مدينة ليست كغيرها من المدن، مدينة “فاراناسي” الهندية واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم منذ ما يقرب من ألف عام قبل الميلاد، إضافة إلى كونها مدينة مقدسة لدى الهندوس.
وتعد هذه المدينة مقصدًا لآلاف الزوار المحليين والأجانب سنويًا للتخلص من خطاياهم والموت فيها.
كما أن الموت في فاراناسي ليس مجرد عبور هادئ للروح من عالم إلى آخر، لأن الموت في تلك المدينة مرتبط بتقاليد اجتماعية صاخبة.
تاريخية فاراناسي
تلقب” فاراناسي” بمدينة بيناريس أو باناراس وكاشي المضيئة، وكثيرًا ما يشار إليها بلقب مدينة المعابد والعلم، بالإضافة إلى كونها تسمى بمدينة الموت.
ويعود تاريخ المدينة إلى آلاف السنين من عصر حضارة سومر، حيث وصفها الروائي الأميركي الشهير مارك توين قائلاً: “إنها أقدم من التاريخ، وأقدم من التقاليد، وحتى أقدم من الأساطير”.
أين تقع مدينة فاراناسي؟
تقع المدينة المقدسة على ضفاف نهر “الغانج” في ولاية “أوتار براديش” شمال الهند.
ويعتبر نهر الغانج المقدس فيها قبلة لكثير من الهنود للاستحمام فيه وتطهير الجسد والروح.
وتعيش المدينة الهندية بمعزل عن التطور المرتبط بأي مدينة في القرن الحادي والعشرين، والسبب هو أنها تعتبر المدينة الروحية للديانة الهندوسية.
حيث كرَّست فاراناسي نفسها لأن تكون “مدينة الموت”، فالموت فيها يعتبر فناً يدعو إلى الاحتفال، وتقليداً للعبور من جانب لآخر، لدرجة جعلت شوارعها تمتلئ بالأشخاص الذين يمارسون تقاليد متعلقة بالموت.
وسبب شهرة هذه المدينة بين أتباع الديانة الهندوسية كوجهة للموت، هو إيمانهم بأن إحراق جثثهم فيها سيحرر أرواحهم، ويجعلها جزءاً من الروح الإلهية الخالدة في النعيم.
وتبدأ رحلة تحرُّر الروح تلك على عتبات الدرج الذي يقود إلى نهر “الغانج”، حيث توجد المحارق التي تُستعمل في الجنازات.
السبب التاريخي وراء قدسية مدينة فاراناسي
يؤمن الهندوس بأن مدينة فاراناسي هي المدينة الأكثر قدسية على وجه الأرض، إذ يعتقدون أن أمراء باندافا الخمسة، وهم أبطال المعركة التي روتها أسطورة الماهاباتا القديمة، سافروا إلى فاراناسي بعد انتصارهم في حرب طاحنة ضد أولاد عمومتهم؛ من أجل التطهر من خطايا الحرب.
لذلك يقْدم الهندوس على السفر إلى هذه المدينة منذ قرون؛ بحثاً عن التحرر من الخطايا.
وقد ورد في النصوص الهندوسية المقدسة أن من يموت على أراضي هذه المدينة وتُحرق جثته على ضفاف نهر “الغانج” المقدس، يحقق الخلاص ويتحرر من دورة الميلاد والموت.
عاصمة الهندوسية
وتُوصف المدينة بأنها “عاصمة الديانة الهندوسية”، بسبب مجاورتها للنهر، البالغ طوله 2525 كلم، والذي تنص معتقدات الهندوسية على ضرورة الحج إليه قبل الموت.
وتشهد المدينة، التي يقطنها 4 مليون شخص، حرق مئات الجثث يوميًا، على ضفاف الغانج، كما تحتوي على كثير من المعابد، وتُنظم فيها العديد من المهرجانات الدينية.
رقص طالبي التحرر من الخطايا أمام من تُحرق جثثهم!
على الرغم من أن نهر “الغانج” واحدٌ من أكثر الأنهار تلوثاً في آسيا، فإنه لا يزال يمثل النقاء والطهارة للهندوس الذين يأتون إليه من مختلف مدن الهند للتحرر من الخطايا، إذ يعتقدون أن ماء النهر، الذي عكَّرته الفضلات الصناعية والبشرية حتى صار رمادياً، يغسل خطايا المذنبين، حتى من اقترفوا أحط أنواع الآثام.
بينما تقام مراسم حرق الجثث في المحرقة على السُّلم المؤدي إلى النهر، على مدار اليوم.
لذلك فإن أكثر ما يثير الاستغراب هو رؤية النساء والأطفال والرجال يبدأون في الرقص والاستحمام، بالوقت ذاته الذي يتم فيه حرق الجثث على أعتاب الدرج الذي يقود إلى نهر “الغانغ”، في طقس غنائي.
فليس من الغريب رؤية مجموعة من المراهقين وهم يلتقطون صورة “سيلفي” أمام بقايا جثة تحترق، أو سماع نساء يغنين وهن يغسلن الملابس على أعتاب الأدراج على ضفة نهر “الغانغ”.
على الرغم من أن نهر “الغانج” واحدٌ من أكثر الأنهار تلوثاً في آسيا، فإنه لا يزال يمثل النقاء والطهارة للهندوس.
تجارة الموت
حتى في أمور الموت توجد تجارة أيضاً، وتعتبر رائجة جداً في هذه المدينة الغريبة.
فعلى سبيل المثال، توجد في فاراناسي فنادق مخصصة للأشخاص الذين هم على “فراش الموت”، مثل فندق “كاشي لاب موكتي بافان”، الذي لا يقبل سوى النزلاء الذين من المتوقع أن يوافوا منيتهم في فترة لا تتجاوز 15 يوماً، وهو ما يعني أن الفندق يوفر، حرفياً، أسرّة للموت.
وتؤوي هذه الفنادق الرجال والنساء الذين جاؤوا للعيش والموت في المدينة، ويطلق على هذه الدُّور اسم “دُور الخلاص”.
ويدفع النزيل تبرعاً قيمته نحو 100 ألف روبية، وهو ما يعادل 1400 دولار أمريكي بحسب إمكاناته المادية، في المقابل تُخصَّص له غرفة في النُّزُل يقيم بها حتى مماته.
وهذا المبلغ لا يتضمن الطعام أو الرعاية الصحية، إنه سعر الغرفة فقط!
(مواقع إلكترونية)