ما سر العلاق بين النفط والدولار؟… كابوس يلاحق دول الخليج ويبقيها مرتبطة بالولايات المتحدة.. ما القصة؟
في الماضي، وقبل الاكتشافات النفطية في الخليج العربي، كان المعروف أن الولايات المتحدة هي المنتج الأساسي للنفط في العالم، وهي المتحكم الأكبر في الأسواق.
لكن، ومع بداية ثلاثينيات القرن الماضي، بدا أن لاعباً جديداً يلوح في الأفق. إذ أظهرت الاكتشافات الضخمة التي وجدها الجيولوجيون التابعون لشركة “ستاندرد أويل” الأمريكية في صحاري السعودية أن تلك البقعة النائية من العالم هي من سيتحكم في سوق النفط العالمي.
وفي فبراير/شباط من العام 1945، بينما كان الرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت” عائداً من مالطا، رأى أن يقتنص الفرصة ويلتقي بالملك السعودي “عبد العزيز بن سعود”، وقد كانت هذه الخطوة دون علم البريطانيين.
توقف الرئيس “روزفلت” في البحر الأبيض المتوسط وأرسل باخرة صغيرة إلى جدة لإحضار الملك السعودي وعدد قليل من حاشيته. وكان ذلك هو اللقاء الأول والأشهر على الإطلاق الذي يجمع بين قيادتي البلدين. وهو اللقاء الذي تم فيه التوقيع على اتفاقية كوينسي.
بالرغم من أن نصوص الاتفاقية لم يتم الإفصاح عنها بصورة شفافة، إلا أن معظم بنودها تم تسريبه فيما بعد. فقد تعهد الرئيس “روزفلت” للملك “عبد العزيز” بأن تقوم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بتوفير الحماية الكاملة لمملكته الوليدة والوقوف إلى جنبها ضد أطماع القوى العظمى، كما تعهد بضمان استمرار حكم أسرة آل سعود ودعمها اللامحدود ضد التهديدات الداخلية والإقليمية.
في المقابل تعهد الملك “عبد العزيز” بعدم السماح للشركات غير الأمريكية بالتنقيب على النفط في الأراضي السعودية، واعتماد الدولار الأمريكي كعملة وحيدة في عمليات البيع للنفط السعودي.
صدمة نيكسون:
في عام 1970 كان حجم الدولارات المتداولة في الأسواق العالمية يقترب من حاجز الـ 300 مليار دولار. بينما كان حجم احتياطيات الذهب في الخزانة الأمريكية لا يزيد عن 14 مليار دولار وفقاً للسعر الرسمي الذي وضعته اتفاقية “بريتون وودز”.
يرى بعض المحللين أن السبب وراء هذا العجز الضخم بين الدولارات المطبوعة وتغطيتها من الذهب، هو توسع الحكومة الأمريكية في إصدار الدولار لتغطية نفقات حرب فيتنام، وإنفاقها الهائل إبان الحرب الباردة.
ومن المؤكد أن هذا التصرف كان انتهاكاً واضحاً لاتفاقية “بريتون وودز”، التي قضت بأن يكون الدولار الأمريكي قابلًا للتحويل إلى الذهب دائمًا بسعر ثابت يبلغ 35 دولارًا للأونصة الواحدة.
وفي منتصف أغسطس/آب من العام 1971 اتخذ الرئيس “نيكسون” قراره الصادم بالانسحاب من معاهدة “بريتون وودز” وفك ارتباط الدولار بالذهب.
لقد حرر ذلك القرار شهادة وفاة رسمية لما كان يعرف بـ “النقد” الذي كان يسيطر على التجارة والتبادل منذ قدم التاريخ. كما أعلن عن بداية ما يعرف بـ “اقتصاديات المضاربة”، وهو نمط جديد لم تعرفه البشرية من قبل.
صدمة النفط عام 1973… هكذا ساد الدولار على العالم:
مع اندلاع حرب 1973 وتبعاتها من إعلان الملك فيصل قطع إمداد النفط العربي عن الغرب، شهدت أسعار النفط تصاعداً غير مسبوق نتيجة لوقف مبيعات النفط العربي لأوروبا وأمريكا. فقد ارتفع سعر برميل النفط إلى أربعة أضعاف سعره ما قبل المقاطعة، ووجدت الدول الأوروبية نفسها في موقف لا تحسد عليه.
أما في الولايات المتحدة فقد كان للمقاطعة أثر مزدوج، فعلى الصعيد المحلي شكل انعدام الوقود في محطات التعبئة والزيادة الكبيرة في سعره أمراً مفزعاً للمواطن الأمريكي.
أما بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي فلم تكن الأزمة مطلقاً مزعجة له، بل كانت مهرجاناً لجني الأرباح والتوسع في الإيرادات. والسبب ببساطة هو الاتفاقية التي ربطت الدولار بالنفط سابقًا؛ فزيادة سعر النفط أدت إلى زيادة الطلب على الدولار، وهو الشيء الذي مكّن الفيدرالي الأمريكي من مضاعفة طباعة العملة الأمريكية بمستويات غير مسبوقة.
وهكذا فقد جعل العرب بقيادة السعودية، بقصدٍ أو بدون قصد، عن طريق المقاطعة التاريخية عام 1973، الدولار الأمريكي يتحول من مجرد ورقة نقدية غير مغطاة بالذهب وغير مرغوبة لدى الدول الصناعية الكبرى، إلى سلعة يتبارى العالم في الحصول عليها لضمان مشترياته من الطاقة.
ونجحت الخطة الأمريكية في فك ارتباط الدولار بالذهب الأصفر، وربطه بالذهب الأسود. فقد انتبه صناع القرار إلى أهمية النفط من حيث أنه المصدر الأهم للطاقة، وهو ما يرفع من قيمته الاستراتيجية ويزيد من معدلات الطلب عليه، ليس فقط من قبل الدول الصناعية الكبرى بل دول العالم الثالث أيضاً.
وإذا كان سؤالكم: “كيف ستحصل دول العالم على الدولارات لتدفع ثمن النفط السعودي؟”
فالإجابة هي: يجب على جميع هذه الدول أن ترسل إلى الولايات المتحدة بضائعها ومنتوجاتها وبالمقابل تقدم لهم الولايات المتحدة الدولارات التي لم تكلف سوى حبر طباعتها.
ومن هنا بدأ نظام جديد يخدم الولايات المتحدة ويبقي على هيمنتها المالية واسمه البترودولار، أي أن الدولارات تخرج إلى خارج الولايات المتحدة وكل شيء تحتاجه أمريكا يأتي إليها، ونتيجة لهذا اصبحت الولايات المتحدة أغنى دولة وأكبر اقتصاد بالعالم.
اقرأ أيضاً: روسيا تنفذ لعبة خطيرة لتصدير النفط إلى أوروبا من الباب الخلفي واتهامات تطال الأتراك
بعيداً عن إزعاج العقوبات الواسعة التي فرضها الغرب على موسكو، وفي محاولة لـ “اللعب على الحبلين” وكسب ود جميع الأطراف، يتسلل مشترو النفط في جنوب أوروبا بهدوء بحثاً عن الخام الروسي من أبواب خلفية.
تظهر بيانات تتبع شحنات الخام زخماً في الطلب على المحروقات الروسية، إذ ارتفعت شحنات النفط الروسي إلى موانئ في إيطاليا وتركيا لتبلغ أعلى مستوياتها منذ عدة أسابيع، ما مثل منفذاً لعبور الخام نحو مناطق شمال أوروبا التي انخفضت الشحنات إليها، وفق بيانات تتبع الناقلات التي ترصدها وكالة “بلومبيرغ” الأميركية.
وزادت شحنات الخام من محطات التصدير في بحر البلطيق والبحر الأسود إلى مصافي التكرير في إيطاليا إلى أعلى مستوى لها في سبعة أسابيع، وكانت الشحنات إلى تركيا هي الأكبر في ستة أسابيع، كما استلمت إسبانيا أولى شحناتها من خام الأورال منذ إبريل/نيسان الماضي.
أيضاً شهد الأسبوع الماضي استلام اليونان أول شحنة من خام الأورال من بحر البلطيق منذ فبراير/شباط الماضي.
علاقة تركيا بهذه اللعبة… اتهامات أمريكية:
كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، في تقرير لها، أن روسيا لديها خطط لاستغلال تركيا وشركاءها التجاريين من أجل التحايل على العقوبات التي يفرضها الغرب التي بدأت في التأثير بشكل أعمق على الاقتصاد الروسي، في أعقاب غزو أوكرانيا.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية في تقريرها، أن لقاء الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، ونظيره التركي “رجب طيب أردوغان” مؤخرًا، هو الثاني لهما في مدة لا تزيد على أسبوعين، وهو ما يثير القلق لدى واشنطن وحلفائها الغربيين.
وأكدت الصحيفة أن روسيا تسعى إلى تعزيز علاقتها مع تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو، والتي رفضت الانضمام إلى العقوبات المفروضة على موسكو. معتبرةً أن روسيا تسعى لفتح قنوات جديدة مع تركيا تمكنها من الهروب بشكل أكبر عن العقوبات التي يفرضها عليها الغرب، خاصة في قطاعات البنوك والطاقة والصناعة.
وزعم تقرير الواشنطن بوست، أن المخابرات الأوكرانية كشفت خطط روسيا، التي من بينها طلب شراء حصص من مصافي النفط التركية وموانئ النفط والاحتياطيات النفطية التركية، والتي من شأنها أن يسمح لموسكو بإخفاء مصدر صادراتها، بعد أن يبدأ حظر الواردات النفطية الروسية الذي يطبقه الاتحاد الأوروبي في التنفيذ بشكل كلي العام المقبل.
وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى ان روسيا طلبت أيضا من الحكومة التركية، أن تسمح البنوك التركية المملوكة للدولة بحسابات مراسلة لأكبر البنوك الروسية، في خطوة يقول اقتصاديون وخبراء العقوبات إنها ستمثل انتهاكًا صارخًا للعقوبات الغربية.
ونوهت أيضًا إلى أنه لا توجد مؤشرات حول ما إذا كانت تركيا ستوافق على هذه المقترحات الروسية، في ضوء أنها يمكن أن تؤدي إلى وضع شركاتها وبنوكها أمام خطر التعرض لعقوبات ثانوية، وقطع روابطها مع الأسواق الغربية.
النفط الروسي يستمر بالتدفق وبكميات كبيرة لكن عبر الأبواب الخلفية:
تسلط التدفقات المتزايدة إلى العديد من الدول الأوروبية الضوء على مدى صعوبة مراقبة تنفيذ العقوبات التي تحظر النفط الروسي تدريجياً، إذ يستمر الخام الروسي في التدفق بكميات كبيرة إلى مختلف البلدان الرئيسية المستوردة.
كما كان لتوقف الإمدادات أخيراً إلى ثلاث دول وسط أوروبا، هي المجر التشيك وسلوفاكيا، بفعل العقوبات الغربية على مدفوعات النفط، تأثير سريع على هذه الدول، ما دعاها للهرولة نحو إنهاء المشكلة خوفا من تداعيات انقطاع الخام عنها، ما يشير إلى أن العقوبات الغربية على الطاقة الروسية أشبه بإطلاق الرصاص على الأقدام بدلاً من استهداف الخصم.
ووفق بيانات “بلومبيرغ”، استقرت شحنات النفط الخام الروسية المنقولة بحراً إلى أوروبا عند نحو 500 ألف برميل يومياً، ولم تتغير كثيراً عما كانت عليه قبل غزو أوكرانيا.
كما أن إجمالي التدفقات المتجهة عبر مختلف وسائط الإمداد من أنابيب وناقلات بلغ حوالي 3.46 ملايين برميل يومياً في الأسبوع حتى الخامس من أغسطس/آب، وهو ما يقترب من المعدل الطبيعي قبل الحرب البالغ نحو 3.5 ملايين برميل يومياً.
وكانت حزمة العقوبات الأوروبية على موسكو التي جرى إقرارها في يونيو/حزيران الماضي، قد شملت حظر واردات النفط الروسي المصدر إلى أوروبا بحراً، بينما جرى استثناء النفط المنقول عبر الأنابيب نظرا لاعتماد دول مثل المجر وسلوفاكيا والتشيك عليه.
كما كانت كل من بولندا وألمانيا قد تعهدتا بوقف استيراد النفط الروسي الواصل إليهما عبر خطوط الأنابيب بحلول نهاية هذا العام، وهي الخطوة التي قال مسؤولون في الاتحاد الأوربي حينها إن من شأنها وقف 90% من واردات النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي بالنظر إلى مستويات ما قبل الحرب.
نشاط خفي… هكذا تنجو السفن الروسية من بطش العقوبات:
يبدو أن روسيا تحذو حذو إيران وفنزويلا بعد فرض عقوبات أميركية عليهما، حيث تبيع النفط بين الناقلات في المياه الدولية. إذ يتم بيع النفط بين السفن التي تغير وجهتها في المياه الإقليمية وبالتالي يصبح من الصعب تتبع وجهتها النهائية.
وتعتمد هذه التجارة على وسطاء يعملون خارج النظام المالي العالمي. ومن الممكن أن تلعب الشركات الصينية والهندية دوراً محورياً في هذا النوع من الوساطة لبيع النفط الروسي لطرف ثالث، إذ ضمنت هذه العملية استمرار بيع النفط الفنزويلي والإيراني رغم العقوبات المفروضة على البلدين.
وكانت شركة “ويندوارد” المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي البحري، قد قالت في تقرير لها، نهاية مارس/آذار الماضي، إنها رصدت في الأسبوع السابق لنشر التقرير ما لا يقل عن 33 حالة “نشاط خفي” لناقلات نفط روسية، أي أنها أوقفت أنظمة بث مواقعها خلال عملها، مشيرة إلى أن ممارسات الناقلات الروسية هذه تمثل أكثر من ضعف المتوسط الأسبوعي البالغ 14 حالة في العام الماضي.
وجاءت حالات “النشاط الخفي” في المنطقة الاقتصادية الخالصة لروسيا، أو حولها بشكل أساسي، وفق الشركة التي أجرت البحث بناءً على طلب من بلومبيرغ، بحسب ما ذكر موقع أويل برايس الأميركي المتخصص في الطاقة، وقالت إن السفن المشاركة بهذا النشاط تابعة لشركات كبرى وشركات شحن متعددة الجنسيات، فضلاً عن شركات صغيرة.
ويشترط القانون البحري الدولي على السفن التجارية أن يكون لديها نظام تعرف آلي، يسمى “إيه أي إس”، عامل خلال وجودها في البحر. ويُعدّ التعطيل أو التلاعب بنظام تحديد هوية السفينة على رأس ممارسات الشحن الخادعة، التي استشهدت بها وزارة الخزانة الأميركية في مايو/أيار الماضي، للحد من الشحن غير المشروع والتهرب من العقوبات.
الجدير بالذكر أن روسيا، تعتبر ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والسعودية. وقبل الحرب كان أكثر من نصف الصادرات الروسية من النفط يذهب إلى أوروبا، التي كانت تعتمد على موسكو في تغطية 27% من احتياجاتها النفطية، و40% من احتياجاتها من الغاز.
المصدر: مواقع إلكترونية