الحرب في سوريا أثرت على حياة العديد من الفتيات اللواتي لم تُتاح لهن حرية اختيار شريك الحياة المناسب، في ظل هجرة نسبة كبيرة من الشباب، فضلا عن العديد من الصعوبات التي طغت على المفاهيم المتعلقة بخصوصية الأفراد، ما جعلت بعض الناس يتمسكون بالعادات والتقاليد لاتخاذ القرارات.
على الرغم من أن العديد من العائلات زوجّت بناتها بتكلفة أقل نتيجة لظروف المعيشة السيئة، فقد أشارت إحصائية جديدة إلى أن هناك أكثر من 3 ملايين فتاة عازبة فوق سن الثلاثين، وأن النسبة المئوية للفتيات اللاتي بقين في منزل أهاليهم ومتأخرات في الزواج بسوريا يشكل الـ 70 بالمئة، وفقا للمعايير الاجتماعية المحلية.
من ناحية أخرى، يهرب الناس من عتب محيطهم ومجتمعهم، ويسارعون لتزويج بناتهم في سن مبكرة للتخلص منهن قبل بلوغهن إلى سن كبير (وفق النظرة المجتمعية)، وبالتالي تقل فرص الزواج لديهن، وهذه عقدة تقليدية موجودة لدى نسبة كبيرة من المجتمعات الشرقية، فهم يخشون عندما تبلغ الفتاة سن الـ14 عاما، حينها تصبح جاهزة في نظرهم للذهاب إلى بيت زوجها.
ما الأسباب؟
إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة السورية، كشفت عن أن أكثر من 3 ملايين فتاة عازبة فوق سن الثلاثين عاما، وأن نسب المتأخرات في الزواج يشكل الـ70 بالمئة، بحسب للمعايير الاجتماعية في سوريا، وفق ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية عن مصادر في الوزارة السورية.
وضمن هذا الإطار قالت الباحثة الاجتماعية ميساء عضوم: “إن ارتفاع نسبة الفتاة العازبات وهن فوق سن الـ30 في سوريا تعود لعدة أسباب؛ أولها هو الخليط المجتمعي الكبير الذي سببته الحرب، والذي أدى إلى وجود فروق طبقية وثقافية عديدة، الأمر الذي صعَّب على الفتاة كيفية الاختيار”.
ووفق تقدير عضوم، فإن الجهل المنتشر ووضع عمر معين للزواج يضاف إلى الأسباب التي تزيد من هذه النسبة، وتشير عضوم إلى أن “من الأسباب الرئيسية أيضا هو رفض قسم كبير من الفتيات الزواج ضمن سوريا بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة جدا”، على حد قولها للوكالة الروسية.
نقلت إذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، في وقت سابق عن خبراء في علم الاجتماع، أن 60 بالمئة من الشباب السوريين عازفون عن الزواج، بسبب الخوف من المستقبل، بالإضافة إلى الدخل المتدني، فضلا عن عدم وضوح مستقبلهم الذين يواجهون الغموض وعدة عوامل أخرى مثل، عدم وجود مهنة محددة، دخل مستقل، العمل، وهذا ما يؤجل الزواج لأجل غير محدد.
وبحسب الإذاعة المحلية، فإنه وفي تجمعات المدن الرئيسية تصل نسبة العزوف لأربعين بالمئة، بينما تنخفض في التجمعات التي لا زالت تحافظ على الروابط المختلفة فيما بينها والتي تخفف بدورها من الأعباء المترتبة على الزواج، حيث أن الضغوط المادية لها دور في العزوف، لكن العامل الأساسي هو التفكك الاجتماعي وتحول الحياة إلى فردية، حيث يواجه الفرد المشاكل لوحده.
هذا ويبدو أن الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا بات ينعكس على مختلف جوانب حياة السوريين، ما دفع العديد من الشباب للتفكير وفق منطق الأولويات، وأولها الاستمرار في العيش، أما بقية تفاصيل الحياة فأصبح معظمها بمثابة رفاهية يبتعد عنها الكثيرون.
نادي للتعارف؟
في إطار الحلول المقترحة، قالت الباحثة الاجتماعية ميساء عضوم: “من الصعب جدا وجود حلول في المستقبل القريب، لأن الحالات كثيرة والظاهرة منتشرة في المجتمع، ولكن أقترح أن يكون في سوريا ما يسمى النادي الاجتماعي كباقي الدول في أوروبا أو حتى الإمارات”.
ترى عضوم أن هذا النادي يساعد في التعارف والتقارب بين الأشخاص الذين وصلوا لأعمار متقدمة بلا زواج، بالإضافة لنشاطات عديدة ومفيدة، مستدركة: “أيضا لو يتم السماح بوجود الزواج المدني سيساعد في التخفيف من نسبة العازبات”، على حد وصفها للوكالة الروسية.
بدوره، يرى المحامي زين أحمد، أن “ارتفاع نسبة العازبات هي سبب من طرفين، لأن الشاب لم يعد يرغبون بالزواج، فعدم إدراك الشباب ووعيهم لكلمة مسؤولية وخوفهم من تحدي الالتزام القادم أدى لزيادة نسبة الفتيات العازبات”.
وأشار أحمد إلى أن طلبات بعض الفتيات وأهلهنّ حول المهر والذهب والعرس، أيضا ساهمت بانكسارات وعدم الرغبة في خوض تجربة العلاقات الجدية من جديد، وكل ذلك يؤدي إلى زيادة نسبة الفتيات العازبات وخصوصا مع ارتفاع نسبة البنات بشكل عام على الشباب، وفقا لـ “سبوتنيك”.
علاقات غير شرعية؟
موقع “بيزنس 2 بيزنس” المحلي، أشار في تقرير سابق، نقلا عن الدكتور هيثم عباسي، اختصاصي الجراحة النسائية في جامعة دمشق، أن هناك ارتفاعا في معدلات الحمل غير الشرعي والعلاقات المحرمة خلال الفترة الأخيرة بسبب العزوف عن الزواج، فضلا عن الارتفاع الهائل بأعداد النساء مقارنة بعدد الرجال.
ولفت عباسي، إلى وجود نسبة ليست بالصغيرة من عمليات الإجهاض ناجمة عن حمل غير شرعي، وهذا بسبب الظروف الاجتماعية والمهنية، مبينا أن عمليات الإجهاض في سوريا تضاعفت خلال العشر سنوات الماضية، وازدادت بنسبة ألف في المئة، مشيرا إلى “وجود تبعات خطيرة على صحة المرأة من جراء هذه العمليات”.
وأشار عباسي، إلى أن نسبة الإناث مقابل الذكور في سوريا أصبحت متفاوتة بشدة وبات هناك 25 امرأة صالحة للزواج مقابل كل رجل صالح للزواج، معتبرا أن هناك قلة بالذكور في كل العالم وليس فقط في سوريا، حيث إن عدد الصالحين للزواج منهم تقريبا 500 مليون من أصل 8 مليارات إنسان على الكوكب.
من جهة ثانية، نقل التقرير المحلي السابق عن المحامي، سامح مخلوف، أن سوريا تحتل المرتبة الثالثة عربيا بعد لبنان والعراق في معدلات العازبين بحسب دراسات أخيرة أجريت عام 2019، إذ وصل المعدل حينئذ إلى 65 في المئة، نتيجة للوضع المعيشي الخانق.
هذا ويحذر العديد من الباحثين الاجتماعيين من حدوث فجوة خطيرة بالهرم السكاني السوري، وعدم تجدد المواليد ليتحول بعدها المجتمع السوري إلى مجتمع كهل، نظرا لعدم الإقبال على الزواج وارتفاع حالات الطلاق والتفكك الأسري، وحوادث الموت والفقدان والهجرة.
وبحسب الخبراء، فإن الزواج أصبح حلما نظرا لارتفاع التكاليف ما يؤدي إلى اتجاه الفرد لخيارات غير عقلانية، وهذا ما رفع نسبة العازبين/ات إلى 70 بالمئة، معتبرين أن أقل تكلفة زواج ضمن أقل التكاليف تصل لنحو 17 مليون ليرة، وضمن متوسط الأجور للشريحة الأكبر من السوريين فالأمر مستحيل.