قدَّر المصريون القدماء قيمة القلب واعتبروه أهم عضو في جسم الإنسان؛ لذلك حرصوا على الاحتفاظ به سليماً داخل أجساد الموتى بعد عملية التحنيط، لكنهم في المقابل اعتقدوا أن الدماغ عضو لا فائدة له؛ لذلك نجد أنهم نزعوا أدمغة العديد من الموتى قبل تحنيطهم.
سنعرفكم أكثر على نظرة المصريين لكل من القلب والدماغ، وعلى الآلية التي استخدموها في نزع الأحشاء الداخلية من المومياوات دون تشويهها.
تحنيط الموتى.. لماذا تم الاحتفاظ بالقلب؟
اعتقد المصريون القدماء أن القلب يتحكم بالإحساس والتفكير وحركة الجسم، وأنه بيت العقل والروح ومركز الجسد بأكمله، حتى إن الفلاسفة اليونانيين مثل أرسطو وديوكليس تبنَّوا لاحقاً المعتقدات المصرية حول القلب.
ليس هذا فحسب، بل اعتقد المصريون أيضاً أن القلب يحدد مصير الإنسان بعد وفاته وانتقاله إلى الدار الآخرة، فبعد الوفاة يقوم إله التحنيط أنوبيس بوضع قلب المتوفى على الميزان، فإذا كان القلب ثقيلاً فهذا يعني أن صاحبه مثقل بالذنوب، فيحكم عليه أبونيس بالعذاب على يدي كائن أسطوري مرعب يدعى “عميت”، أما إذا كان قلب المتوفى أخف من الريشة فيسمح للروح بالذهاب إلى الجنة في هذه الحالة.
ومن هذا المنطلق حرص المصريون القدماء على تحنيط قلب المتوفى وإبقائه سليماً في مكانه، لكن ماذا عن بقية الأعضاء ولا سيما الدماغ؟
الدماغ لن يكون ذا فائدة في الدار الآخرة
بما أن القلب كان مركز التفكير والعاطفة في آن معاً لم يكن للدماغ أي وظيفة تذكر من وجهة نظر المصريين القدماء. فضلاً عن ذلك، لا يوجد أي نفع للدماغ في الدار الآخرة، وبالتالي لا بأس من التخلص منه أثناء عملية التحنيط.
كان المصريون القدماء يعدون الموتى لحياة مريحة في الدار الآخرة؛ لذلك استأصلوا من أجسادهم الأعضاء “الزائدة” والتي كان الدماغ على رأسها بالإضافة إلى الأحشاء، وأبقوا على القلب في مكانه، كما ذكرنا مسبقاً، أما الكبد والرئتان والمعدة والأمعاء فكان يتم تجفيفها بعد استئصالها ووضعها في أوانٍ خاصة تحفظ مع المومياء في مقبرة الميت.
تمييز طبقي يلاحق الموتى
لكن من المهم أن نذكر أن هناك الكثير من المومياوات التي تم انتزاع القلب منها كذلك بالإضافة إلى الدماغ والأحشاء، لكن القاسم المشترك بين هذه المومياوات منزوعة القلوب أنها جميعاً كانت من عامة الشعب ولم يكن أي منها ينتمي لطبقة الفراعنة أو النبلاء.
يقول الدكتور أندرو وايد من جامعة ويسترن أونتاريو لموقع Gizmodo أن إزالة هذا العضو الهام من مومياوات العامة كان متعمداً، ويوضح وجهة نظره بقوله: “أما بالنسبة لاستئصال القلب، فأنا أعتقد أن هذا العضو المهم قد تمت إزالته عمداً من مومياوات العامة من أجل أن يضمن أفراد النخبة حياة هانئة في الآخرة من دون وجود عامة الناس”.
ويضيف أن أهالي المتوفين من العامة الذين تم تحنيط أجسادهم ربما لم يعرفوا أن المسؤولين عن التحنيط قد استأصلوا قلوب أقربائهم أيضاً؛ كي يمنعوهم من العبور إلى الآخرة التي ستبقى في هذه الحالة حكراً على الفراعنة والنبلاء.
كيف استأصل المصريون الدماغ دون تشويه الوجه؟
بالنظر إلى المومياوات المصرية نجد أنها محفوظة بشكل مثالي تماماً، فلا يخمن الناظر إليها أن المحنطين قد استأصلوا الأحشاء الداخلية والدماغ، فكيف قاموا بذلك؟
وفقاً للمؤرخ اليوناني هيرودوت، فقد استخدم المصريون خطافاً خاصاً يتم إدخاله في أنف الميت إلى تجويف الجمجمة، ويستخدم لسحب الدماغ عبر الأنف، حيث ذكر تقريره عن التحنيط المصري في القرن الخامس قبل الميلاد أن المحنطين “يأخذون أولاً قطعة حديدية ملتوية، وبواسطتها يسحبون الدماغ من خلال فتحتي الأنف، وبالتالي يتخلصون من جزء من الدماغ، ثم يتم تطهير الجمجمة من الباقي عن طريق الشطف بالعقاقير”.
لكن اكتشف الخبراء لاحقاً أدوات استُخدمت في إزالة الدماغ متروكة في جماجم بعض المومياوات، وكانت تلك الأدوات عبارة عن عصيّ عضوية يُعتقد أنها تعمل على تسييل أجزاء من الدماغ وإزالة أجزاء أخرى بشكل كامل.
مع ذلك لا يُعرف على وجه التحديد الطريقة التي كانت أكثر شيوعاً، لكن يتفق معظم الباحثين على أن المصريين اخترقوا العظم بأداة مثل الخطاف، واستخدموا نوعاً من الأدوات الخاصة لتسييل الدماغ، ثم سمحوا للسائل بالخروج عبر الأنف. بذلك الطريقة تجنب المصريون القدماء تشويه الوجه أو الجمجمة أثناء عملية إزالة الدماغ قبل التحنيط.
ومن المهم أن نذكر أنه وعلى الرغم من شيوع استئصال الدماغ من المومياوات فإن بعضها وُجد بدماغ محنط لم يتم استئصاله.
أما فيما يخص إزالة الأعضاء الداخلية الأخرى مثل الأحشاء والمعدة والرئتين، فقد كان ذلك يتم عن طريق إجراء شق بسيط في الجانب الأيسر من البطن، أو عن طريق فتحة من خلال
فتحة الشرج أو المهبل… أما النتيجة فتكون مومياء سليمة المظهر خالية من الأحشاء الداخلية (فيما عدا القلب).