خمسينية سورية تحقق إنجاز يصعب على الشباب تحقيقه.. هذه قصة رؤية البكور التي حصلت على الشهادة الثانوية بتفوق وتطمح لإكمال دراستها.. فما سر طموحها وحبها للحياة؟.. إليك القصة بالكامل
“أنت سيدة كبيرة، شو بدك من هالقصّة، عليكِ بعملك وأولادك” ترددت هذه العبارات على مسامع السيدة رؤية البكور حين قررت بداية العام الدراسي (2021 ـ 2022) الشروع في دراسة الثانوية العامة، إلا أنها لم تكترث إلا لرسائل التشجيع التي لاقتها فيما بعد من عائلتها.
ورغم من معاناتها من التهجير القسري وأمراض مزمنة، تكللت قصّة تحدي السيدة رؤية بنجاح في الثانوية العامة للفرع الأدبي، وبأصداء مميزة بين أوساط الأهالي في محيطها ومحافظة إدلب.
تنحدر السيدة رؤية البكور (47 عاماً) من مدينة كفرنبل جنوبي إدلب، وتقطن اليوم بعد تهجيرها من مدينتها بفعل الحملة العسكرية سنة 2019، في مخيم “المدينة المنورة” قرب بلدة باريشا شمالي إدلب، في شقّة إسمنتية يكسو سقفها الأغطية والشوادر.
والبكور واحدة من سيّدات عديدات تجاوزنَ عُمرَ الدراسة، وتهجّرن بفعل قوات الأسد وروسيا، إلا أنّ إصرارهنّ على تطوير أنفسهنّ علمياً واجتماعياً قادهنّ إلى نجاح مميز في الشهادتين الإعدادية والثانوية في محافظة إدلب لهذا العام.
“واقع معيشي متدهور”
تقول السيدة رؤية في حديثٍ لـ”السورية.نت”، إنّ “دافعي الأساسي في إعادة تقديم امتحان الشهادة الثانوية العامة بعد حوالي 30 عاماً، الرغبة في الدراسة الجامعية رغم كل التحديات التي نواجهها هنا”.
بكور أم لـ 6 أولاد، بينهم طلبة جامعيون من قسمي الطبّ النفسي والهندسة، كما لديها طفلين في الشهادة الإعدادية وفتاة في الثانوية العامة، وتؤكد خلال حديثها أنّ “وقت الدراسة كان من وقت راحتي وفراغي(..)رغم ذلك لم تتأثر واجباتي الأخرى في عملي والعناية بعائلتي وشؤون بيتي”.
تدفع الحاجة لتأمين معيشة كريمة لأولادها وضمان استمرارية لتعليمهم، السيدة رؤية إلى العمل كمدرّسة في معهدٍ لـ”تحفيظ القرآن الكريم” في المخيم القاطنة فيه، وهو عامل تحدٍ آخر اعترضها خلال سنتها الدراسية.
“المرض أعاقني”
كانت الأمراض التي تعاني منها السيدة رؤية البكور، وهي “التكزز العصبي والجلطات القلبية والربو والضغط والسكّر وتنكّس في المفصل”، هي أبرز ما واجهها من تحدّيات خلال دراستها الثانوية العامة بعد الانقطاع الطويل.
وتقول في هذا السياق: “أعاني من صعوبة في التنقّل والحركة بسبب مرضي الربو والتنكّس المفصلي الأمر الذي حال من قدرتي على الصعود للطابق الثاني، حيث مكان المعهد التعليمي الخاص الذي رغبت في الدراسة فيه”.
واعتمدت في دراستها لغالبية المواد على نفسها ومجهودها الشخصي، باستثناء مادتي اللغة الإنكليزية والفلسفة التي تطوع مدرسان لتعليمها دروس خاصة، بعد معرفتهما بحالها المعيشي المتواضع.
ولم يمنع عمر السيدة رؤية في أن تعيش لحظات توتر وقلق مثل الطلاب المستجدين.
تقول لـ”السورية.نت”: “في يوم النتائج كانت دقّات قلبي تتسارع وأسمع صوتها.. الدقيقة تمرّ كأنها سنة”.
وجّهت الأربعينية رؤية رسالةً للطلاب المتعثّرين، واعتبرت أنّ “رسوبهم ليس نهاية الطريق.. ليس العيب في الوقوع، إنما في عدم النهوض”.
وأضافت في ختام حديثها: “أنصح كل أمّ إن كانت تحمل شهادة التاسع(الإعدادية)، المسارعة في دراسة الثانوية العامة، وإن لم تكن تحمل الإعدادية فعليها دراستها على الفور والانتقال إلى البكلوريا”.
وأهدت رؤية في ختام حديثها نجاحها لزوجها وعائلتها الذين “وقفوا بجانبي حتى الوصول للنجاح”، مبينةً أنّها تتطلع اليوم نحو دراسة أحد فرعي “الإدارة أو الشريعة”، ولا تخفي حلمها في الخروج من المخيّم والإقامة في مكان قريب من الجامعة.
وبلغ عدد الطلاب المتقدمين في محافظة إدلب وريف حلب الغربي للشهادة الثانوية حوالي 10 آلاف و118 طالباً وطالبة للفرع العلمي، و5 آلاف و486 للفرع الأدبي، بحسب إحصاءات وزارة التربية والتعليم في “حكومة الإنقاذ”.
فيما بلغت نسبة النجاح في الثانوية العامة للفرع الأدبي 44 في المئة، والفرع العلمي 55 في المئة، وفقاً لذات الإحصائية.