حين وصل رجل الأعمال السوري الفرنسي “محمد الطراد” إلى “فرنسا” عام 1970 وهو مفلس. لم يكن يتوقع أنه سيحتل المركز الـ31 في قائمة أغنياء “فرنسا” لعام 2021.
بنى “الطراد” ثروته المقدرة اليوم بـ4 مليارات يورو، من العدم وأصبح أحد أكبر أعمدة رياضة الرغبي حيث اختار إكمال حياته في فرنسا. يلقب نفسه باسم “طفل الصحراء” وهو الذي ينحدر من “الرقة” وولد بعد اغتصاب والدته ليعيش صعوبات كبيرة كما يقول في تصريحات ليورو نيوز.
“الطراد” وهو شريك في مجال صناعة النفط والغاز، يعمل لديه 50 ألف موظف بينهم 15 ألف موظف في فرنسا وحدها. ورغم عدم حبه للرغبي إلا أنه اشترى عام 2011 فريق مونبلييه وحوله من كيان شبه مفلس إلى بطل البلاد للموسم الماضي. بينما تتواجد علامته التجارية “الطراد” على قميص منتخب “ذي أول بلاكس” النيوزيلندي، وفي عام 2017 أصبح الراعي الأول لقميص المنتخب الفرنسي.
للأسف يخضع “الطراد” اليوم للمحاكمة جراء علاقته الوثيقة مع رئيس الاتحاد الفرنسي للرغبي “برنار لابورت” المتهم بقضايا فساد واستغلال نفوذ.
بالمقابل لا ينظر “الطراد” وهو في عقده السابع من العمر وأب لخمسة أولاد للمحاكمة على أنها مشكلة كبيرة. إنما أمر ثانوي بالنظر للظروف المؤلمة الكثيرة التي عاشها في حياته.
يقول “الطراد” أنه ناضل كثيراً للدراسة، وحين اجتاز مرحلة البكالوريا حصل على منحة بقيمة 200 فرنك للدراسة في فرنسا، وفي مدينة “مونبيلييه” حقق الرجل السبعيني كل أحلامه، على حد تعبيره.
يعرف “محمد الطراد” عن نفسه قائلاً: «لست يساريًا لكوني ولدت فقيرًا ولا يمينيًا لأنني أصبحت رجلاً ثريًا»، ويؤكد أن المال ليس ما يجذبه بل النجاحات العظيمة فقط.
من هو محمد الطراد
ولد محمد الطراد في خيمة سورية تعود جذورها إلى البدو الرحل بالقرب من مدية الرقة، وترعرع في بيئة صعـ.ـبة وظروف قاسـ.ـية لطفل عاش يتيم الأم وتخلى الأب عنه لتعتني به جدته منذ الصغر.
ورغم عدم توفر البيئة المناسبة للدراسة أصر “الطراد” على متابعة دراسته ليمشي يومياً أكثر من 10 كيلو متراً ليصل مدرسته
وذلك على الرغم من معارضة جدته تلك الفكرة حيث كانت تريده أن يصبح راعياً للأغنام، تفوق “الطراد” بمعدل عالي جداً
ليحصل على منحة سفر إلى فرنسا في السبعينيات ليتلقى أيضاً على عدة درجات في الدكتوراه في علم الكمبيوتر
وأثناء دراسته عمل ” الطراد” مهندساً في شركات تكنولوجية , الأمر الذي ساعده في الحصول على الجنسية الفرنسية
المسيرة المهنية على مستوى عالي
أمضى “الطراد” 4 سنوات في دولة الإمارات يعمل لدى شركة بترول أبو ظبي (أدنوك)، وقرر بعدها أن يعود إلى فرنسا لينال لقب أول فرنسي عربي يحصل على جائزة المقاول العالمية
وذلك بعد انطلاقته بشركته الخاصة في عام 1984، مما شكلت انطلاقة قوية المعروفة باسم “مجموعة الطراد”
لتعتبر من أهم مجموعة الشركات على المستوى الأوربي وحافظ على بناء مسيرة مهنية عالية المستوى.
في باريس
بعد عودته من أبو ظبي، تمكن من إدخار مبلغ جيد من المال، ففي عام ١٩٨٤ كانت أبو ظبي عبارة عن قرية، لا يتجاوز عدد سكانها خمسة آلاف نسمة
وبمجرد الخروج منها يجد الإنسان نفسه في الصحراء، فضلاً عد عدم وجود ضرائب عالية كما في فرنسا، فكان يدخر مجبوراً.
أنشأ الطراد شركة كانت تنتج حواسيب منقولة، فيقول “آنذاك الحواسيب كانت ضحمة كنا نشتري شاشات تلفزيونية وأزاراً ومكونات مختلفة
وهكذا أنشاًنا حاسبا ًمنقولاً ووضعناه في علبة، ولكن وزنه بلغ ٢٥ كيلو، وأول استعمال للحاسوب كان عرض مواقيت الوصول والمغادرة في المطارات العربية
وكان هذا جديداً جداً، وأردت أن أطور هذه الشركة ولم تكن لدي الأموال لذلك اضطررت ان ابيع الشركة”.
لم يكن بنية الطراد أن يصبح رجل أعمال، فما يريده هو إنجاز مشروع كبير، ولكن الأمر يم يكن محدداً، وبعد عودته من أبو ظبي
أدرك الطراد شيئاً هاماً وهو أن “فرنسا لن تتغير، عليه هو أن يتغير وأن يجد لنفسه مكاناً في المجتمع الفرنسي” والذي لم يجده حتى عام ١٩٨٤.
يقول “في ذلك العام كان لدي مبلغ من المال، ومنصب عمل، وكنت قد حصلت على الجنسية، وإحدى المرات وأنا في جنوب فرنسا في عطلة، بقرية
جاء جاري واقترح علي أن اشتري شركة، جديدة لمنشآت الأشغال واطلعت على الشركة واشتريتها، رغم أن منتوجها لم يكن خاصاً، بل عادياً
لكنه ضروري،شركة للإعمار والمنشآت البنائية، تم إصلاح الشركة وأصبحت مربحة، واستعملت الأرباح لشراء شركات وبلغ عدد شركاتي ١٧٠ شركة في العالم”، ويعمل فيها ١٧ ألف موظف”.
ويوجد الآن ملعب في مدينة مونبلييه يحمل اسم ملعب الطراد لرياضة “الركبي”، وعن هذا الملعب يقول “في عام ٢٠١١ كان لمدينة مونبيله نادي من الدوري الأول للركبي
وكان النادي يلعب على المستوى العالمي وبلغ نهائي بطولة ال١٤ في فرنسا ضد نادي مدينة تولوز، لكن الوضع المالي لهذا النادي لم يكن على ما يرام
إذ كان مفلساً، وطلب مني مساعدة النادي وانقاذه ، لماذا انقذه؟ السبب ليس عقلانياً، ليس هناك أرباح مرتقبة
ولكن رغم ذلك منحت مليونين وأربعمئة ألف يورو، للنادي وأنفقت حتى الآن ١٧ مليون يورو، لأجعله من احسن النوادي في فرنسا”.
وعن سبب ذلك الدعم يوضح الطراد “لماذا فعلت هذا؟ هذه طريقة لأرد الجميل لمونبيله، حتى لا يقال يوماً أن مونبلييه قد هدرت وقتها مع هذا البدوي الذي جاء من سوريا”.
انجازات محمد طراد
صنف ” الطراد ضمن المجلة الأمريكية “فوربس” لقب أغنى رجل أعمال في العالم وحصل على وسام جوقة الشرف الفرنسية
ولديه أكثر من 170 شركة متوزعة على أكثر من 14 دولة، كما وأنه يتحدث ثماني لغات، ونال أيضاً لقب أفضل رائد أعمال في عام 2015 في كل أنحاء أوربا
قرر “الطراد” أن يبني أكبر ملعب رغبي بفرنسا، وساعد نادي المدينة لكرة القدم بعد ما كان مهدد بالإفلاس والخسائر
وذلك على حسب وصفه قائلا: ” قررت أن أساعد مونبيليه حتى لا يقال يوماً من الأيام أن مونبيليه أهدرت وقتها مع البدوي الذي هاجر من سوريا.
ليتحول ” الطراد ” من راعيا ً للأغنام إلى شخصية ثقافية تجارية وعالمية ووجه عالمي لرجال الأعمال وبعالم المقاولات
تحدى الصعوبات والظروف القاسية وصنع نفسه بنفسه على حد وصفه”آمن بما تصنعه، آمن بنفسك، وكلنا سنصنع مستقبل أفضل”.