تجربة في عمق الفضاء تحدت أعظم نظرية لآينشتاين
تحدى فريق من الباحثين نظرية النسبية العامة التي وضعها عالم الفيزياء الشهير آلبرت آينشتاين، وذلك عبر النهوض بتجربة علمية استمرت 16 عاماً.
تشكل نظرية “النسبية العامة” general relativity التي أطلقها آلبرت آينشتاين في 1915، حجر الزاوية في المعرفة التي يمتلكها العلماء حاضراً بشأن الجاذبية. إذ تنص على أن الأجسام ذات الكتلة الضخمة، والصغيرة على حد سواء، تشوه النسيج الكوني الرباعي الأبعاد من حولها الذي يسمى “الزمكان”. [يملك المكان ثلاثة أبعاد هي الطول والعرض والعمق. وأضاف آينشتاين الزمن إلى تلك الأبعاد في نظريته عن النسبية، كأن نقول “سنة ضوئية” في وصف زمن محدد يقطع خلاله الضوء مسافة معينة. بالتالي، نظر آينشتاين إلى الكون بوصفه مركب رباعي الأبعاد من الزمان والمكان، واختصره بكلمة زمكان Time Space].
ولسوء الحظ، بينما تجد النسبية العامة تفسيرات للحركات الكبرى الموجودة في الكون [كحركة النجوم والكواكب السيّارة والمذنبات وغيرها] التي يشهدها الكون، ليس مستطاعاً الرجوع إليها في شرح الحركة على المقياس الأصغر في الكون [كالحركة والطاقة داخل الذرة مثلاً]. في الواقع، تهتم الفيزياء الكمومية quantum physics بدراسة ذلك النوع من الحركة. وفي حال نجحت نظرية مستقبلية في التوحيد بين نظريتي آينشتاين في النسبية والفيزياء الكمومية، فستساعدنا في فهم مكاننا في الكون.
في تعليق على تلك التجربة الكونية، ذكر أحد علماء الفيزياء في “جامعة إيست أنغليا”، الدكتور روبرت فردمان إنه “على الرغم من النجاح المذهل الذي حققته نظرية النسبية العامة لآينشتاين، نعلم أنها لا تشكل الكلمة الفصل في ما يتصل بالجاذبية”.
وأضاف فردمان، “بعد مضي ما يربو على مئة سنة، ما زال العلماء حول العالم يواصلون ما يبذلونه من جهود بحثاً عن ثغرات في نظرية الجاذبية [عند آينشتاين]”.
وفي السياق نفسه، أوردت الدراسة الجديدة التي نُشرت في المجلة الفيزيائية “فيزيكال ريفيو إكس” Physical Review X ، أن الباحثين راقبوا حركة إثنين من النجوم الضخمة من النوع المسمّ “نجوم نابضة” Pulsar، في إشارة إلى أنها نوع من النجوم النيوترونية التي تُصدر حزماً من الإشعاع الكهرومغناطيسي من أقطابها. وقد استعان أولئك العلماء بتلسكوبات راديوية [تعمل عبر إطلاق موجات راديو في الفضاء وتراقب التغيرات التي تتعرض لها تلك الموجات في رحلتها الكونية] موزّعة في أرجاء الكرة الأرضية.
يفوق النجمان النابضان شمسنا وزناً ولكن عرضهما لا يتجاوز 15 ميلاً (حوالى 24 كيلومتراً). بينما يدور النجم الأول حول نفسه 44 مرّة في الثانية، يستغرق الآخر 2.8 ثانية للانتهاء من دورانه. ويدور الجرمان السماويان حول بعضهما بعضاً كل 147 دقيقة، بسرعة مذهلة تبلغ مليون كيلومتر في الساعة، ما جعلهما جديرين بالمراقبة. في حين أن آينشتاين أو غيره من فيزيائيي عصره ما كانوا ليتخيلوا وجود هذا النظام النجمي النابض المزدوج، الذي يعود اكتشافه إلى 2003، إلا أنه يشكل “المختبر الأكثر دقة” في متناول العلماء للتحقق من مدى صحة نظريات العالم الشهير، بحسب الدكتور فردمان.
وفي سياق تلك التجربة، نجح العلماء في إجراء اختبارات على كيفية نقل الطاقة بواسطة موجات الجاذبية على مستوى يفوق من التكنولوجيا المتوافرة لديهم حالياً بألف مرّة [بمعنى أن ذلك المستوى ظهر في طريقة انتقال الطاقة عبر موجات الجاذبية في النجمين النابضين اللذين وُضعا قيد المراقبة]. ويضاف إلى ذلك أنهم وجدوا أن نظرية آينشتاين ما زالت قائمة، وكذلك رضد الباحثون أيضاً تأثيرات لم يسبق أن خضعت للدراسة.
ووفق كلمات البروفيسور ديك مانشستر من “وكالة العلوم الوطنية الأسترالية” (اختصاراً “سيسرو” CISRO)، “إضافة إلى موجات الجاذبية وانتشار الضوء، أتاحت لنا دقة ذلك العمل، أن نقيس تأثير”تمدد الوقت” الذي يجعل الساعات تعمل بشكل أبطأ في مجالات الجاذبية”. [وفق نظرية آينشتاين، يتأثر الزمان بالجاذبية. ولذا، يجري تعديل الوقت على الموجات التي تدخل الأرض آتية من فضاء مجاور، على غرار البث التلفزيوني عبر الأقمار الاصطناعية].
وأضاف البروفيسور مانشستر، “عند النظر في تأثير الإشعاع الكهرومغناطيسي المنبعث من النجم النابض السريع الدوران على الحركة المدارية، علينا أن نأخذ في الاعتبار معادلة آينشتاين الشهيرة “ط= ك. س²” [بالإنكليزيةE= mc2 ، وتعني أن حاصل ضرب كتلة جسم ما في مربع سرعته يساوي الطاقة التي تنجم عن تحوّله من كتلة إلى طاقة، على غرار الطاقة التي تنتج في القنابل الذرية والنووية].
يساوي هذا الإشعاع، وفق البروفيسور مانشستر، “خسارة كتلة بحجم ثمانية ملايين طن في الثانية! [يعني ذلك أن تلك الكتلة يجب أن تتحوّل كلها إلى طاقة كي تعطي ذلك الإشعاع]. وفي حين يبدو هذا الرقم كبيراً، إلا أنه يمثل جزءاً صغيراً، ثلاثة أجزاء في ألف مليار، من كتلة النجم النابض في الثانية”.
وكخلاصة، رأى العلماء الذين نهضوا بتلك التجربة، إنه على الرغم من أن مستوى الدقة الذي اعتمدوه في عمليات القياس لم يسبق له مثيل، فإن إجراء تجارب مستقبلية باستخدام تلسكوبات أكبر حجماً، سيوصل إلى تفحص الكون بمستوى أعلى من الدقة. بالتالي، يمكن لتلك التجارب المستقبلية أن تجد، ذات يوم، انحرافاً عن نظرية آينشتاين”.
المصدر: اندبندنت عربية