القمح الخارق.. ما قصة المحصول الذي سينهي أزمة الغذاء العالمية؟.. هذه قصته
يتردد ذكر أوكرانيا في وسائل الإعلام عند الحديث عن القمح والحبوب وغيرها من المحاصيل الأساسية الأخرى على أنها سلة غذاء العالم، لكن قد لا يعلم أغلب الناس أن الدولة حاملة هذا اللقب قبل أوكرانيا، والمؤهلة للتصدر مجددًا بعدها، هي الأرجنتين.
لربما أن الأرجنتين لن تنافس أوكرانيا وروسيا من ناحية الأراضي الضخمة والمحاصيل الوفيرة والجاهزية للتصدير، لكن السلاح السري الذي تحمله الأرجنتين قد يكون أكثر فعالية من كل هذه العوامل، وهو القمح المعدل وراثيًا HB4.
فعلى وقع الحروب وأزمات المناخ العالمية المحتدمة، تبدو هذه السلسلة المعدلة من القمح كالمحصول المنقذ، لأنها مقاومة للغاية لظروف الجفاف والبيئة الصعبة، إذ تمت الاستفادة من بذور دوار الشمس في صنعها وتطويرها.
دول عظمى لا تملك أي مشكلة في استيراد واستهلاك الحبوب المعدلة:
في ظل أزمة الأمن الغذائي الحالية، الناتجة عن أزمات المناخ والحروب، تفتح البلاد أبوابها لاستقدام المنتجات المعدلة وراثياً، بعد سنوات من التحفظ أو التردد.
في أبريل/ نيسان المنصرم، وافقت الصين، أكبر مستورد لفول الصويا ومشتقاته في العالم، على استيراد فول الصويا المعدل وراثياً المقاوم للجفاف من الأرجنتين، بعد خمس سنوات من الدراسات. وقد سبقتها كندا على هذه الخطوة في عام 2021.
أما في الأشهر الأخيرة، فقد وافقت أستراليا والولايات المتحدة ثم نيجيريا، على استخدام دقيق القمح الأرجنتيني المعدل وراثياً HB4 لغايات الاستهلاك البشري. ولا يزال المسار متواصلاً بخصوص البذور.
الأرجنتين يعجبها الأمر وتستبشر باستعادة أمجادها:
من وجهة نظر الأرجنتين، التواقة للحصول على النقد الأجنبي مقابل للتصدير، فيعجبها الأمر وتعمل على تطويره لاستعادة أمجادها الغابرة حين كانت مخزن حبوب العالم.
والأمر بالنسبة للأرجنتين لا يتعلق بالقمح فحسب، بل إنها منفتحة على معظم أنواع الحبوب خصوصًا فول الصويا. فقد جعلت البلاد، وهي ثالث أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، من هذه المحاصيل تخصصاً لها. وأصبحت الدولة الثالثة في العالم على صعيد مساحة مناطق المحاصيل المعدلة وراثياً، بعد الولايات المتحدة والبرازيل.
وفي المجموع، تمثل المحاصيل المعدلة 63 % من مساحة الأرجنتين الزراعية، و13 % من مناطق العالم المزروعة بالمواد المعدلة وراثياً.
كما أن 100% من فول الصويا والقطن، و98 % من الذرة المنتجة في الأرجنتين، هي ثمرة بذور معدلة وراثياً لمقاومة الحشرات والجفاف ومبيدات الأعشاب… والهدف التالي هو القمح، الذي يعد هذا البلد سابع أكبر مصدر له في العالم.
ويقول المدير العام لشركة “بيوسيريس”، لوكالة الصحافة الفرنسية: “هدفنا أن تصل نسبة القمح (المعدل وراثياً) من إجمالي المساحات المزروعة (بالقمح) في الأرجنتين إلى 40 % في غضون ثلاث إلى خمس سنوات”.
القمح الخارق:
طورت شركة بيوسيريس” قمح HB4 في شراكة بين القطاعين العام والخاص، على أن يكون خطة تصدي لموجة الجفاف القوية التي ستشهدها البلاد والتي قد ينتج عنها أسوأ موسم محصول للقمح منذ 12 عاماً.
أما في الوقت الحالي، لا يزال نوع “HB4″، المسمى بـ “القمح الخارق”، المصمم من جين عباد الشمس المقاوم للجفاف، في المرحلة التجريبية، إذ تمت زراعة 100 ألف هكتار، بهدف الحصول على بذور لمحاصيل مستقبلية.
ويقول مدير الشركة “لا يوجد تسويق واسع النطاق حتى الآن، لأننا لا نمتلك الأصناف المطلوبة بكميات كافية”، رغم اقتناعه بأن السياق الغذائي العالمي الحالي غيّر الوضع بالنسبة لمحاصيل المنتجات المعدلة وراثياً.
أنصار البيئة مستاؤون:
يعبر أنصار حماية البيئة عن غضبهم مما يحصل من تعديل على القمح، خصوصًا أنهم منذ طفرة فول الصويا المعدلة وراثياً في التسعينات، وتوسع الحدود الزراعية في الأرجنتين، شجبوا تأثير ذلك على التربة والفلاحين، وحتى على الصحة.
ويبدي عالم الأحياء والباحث في المجلس الوطني للبحوث العلمية والتقنية “غييرمو فولغيرا”، أسفه إزاء “الرؤية السائدة القصيرة الأجل التي تتجاهل العواقب على المدى الطويل، سواء من حيث تلوث المحاصيل الأخرى، وتشريد صغار المزارعين أو الأثر الكيميائي”.
ويلفت إلى أن “تدهور التربة بسبب الزراعة الأحادية المكثفة يؤدي إلى انخفاض في المحصول، وهو ما نسعى لتعويضه بالمزيد من الأسمدة”.
ويضيف العالم: “من المحتمل جداً أن تلوث قطعة أرض من القمح المعدل وراثياً قمحاً عادياً آخر. والتلوث المتبادل محفوف بالمخاطر، في ظل عدم إمكان العودة إلى الوراء”.
وذلك الكلام يعني أن الأرجنتين ستصبح على القائمة السوداء بالنسبة للدول الرافضة للحبوب المعدلة وراثيًا، مما سيضر بالتجار والمصدرين. علاوةً على الضرر الجسيم الذي سيتحمله صغار الفلاحين الذين يعجزون عن المنافسة والتماشي مع هكذا مشاريع ضخمة.
المصدر: الليرة اليوم