توصلت دراسة علمية حديثة إلى أن عشرات الآلاف من السدود الكبيرة في أنحاء العالم تقترب من نهاية عمرها المتوقع، ما قد يؤدي إلى تزايد حالات الانهيار، وتهديد حياة مئات الملايين الذين يعيشون في دول المصب.
التدهور الهيكلي للسدود
سد كاريبا بناه البريطانيون على نهر زامبيزي في جنوب إفريقيا قبل 62 عامًا، في عام 2015، واكتشف المهندسون أن المياه المتدفقة عبر بواباته أحدثت حفرة بعمق أكثر من 260 قدمًا في قاع النهر، مما تسبب في حدوث تصدعات وتهدد بإسقاط السد الخرساني، الذي يبلغ ارتفاعه 420 قدمًا، ويحمل أكبر بحيرة اصطناعية في العالم، فيما يعيش نحو 3.5 مليون شخص في منطقة مصب السد.
هناك أيضا سد عملاق آخر، هو كاهورا باسا في موزمبيق، ويخشى الخبراء أن ينهار إذا ضربته مياه الفيضانات من انهيار سد كاريبا.
يمثل كلا السدين مثالاً للمزيج الخطير المحتمل من التدهور الهيكلي، وتصاعد المخاطر، والجمود البيروقراطي الذي جرى تسليط الضوء عليه في دراسة جديدة رائدة أجرتها جامعة الأمم المتحدة في هاميلتون بكندا، حول المخاطر المتزايدة من السدود المتقادمة في العالم.
وتحذر الدراسة من أن السدود المتهالكة التي تجاوزت فترة تصميمها تسبب زيادة هائلة في حالات فشل السدود والتسربات وإطلاق المياه الطارئة التي تهدد مئات الملايين من الأشخاص الذين يعيشون في اتجاه مجرى النهر.
سد مولبيريار بالهند
مثال آخر ساقته الدراسة عن السدود المعرضة للانهيار هو سد مولبيريار البالغ من العمر 125 عامًا، ويقع في منطقة زلزالية بجبال غاتس الغربية في الهند.
تشققت بقايا السد الهندي خلال الزلازل الصغيرة في عامي 1979 و2011، وفقًا لدراسة أجريت عام 2009 من قبل مهندسي الزلازل في المعهد الهندي للتكنولوجيا، وقد لا يصمد السد أمام زلزال أقوى.
ألف سد كل عام
قبل بضعة عقود، كان يتم بناء ألف سد كبير كل عام، حسبما يقول فلاديمير سماختين، المؤلف المشارك للدراسة من معهد المياه والبيئة والصحة بجامعة الأمم المتحدة.
وقدر البنك الدولي العام الماضي أن هناك بالفعل 19 ألف سد كبير يزيد عمرها على 50 عامًا، وهو ما خلصت إليه دراسة جامعة الأمم المتحدة بأنه العمر المعتاد قبل أن يحتاج إلى إصلاحات أو إزالة كبيرة.
أقدم السدود
وتمتلك بريطانيا واليابان أقدم السدود، بمتوسط 106 و111 عامًا على التوالي، بينما متوسط عمر سدود الولايات المتحدة 65 سنة، لكن الصين والهند، بؤرتا جنون بناء السدود في منتصف القرن العشرين، ليستا متخلفتين كثيرًا عن عمليات البناء، حيث يبلغ متوسط أعمار سدودهما البالغة 28 ألفًا الآن 46 و42 عامًا على التوالي.
وتقول دراسة جامعة الأمم المتحدة: “بحلول عام 2050، سيعيش معظم البشر في اتجاه مجرى النهر من السدود الكبيرة التي تم بناؤها في القرن العشرين والتي هي في خطر متزايد للانهيار”.
وعن تأثر السدود المتقادمة بتغير المناخ، يرى “سماختين” أنها معرضة لزيادة تدفقات الأنهار الشديدة، وترصد الدراسة زيادة حادة في معدل فشل السدود منذ عام 2005.
ويقول المؤلف المشارك دوميندا بيريرا، من جامعة الأمم المتحدة، إن الدراسة كشفت أن أكثر من 170 إخفاقًا وقع بين عامي 2015 و2019، بينما كان المتوسط قبل عام 2005 أقل من 4 حالات انهيار سنويًا.
آخر السدود المنهارة
وفي الشهر الماضي فقط، انهار سد كانديشا في زامبيا، الذي بني في الخمسينيات من القرن الماضي، مما أدى إلى نزوح آلاف الأشخاص، وفي يونيو 2021، انهار سد ري وعمره 55 عامًا في منطقة جوانجشي الصينية.
يقول مهندسو السدود إن أكبر التهديدات في العقود القادمة، سيكون في الصين والهند، فلقد عانى كلا البلدين في الماضي من انهيار السدود التي أودت بحياة عشرات الآلاف.
ويوجد في الصين نحو 24000 سد كبير، ويعود تاريخ العديد منها إلى أيام الثورة الثقافية، وتم اعتبار ثلث السدود في البلاد «ذات مخاطر عالية بسبب التقادم الهيكلي أو عدم وجود صيانة مناسبة»، وفقًا لتحليل أجراه منغ يانغ في عام 2011 بجامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا.
وفي الهند، حذر مدير لجنة المياه المركزية، جايد هارشا، في عام 2019 من أن البلاد سيكون لديها أكثر من 4000 سد كبير فوق سن الخمسين بحلول عام 2050، وأكثر من 600 منها بالفعل عمرها نصف قرن، وهو ما دعا البنك الدولي إلى الموافقة على قرض بقيمة 250 مليون دولار للهند لمشروع تعزيز سلامة السدود.
يرى رئيس اللجنة المعنية بالجوانب الزلزالية لتصميم السدود في اللجنة الدولية للسدود الكبيرة ومقرها باريس، مارتن ويلاند، أن هناك قلقا متزايدا في العالم بشأن نقص المفتشين القادرين على تقييم مخاطر تقادم السدود، مما يؤدي إلى تراكم عمليات التفتيش والمخاطر التي لم يتم رصدها.
تغير المناخ
وتوضح دراسة جامعة الأمم المتحدة أنه “تم تصميم وبناء السدود القديمة على أساس السجلات الهيدرولوجية في حقبة ما قبل تغير المناخ، والآن الأمور مختلفة، وهذا مقلق.”
لكن ما الذي يجب القيام به؟ يقول الخبراء في الدراسة إن بعض السدود المتقادمة تظل آمنة، لكن جميعها ستتطلب فحصًا أكثر صرامة، وغالبًا ما تتبعها إصلاحات باهظة الثمن.
المصدر: مواقع إلكترونية