غرداية ولاية جزائرية تقع في منطقة صحراوية تضم عددا من القصور التاريخية مصنفة ضمن التراث العالمي. ظهر اسمها في وسائل الإعلام عام 2013 على خلفية اشتباكات بين سكان المنطقة من العرب الشعانبة والأمازيغ الإباضيين.
الموقع
تقع ولاية غرداية شمالي صحراء الجزائر على بعد 600 كلم جنوب الجزائر العاصمة، وتبلغ مساحتها 86105 كلم²، بطول 450 كلم من الشمال إلى الجنوب، وعرض يتراوح بين 200 و250 كلم. من الشرق إلى الغرب، تحدها شمالا ولايتا الجلفة والأغواط، ومن الغرب ولايتا البيض وأدرار، وشرقا ولاية ورقلة ومن الجنوب ولاية تمنراست.
السكان
تغيب الإحصاءات الرسمية الحديثة لعدد سكان غرداية، فالمعلومات المتوفرة بهذا الشأن تعود إلى العام 2003 و تشير إلى وجود حوالي 334 ألف نسمة في غرداية.
يسكن غرداية الشعانبة (عرب) والمذابيح (عرب) ويتبعون المذهب المالكي. والميزابيون (أمازيغ) يتبعون المذهب الإباضي، وهو من أوائل المذاهب الإسلامية التي ظهرت بعد الفتنة الكبرى.
المناخ
ترتفع غرداية 486 مترا عن مستوى سطح البحر، ومناخها صحراوي جاف، المدى الحراري بها واسع بين النهار والليل، وبين الشتاء والصيف، وتتراوح درجة الحرارة الشتاء بين درجة مئوية و25 درجة، وبين 18 و48 درجة صيفا، لكن يعتدل الجو في فصلي الربيع والخريف، وتكون السماء صافية في غالب أيام السنة.
ويبلغ معدل سقوط الأمطار بالولاية حوالي 60 ملم/سنويا وغالبها في فصل الشتاء، كما تهب على المنطقة رياح شمالية غربية باردة في الشتاء وجنوبية غربية محملة بالرمال في الربيع وفي الصيف جنوبية حارة.
القصور
تعرف غرداية بعمرانها وقصورها المتعددة منها قصر غرداية، وبنورة, وبني يزقن, والقرارة, وبريان وتاجنينت (العطف حاليا)، ومليكة.
وصنفت منظمة اليونسكو قصور سهل وادي ميزاب الخمسة فقط ضمن التراث العالمي، وهي غرداية وبنورة والعطف ومليكة وبني يزقن، التي تعود إلى القرن الحادي عشر، نظرا لمحافظها على طابعها العمراني طيلة هذه القرون وعلى نظامها الاجتماعي.
ورغم اختلاف هذه القصور في شكلها الهندسي فإنها تتشابه في طابعها العمراني، حيث يكون المسجد في مدخل المدينة وبعدها تأتي المنازل، أما سوق كل قصر فيقع خارج المدينة بهدف عدم السماح للأجانب بدخول المدينة.
وبنيت المنازل في قصور غرداية بما يسمح للشمس بالدخول إليها، فهي مغلقة نحو الخارج ومفتوحة نحو الداخل والسماء من أجل الضوء والتهوية وفيها بضعة فضاءات، منها الفضاء المخصص للنساء وهو ما يسمى بـ”التيزفري”، وهو ضروري لكل بيوت بني مزاب.
حلقة العزابة
تمثل حلقة العزابة السلطة الروحية لكل قصر من قصور غرداية، إذ تتدخل هذه الحلقة في جميع الأمور الدينية والاقتصادية والاجتماعية، وتعنى بالمباني الدينية من مساجد ومصليات ومقابر ومدارس، ويكون المسجد هو مكان اجتماعها.
والذي أنشأ هذه الحلقة هو أبو عبد الله محمد أبو بكر الفرسطائي، وتتكون من 12 إلى 24 عضواً، منهم الإمام، والشيخ، والمؤذن، ومراقب الأوقاف، والغسالون ويجري تعيين الأعضاء واختيارهم حسب شروط محددة، إذ تتم متابعة الشخص لمدة سنة كاملة لرؤية إن كان أهلاً للانضمام إلى حلقة العزابة أم لا. وسميت العزابة “لعزوب هؤلاء الأشخاص عن ملذات الدنيا”.
شخصيات
من أبرز الشخصيات التي ولدت في غرداية الشاعر مفدي زكرياء وهو مؤلف النشيد الوطني الجزائري ولد عام 1908 ببني يزقن وتوفي عام 1977.
حليب الدجاج مشروب تقليدي
يعتبر “حليب الدجاج” واحدا من المشروبات التقليدية التي تشتهر بها منطقة غرداية جنوبي الجزائر، حيث يتمركز المجتمع الميزابي الذي يعد من أنشط المجتمعات وأكثرها ابتكارا.
ومن يزور مدينة غرداية لا يمكنه إلا أن يحط الرحال عند أحد المحلات المختصة في بيع المشروبات والعصائر الطبيعية، ليتنكه بمشروب “حليب الدجاج” ذائع الصيت هناك.
واشتهر هذا العصير في ثمانينيات القرن الماضي، وانتشر انتشارا كبيرا في الأوساط الشبابية. ويصنف “حليب الدجاج” لدى سكان مدينة غرداية كمشروب طاقة جنسي، حيث يحضر بعناية، ويصف السكان المحليون مذاقه بالمختلف عن أي عصير طبيعي آخر.
العصير الممنوع
“ممنوع على النساء”، هو عنوان فرعي في قصة هذا المشروب الذي يعتبر “تابو” (محظور) بعض الأسر بمنطقة غرداية، يقول حمو طالب (25 سنة) للجزيرة نت “لا يمكن أن أبوح وسط أهلي بأنني احتسيت كأس حليب الدجاج، إذ يعتبر ذلك خروجا عن الحياء”.
ولا يعتبر مشروب “حليب الدجاج” عصيرا “عائليا”، فهو لا يحضر في المنازل للغاية البائنة من أخذه، بل تتخصص المحلات في تحضيره وتقديمه للشباب الذين يصطفون للظفر بكأس منه، ويتراوح سعر الكأس بين 2.5 و5 دولارات حسب جودة مكوناته.
وفي المجتمع الميزابي يمنع على النساء “عرفا” تناول هذا العصير الرجالي بامتياز ولا تذكره النسوة حتى في جلساتهن، هكذا هي العادة.
مشروب ليلي
يعد “حليب الدجاج” مشروبا ليليا حتى إن المحلات المختصة بتقديمه لا تبدأ تحضيره إلا مساء، يقول بكير (47 عاما)، وهو صاحب محل يقدم هذا العصير، “لا طلب على المشروب في النهار، ولا مكوناته تسمح بتقديمه نهارا”.
يصل مريدو هذا العصير حد “الإدمان”، يصف بكير هذا “الإدمان” بـ”الصحي”، مشيرا للجزيرة نت إلى “أن يدمن الرجال على مثل هذه الأغذية أفضل من تعودهم على السجائر أو عادات مضرة بالصحة”.
وتعود وصفة “حليب الدجاج” للراحل حمو عطفاوي، الذي استلهمها من أحد الخلطات الفرنسية، فنزع منها بعض المكونات (كالكحول) وأضاف لها أعشابا لتخرج تركيبه فريدة من نوعها.
فياغرا طبيعية
يعرف هذا المشروب الذي ربطته جمعية في المنطقة بالضعف الجنسي والعقم، بـ”الفياغرا الطبيعية” لما يحمل من مكونات، ويقدم حتميا للعريس ليلة زفافه، إذ يرى بلحاج (36 عاما) أن “الشاب ليلة عرسه يشعر بالارتياح لمجرد فكرة تناوله كأسا من حليب الدجاج”.
ويتناول هذا المشروب الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و45 عاما، وفي حين لا يحبذ أن يتناوله العزاب، لا يمنع كبار السن من شربه والاستفادة منه.
ويرى إبراهيم سفيان عطفاوي، صاحب أحد أشهر المحلات المختصة في بيع “حليب الدجاج”، أن “الموضوع بات مختلفا الآن، فلم يعد العصير حكرا على الرجال بل أغرى حتى النساء اللاتي بتن مريدات له، كما لا يمكن منع العازب منه لمذاقه المميز وفوائده الكثيرة”.
مكونات “حليب الدجاج”
ومكونات “حليب الدجاج”، أو كما هو معروف في المنطقة باسم “le lait de poule”، بسيطة حسب محدثنا عطفاوي الابن، إذ يخلط صفار البيض الطازج بكأس من حليب البقر، ويمزج الخليط السابق بحبة موز ومجموعة من المكسرات، إلى جانب أعشاب ومكونات سرية لا يفصح عنها أصحاب “الصنعة”.
و”حليب الدجاج” نوعان، الأول وهو العادي يقدم بالمكونات السابقة، أما الثاني فهو بأجود أنواع العسل الحر تحديدا “عسل السدر” ويسمى بـ”الملكي”، وتختلف الأسعار حسب جودة المكونات، كما أن مذاق المشروب ليس بالحلو.
مشروب المشاهير
ويؤكد بكير أن محله لطالما كان مزارا لشخصيات وازنة ومشاهير، يقول إن والي العاصمة السابق عبد القادر زوخ مثلا كان لا يضيع فرصة إلا وحط رحاله بأحد المحلات الموجودة بالجزائر العاصمة ليتناول نصيبه منه.
“وغير زوخ شخصيات كثر قد يثير ذكرهم في هذا المقام حفيظتهم” يقول بكير، “ففي محلاتنا لا نلتقط صور المشاهير الذين يزوروننا، عكس بعض المحلات الأخرى، رغم أننا مقصدهم بشكل شبه يومي”.
ويعد قوام هذا العصير مثل الحليب الرائب، ويتنافس بعض الشباب من باب المزاح على من يستطيع إكمال كأسه لتركيزه العالي وسعراته الحرارية المرتفعة، ويصف أيوب شعوره بعد شربه قائلا “وكأن موجة حر أصابت رأسي”.
وحسب العادة يظفر من ينهي كأسه بشربة -كهدية من المحل- من عصير “تيكروايت”، وهو مشروب محلي أيضا يختم به الزبون سهرته عائدا لأسرته، كاتما سر نضارة بشرته.
المصادر : مواقع إلكترونية عربية – الجزيرة