بطريقة لا تخطر ببال أحد ..ماذا تعرف عن قصة الشاب الذي نجح في إقناع 2.8 مليون شخص بأن يتبرع كل واحد منهم ببنس واحد (0.01) دولار؟
بطريقة لا تخطر ببال أحد ..ماذا تعرف عن قصة الشاب الذي نجح في إقناع 2.8 مليون شخص بأن يتبرع كل واحد منهم ببنس واحد (0.01) دولار؟
في السنوات الأخيرة، زاد عدد الشركات التي تقدم خدمات قروض صغيرة لفائدة الطلبة من أجل اللحاق بالجامعات ومواصلة دراساتهم والحصول على شهادات عليا.
كما اتسعت بشكل أخص هذه الخدمات لتقدم للطلبة باقات متعددة من العروض والاختيارات من أجل التمويل الجماعي لمشاريعهم وكذا الحصول على قروض من أصدقائهم وأفراد عائلاتهم… ومن أشخاص غرباء عنهم تماماً أيضاً.
أما في الماضي، وتحديدا في سنة 1987، فلم تكن الأمور على هذه الحال ولم يكن الحصول على قروض أو تبرعات أمرا بهذه السهولة، في الواقع لم تكن هناك بعد خدمة أنترنيت أيضاً.
في تلك الفترة كان شاب من ولاية (إيلينويز) يدعى (مايك هايس) على أبواب دخول الجامعة بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، ولم تخطر بباله سوى فكرة وحيدة من أجل جمع المال الكافي لتمويل دراسته الجامعية، وهي الحيلة التي كانت جريئة وفريدة من نوعها في آن واحد.
لم يكن (هايس) مشرّدا ولا فقيرا جدا، لكن كان أبوه الصيدلي ووالدته المدرّسة قد أشرفا مسبقاً على تعليم أربعة من أبنائهما، لذا عندما تخرج أصغرهم وهو (مايك) من ثانوية (روشيل) في يونيو سنة 1987، بدا واضحاً أنه وعائلته لن يكونوا قادرين على جمع مبلغ 28 ألف دولار المتواضع (خاصة بمعايير حاضرنا اليوم) التي سيكون بحاجة إليها من أجل قبوله في جامعة (إيلينويز) لمواصلة دراسته فيها لمدة أربعة سنوات.
هل سيقبل 2.8 مليون شخص بأن يتبرع كل واحد منهم له ببنس واحد؟
باقتراب موعد بداية الفصل الجامعي الأول، كان بحوزة (هايس) مبلغ 2500 دولار فقط التي تحصل عليها من عمله كموظف في صيدلية، لكن فكرة هائلة خطرت بباله، والتي قال عنها معلقاً: ”لربما كانت تلك هي الفكرة الوحيدة التي خطرت ببالي“، وجعلته يرى بصيص أمل في جمع المال الكافي من أجل متابعة دراساته العليا.
بدأت فكرته تلك بالتساؤل التالي: ”هل سيكون كل واحد من 2.8 مليون شخص مستعدا لمنحه بنسا [البنس هو عملة معدنية تساوي قيمتها 1 سنت أو 0.01 دولار] واحدا فقط؟“ وبذلك يكون هذا الفتى المراهق قد فكر في ما يعرف الآن بفكرة التمويل الجماعي، لكن بقيت أمامه عقبة أخرى وهي طريقة يصل بها إلى 2.8 مليون شخص.
في تلك الأثناء، كان عالم الحواسيب الإنجليزي (تيم بيرنرز لي) مازال بعيدا عن اختراع الإنترنيت بفترة تنوف عن عام كامل، وكان يتعين على (هايس) العثور على طريقة أخرى يحقق من خلالها تمويله الجماعي، وكانت هذه الطريقة هي التوجه لشخص يعرف باسم (بوب غرين).
كان (بوب) كاتباً صحفياً —كاتب عمود— شهيراً يكتب لصالح صحيفة (شيكاغو تريبيون) التي لم يكن مقرها بعيدا عن مقر سكن (هايس)، وكان (بوب) الذي بلغ من العمر آنذاك أربعين سنة مراسلا صحفيا مستقلا في السابق كان يعمل لصالح نفسه ثم تحول إلى كاتب عمود، وكان في قمة شهرته وذروة نفوذه داخل صحيفة (تريبيون)، ويقال أنه كان يجني سنويا حوالي 750 ألف دولار، وكان عموده المشترك الذي يكتبه ينشر في حوالي مائتي جريدة في جميع أنحاء أمريكا.
عندما التقى (هايس) بـ(غرين)، أراد الأول معرفة أمر واحد فقط، فسأله مباشرة: ”كم شخصاً يقرأ عمودك؟ ملايين أليس كذلك؟“
كفاكم قراءة! اذهبوا وضعوا البنسات في الأظرفة البريدية
لم يحاول (غرين) نفي ما قاله (هايس) عن عدد قرائه، كما أسرته فكرة الطالب الشاب المبدعة واستحوذت على اهتمامه، وفي السادس من شهر سبتمبر من نفس السنة، كتب (غرين) عمودا نشر في العديد من الجرائد عن (هايس) ووضع طلبا لدى شريحة قرائه العريضة بأن يتبرعوا له بالبنسات.
قال (هايس) في ذات العمود بقلم (غرين): ”أنا لا أشعر هنا بأنني أتسول“، وتابع: ”أنا لا أشعر صدقا بأن إرسال بنس لي سيكون صعباً على أي شخص“، ثم اختتم (غرين) عموده بطلبه من قرائه: ”كفاكم قراءة! اذهبوا وضعوا البنسات في الأظرفة البريدية“، ووضع أمامهم رقم صندوق بريد (هايس).
وعلى الرغم من أن كلا من (غرين) و(هايس) كانا يؤمنان بقدرة (غرين) الكبيرة على الإقناع، غير أن ولا واحدا منهما كان يؤمن بأن الأمر سيأتي بالثمار المرجوة منه حقا، خاصة باعتبار أن تكلفة إرسال بنس واحد عبر البريد كانت أكبر بـ22 مرة من قيمة المبلغ المتبرع به، غير أنه اتضح لاحقا أنه حتى قبل عصر مواقع التواصل الاجتماعي، كان ممكنا لفكرة غريبة أن تنتشر بسرعة وعلى نطاق واسع، وتمكنت بذلك حيلة (هايس) من إيقاظ قابلية البشر في تداول الأخبار الغريبة ونشرها بسرعة.
أُغرق صندوق البريد رقم 13 في العنوان «روشيل، بإيلينويز» بالبنسات، والنيكلات، وبعض التبرعات الأكبر قيمة التي جاءت من مختلف أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، وفي نهاية المطاف حصل (هايس) على حوالي 2.9 مليون بنس بالإضافة إلى حوالي تسعين رسالة من المتبرعين.
تمكن (هايس) من دفع حقوق التمدرس الجامعي خاصته، وتخرج مع شهادة في علوم التغذية وخطط لدفع المال المتبقي لأحد الطلبة الجامعيين من واحدة من العائلات التي تبرعت له بالمال في السابق، وتحول في نفس الوقت إلى شخص مشهور لمدة معتبرة في الحرم الجامعي، وكان أصدقاؤه يطلقون عليه كنية «بيني مان» أو «رجل البنس».
أما الكاتب الصحفي (غرين) فقد اتخذت حياته منحى مختلفا تماما، ففي الصائفة التي تلت سنة 1988، حظي خريج مدرسة ثانوية حديث آخر باهتمام هذا الكاتب الصحفي، لكنه لم يكن طالباً حقيقة في هذه المرة، ولم يكن الاهتمام بريئا أيضا، فقد كان الأمر يتعلق بطالبة شابة تبلغ من العمر سبعة عشر سنة من هواة الصحافة، التي ظهرت للعلن في وقت لاحق في سنة 2002 لتفضح (غرين) بإعلانها عن علاقة حميمية جمعتها به آنذاك علماً أنه كان متزوجا، مما دفعه للاستقالة من صحيفة (ذا تريبيون).
وماذا عن الطرف الثالث في هذه القصة المثيرة؟
لم يلقَ البنس مصيرا مشرقا جدا هو الآخر: فقد أصبحت تكلفة سكّه تبلغ 1.8 سنتاً، غير أنه تمكن من تفادي مصير إحالته على التقاعد بفضل قيمته العاطفية بين معشر الأمريكيين الذين يحبون تداوله.
في تلك الأثناء، ما كان قد تحسن بشكل درامي منذ سنة 1987 هو تنوع الاختيارات التي تمكن الطلبة من تمويل دراساتهم الجامعية والتي أصبحت متاحة بشكل واسع، وبفضل شركات عديدة تقدم مثل هذه الخدمات في الولايات المتحدة على غرار GoFundMe وGiveCollege وPave and Upstart، فقد تمكن الآلاف من الطلبة الجامعيين من أن يصبحوا مثل (مايك هايس) وأن يمولوا دراساتهم دون الحاجة إلى طلب معروف من شخصية مشهورة ذات نفوذ صحفي واسع من أجل دعم حملاتهم.
كما لم يعد هناك داع لهؤلاء المتبرعين المحتملين للطلبة الجامعيين أن يقلقوا حيال الاضطرار لإرسال العملات المعدنية التي تغطيها الجراثيم أو تكاليف الطابع البريدي من أجل إرسالها إلى وجهتها.
المصدر: هاشتاغ24