544 كيلوغراما يساوي وزن حوالي ثمانية ركاب على متن الطائرة.
وكما يعرف الجميع، فإن شركات الطيران لنقل المسافرين تأخذ مسألة وزن الحمولة على محمل كبير من الجدية، ولتوضيح ذلك، قام (روبرت كاندل) المدير التنفيذي السابق للخطوط الجوية الأمريكية في ثمانينات القرن الماضي بالتصريح بأن الشركة وفرت مبلغا سنويا قٌدر بـ40 ألف دولار من خلال إنقاص حبة زيتون واحدة من كل وجبة سَلَطة مخصصة للمسافرين على متن رحلاتها الجوية.
كما أن الطلاء لوحده يكلف الكثير من المال، وإعادة طلاء طائرة يستهلك الكثير من الطلاء باهض الثمن هذا. يقول الناطق الرسمي لشركة (بوينغ) السابق ذكره: ”يُستعمل ما قدره 454 ليترا من الطلاء على طائرة (بوينغ) 747 عادية، و341 ليترا من الطلاء على طائرة (بوينغ) طراز 767، و416 ليترا على طائرة (بوينغ) طراز 777، بينما يتطلب طلاء طائرة (بوينغ دريملايت 787) حوالي 362 إلى 453 كيلوغراما“.
ومنه يتطلب إعادة طلاء طائرة كاملة تكلفة تقدر بخمسين ألف دولار إلى 200 ألف دولار.
خلاف ذلك، ينتهي الأمر بشركات الطيران غالبا ببيع الطائرة إلى شركات نقل جوية أخرى التي سيصعب عليها إعادة طلاء الطائرة بألوانها الخاصة التي ترغب فيها إن لم يكن لونها الأصلي أبيضا.
2. المحافظة على هيكل الطائرة باردا قدر الإمكان:
بنفس الطريقة التي نختار فيها ثيابنا الصيفية بألوانها الفاتحة الخفيفة لأنها تكون أكثر برودة، يتم طلاء الطائرات باللون الأبيض من أجل عكس أفضل لأشعة وكذا ضوء الشمس.
يخبر (جون هانسمان) بروفيسور الملاحة الجوية والفضائية: ”يعود السبب الأساسي في طلاء الطائرات باللون الأبيض أو ألوان فاتحة أكثر إلى محاولة عكس أشعة الشمس قدر الإمكان، وخفض احتمال ارتفاع درجة حرارة الطائرة، وتجنب أي ضرر يحدث بها بسبب الإشعاعات الشمسية“.
كما أن خصائص الطائرة وأجزائها المصنوعة من البلاستيك والمواد المركبة على غرار ألياف الكاربون والألياف الزجاجية تحتاج إلى أكبر قدر ممكن من الحماية ضد حرارة الشمس، ومن بين هذه القطع مقدمة الطائرة وبالأخص أنفها مخروطي الشكل، حيث يكمن به رادارها، ومساحات التحكم المصنوعة من مواد مركبة، فيتم طلائها جميعها عادة باللون الأبيض أو اللون الرمادي الفاتح.
حتى أنه تحتم طلاء طائرة (كونكورد) الشهيرة بواسطة لون أبيض خاص يعتبر عاكسا قويا لأشعة الشمس، قد يكون الأقوى على الإطلاق حتى تتمكن الطائرة من تحمل الحرارة الناجمة عن السفر بسرعة كبيرة جدا على مسافات طويلة.
يتم طلاء طائرة (الكونكورد) بواسطة لون أبيض خاص يعكس معظم أشعة الشمس التي تتعرض لها.
صرحت الخطوط الجوية البريطانية: ”تستمد الطائرة قوتها باستعمال تقنية إعادة تسخين المحرك، حيث يضخ الوقود في أنابيب النفاثات من أجل إعطاء المحرك قوة حرق إضافية“، وأضافت ذات الشركة في تصريح لها: ”كانت درجة حرارة طائرة الـ(كونكورد) تصل إلى 127 درجة مئوية على مقدمتها المخروطية وحوافها الجانبية، لكن الطلاء الأبيض الخاص ساعد على عكس الحرارة، وكانت قدرة العكس الخاصة به تصل إلى ثمانين بالمائة، وعلى وجه المقارنة يجدر التنويه إلى أن اللون الأبيض العادي الذي تكون نسبة عكس أشعة الشمس لديه منخفضة نوعا ما لا تتعدى الخمسين في المائة“.
3. السيطرة على الأعطال والتحكم فيها بشكل أفضل:
يجعل اللون الأبيض الذي يتم طلاء معظم الطائرات به من عملية صيانة الطائرة ورصد أي تصدعات على هيكلها، أو تسربات الزيت أو الوقود أمرا سهلا، ومنه تسهل عملية تصليحها وصيانتها.
4. البحث والإنقاذ:
يعتمد الأمر بشكل أخص على موقع تحطم الطائرة، لكن إذا حدث وسقطت طائرة ما، قد يكون رصد ورؤية هيكلها المطلي باللون الأبيض من الجو أكثر سهولة، وهو سبب جيد آخر لتجنب استعمال الألوان الأخرى.
5. خفض حوادث اصطدام الطائرة بالطيور:
من المحتمل أن يزيد طلاء هيكل الطائرة باللون الأبيض أو أي لون فاتح آخر ويحسن من قابلية رؤيتها ورصدها من طرف الطيور التي تتجنبها تبعا لذلك، وذلك وفقا لبحث أمريكي نشر في المجلة العلمية The Scientific Journal بعنوان: ”التفاعلات البشرية مع الحياة البرية“ في سنة 2011.
دققت هذه الدراسة الآنفة الذكر في العلاقة بين نسب حوادث ارتطام الطيور بالطائرات بين مختلف شركات الطيران العالمية ولون طلاء الطائرات، ومنه خلصت إلى أن الطائرات التي كانت مطلية بألوان داكنة أكثر كانت معرضة بشكل كبير لحوادث الارتطام بالطيور في الجو، ذلك أن لونها القاتم ذلك سيعمل على خفض التباين والتمايز بين الطائرة وبين خلفيتها المرئية، ومنه يخفص قدرة الطيور على رؤيتها ورصدها في الوقت المناسب الذي يخولها من تجنبها قبل الارتطام بها“.
هل يعني هذا أن الطائرات ذات الألوان المتعددة غير اللون الأبيض تواجه أخطارا كثيرة لدى طيرانها؟
تقول (سلطة الطيران المدنية) خلاف ذلك، وجوابها على هذا السؤال هو لا، حيث ورد في أحد تصريحات أحد الناطقين الرسميين لديها: ”لا توجد أية متطلبات تتحكم في ما يجب أن يكون عليه لون الطائرة من وجهة نظر تتعلق بالأمن والسلامة“.
كما أن المعالم والخصائص الملونة في الطائرات تميل إلى أن تتلاشى مع مرور الوقت ويصبح لونها أبيض بفعل الأكسدة، ووضح السيد (هانسمان) أن هذا يأتي غالبا كنتيجة للتعرض بشكل دائم لفترات طويلة للشمس وبعض العوامل البيئية الأخرى.
لماذا تكلف الشركات أنفسها عناء طلاء الطائرات أصلا؟
حتى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بقليل، كانت جميع الطائرات آنذاك عديمة اللون والطلاء، وغالبا ما كان يتم تزيينها بواسطها شعار شركة الطيران فقط لا غير، وذلك كان آنذاك لأسباب اقتصادية.
حتى في أيامنا هذه، مازالت بعض خطوط الطيران تميل إلى تجنب استعمال الطلاء على هياكل طائراتها الخارجية، على سبيل المثال نأخذ الخطوط الجوية الأمريكية التي لطالما اشتهرت بكون لون طائراتها يجعلها تبدو مصنوعة من الألومنيوم، لكن بينما قد توفر الشركة بعض المال من خلال عدم طلاء هيكل الطائرة، إلا أنها بذلك تتركها معرضة دائما للعوامل الخارجية وغير محمية تماما خاصة من أحوال الطقس السيئة والقاسية.
عبر التاريخ، حاولت بعض شركات الطيران أن تتجنب استخدام أي طلاء على طائراتها، وذلك على غرار شركة الخطوط الجوية الأمريكية.
يقول السيد (هانسمان) في هذا الصدد: ”تفقد هذه الطائرات بريقها مع مرور الوقت لذا يتعين على هذه الشركات إنفاق الوقت والمال من أجل تلميعها بشكل دوري، وبسبب ذلك تستعمل معظم شركات الطيران اليوم الطلاء الأبيض“.
وتقول (فدرالية جمعية الطيران الأمريكية): ”يتعدى الطلاء مجرد كونه إضافة جمالية، فهو يؤثر على وزن الطائرة ويحمي هيكلها ويحافظ على وحدته“، وتضيف: ”من السهل جدا تنظيف طائرة مطلية بشكل جيد، كما من السهل كذلك صيانتها لأن الأسطح المعرضة تكون أكثر مقاومة للتآكل والأوساخ، كما أن الزيت لا يلتصق بتلك السرعة بالسطح“.
عملية طلاء طائرة:
يقول (بيل ديل) في هذا الصدد -وهو مدير قسم الطلاء لدى مصنع طائرات الـ(بوينغ) التجارية في (إيفيريت) بالعاصمة واشنطن: ”تأتي أسطح تركيب طائرات (بوينغ) التجارية مغطاة بدهان مؤقت من أجل حماية المعدن من التلف أو التآكل خلال عملية الصناعة والتركيب“.
يضيف طلاء الطائرات بألوان غير اللون الأبيض إلى إجمالي وزنها، مما يرفع من تكاليف الوقود اللازم لتشغيلها.
يتم تغليف وكذا غسل الطائرات الجديدة القادمة من المصنع التي تدخل حظيرة الطلاء باستعمال مزيج من الصابون المخفف والماء، ثم يُصقل هيكل الطائرة مرة أخرى قبل أن تغسل ثانية ليتم بعدها الشروع في عملية طلائها بشكل ملائم، حيث يتطلب الأمر بالمتوسط من أربعة إلى سبعة أيام لطلاء طائرة تجارية نفاثة.
يتكون كل فريق طلاء من ستة عشر شخصا، يكون إثني عشر منهم دهانين، وقائد فريق، ومازج الألوان، وشخص يتولى مهمة تنظيف البقع وكذا تقديم الأدوات اللازمة للعمال، وعون أمن وحماية صناعية لتولي مهمة سلامة العمال.
تتناوب على طلاء الطائرة الواحدة ثلاثة فرق مما سبق ذكره في عملية تتم على مدار اليوم دون توقف، مما يفضي إلى طلاء نضر ونظيف يغطي الهيكل الخارجي للطائرة، وهو الهدف النهائي لكل طائرة تدخل حظيرة الطلاء.
يتم استعمال مركب الـ(ميكا)، وهو نوع من الطلاء محاكي للمعدن يكون في الواقع عبارة عن رقائق بلاستيكية، الذي يمنح هيكل الطائرة مظهرا معدنيا لماعا وجذابا.
تتضمن أدوات الطلاء كلا من الشريط اللاصق، والورق، وصفائح التكرير أو المرسامات المقطوعة مسبقا، بينما يتم تطبيق الطلاء باستخدام الضخ العالي بالضغط المنخفض، والرذاذ المشحون بالكهرباء قبل المعالجة الأخيرة.
يتم اعتبار الطبقة الثانية من الطلاء صقلا وتلميعا، بينما تكون الطبقة الثالثة طبقة تزيينية في الغالب حيث يتم إضافة رمز الخطوط الجوية باستخدام الألوان، إلى جانب خيار طلاء النصف العلوي من الطائرة بألوان مختلفة غير اللون الأبيض إن أٌريدَ الأمر.
يتأثر وزن الطلاء المستخدم تبعا لعدد الطبقات المطبقة التي قد تتفرق من ثلاثة طبقات أو إثنتين، تقول شركة (بوينغ) في ذلك: ”بينما يساعد الوزن الخفيف لطائرة ملمعة في توفير تكاليف الوقود، غير أن ما قد توفره الشركة في ذلك قد لا يضاهي ما عليها أن تنفقه في سبيل غسل وصقل ودهن هيكل ملمع خلال فترة خدمته“.
يقال أن تكاليف صيانة طائرة ملمعة تتجاوز أحيانا تكاليف صيانة طائرة مطلية بشكل كامل بأكثر من 82 ألف دولار في السنة الواحدة.
المصدر: مواقع إلكترونية