في الحديقة الحقيقية للعصر الجوراسي، تُكتشف العديد من الديناصورات، فبعيدًا عن أفلام الخيال العلمي توجد منطقة في الغرب الأمريكي، وتحديدًا في ولاية وايومنج، تمتد فيها صخور متكون الموريسون التي يرجع تاريخها إلى العصر الجواراسي العلوي (أي حوالي 150 مليون عام تقريبًا).
وتحتوي صخور متكون الموريسون على كثير من الديناصورات، مثل ديناصورات ستيجوسورس الآكلة للعشب وديناصورات الألوصورس الآكلة للحوم، ما جعل تركيز الباحثين في تلك المنطقة منصبًّا على الديناصورات بغض الطرف عما يمكن أن تحمله صخور المتكون من كائنات صغيرة أخرى عاشت جنبًا إلى جنب مع تلك الكائنات العملاقة ذائعة الصيت والشهرة.
يقول ماثيو كارانو –المتخصص في علم الأحياء القديمة في متحف سميثسونيان للتاريخ الطبيعي، والمؤلف الرئيسي للدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”: يهتم العلماء بجمع كنوز متكون الموريسون من الديناصورات الأكبر والأكثر دراماتيكية، ويتغاضون عن تنوُّع الزواحف الصغيرة الموجودة هناك، وربما يرجع ذلك إلى أننا لا نحصل إلا على أجزاء صغيرة غير مكتملة منها وغير جيدة الحفظ.
يضيف كارانو: في عام 2010، لاحظ “بيتر كروهلر” -أحد المختصين بتحضير العينات للدراسة- وجود عظمتين صغيرتين داخل صخرة ملقاة بجانب عش ديناصور، واعتقد “كروهلر” أن هناك مزيدًا من العظام داخلها، ووضع علامات بجوار العظيمات الصغيرة ليتم نقلها وحفظها داخل المتحف أملًا في معرفة ما تحمله من أسرار.
ووفق البيان الصحفي الذي اطلعت “للعلم” على نسخة منه، فقد “جاء إلى المتحف بعد ذلك جوزيف جريجور متطوعًا لتنظيف تلك العينة وإزالة الصخور من حولها، وعكف جريجور شهورًا في تحضير العينة، باستخدام أدوات حادة ذات رؤوس معدنية، وما إن ظهرت العظام، حتى فحصها العلماء تحت المجهر، وتم مسح العينة ضوئيًّا في ماسح ضوئي مقطعي محوسب، ومن خلال المسح حصل الفريق على صور مفصلة للغاية للعظام في ثلاثة أبعاد، ما أتاح لهم إجراء إعادة بناء شبه كامل للجمجمة، وبعد الكشف عن الهيكل العظمي كانت لحظة الدهشة للجميع؛ إذ لم يعثر الفريق على هيكل مكتمل لزاحف في تلك الفترة مثل هذه العينة، ما جعل الأمر نادرًا للغاية”.
في البداية، ظن الباحثون أن الحفرية ترجع إلى زاحف تم اكتشافه من قبل، خاصةً أن العمل في تلك المنطقة قديم جدًّا منذ أكثر من قرن ونصف، لكن ما أوضحه التصوير المقطعي المحوسب الدقيق كان الأكثر إدهاشًا والأكثر أهمية؛ إذ بدا للباحثين أن الهيكل ربما يرجع إلى نوع جديد تمامًا لم يكن معروفًا من قبل.
وتوصل الباحثون في الدراسة، التي نشرتها دورية “جورنال أوف سيستيماتيك باليونتولوجي” (Journal of Systematic Palaeontology)، إلى أن هذا الهيكل يرجع إلى نوع من زواحف منقاريات الرأس، وأنه عاش في الأراضي الوعرة بمنطقة وايومنج.
وتحظى زواحف منقاريات الرأس
(rhynchocephalians) بأهمية كبيرة؛ إذ إنها من أبناء عمومة الثعابين والسحالي، ورغم كثرة أعدادها وتنوُّع أشكالها وطبائع تغذيتها منذ ملايين السنين، لم يتبقَّ منها سوى نوعٍ واحد يعيش في نيوزيلاندا الآن ويسمى تواتارا (tuatara).
يقول كارانو: تمثل زواحف التواتارا -التي تستوطن نيوزيلندا وتُعد النوع الوحيد الباقي من زواحف منقاريات الرأس- قصةً تاريخيةً عميقة؛ فعلى الرغم من أنها تبدو وكأنها سحلية بسيطة نسبيًّا، إلا أنها تجسد ملحمةً تطوريةً كاملةً تعود إلى أكثر من 200 مليون سنة.
ويتابع: ربما انقرضت الأنواع المختلفة من زواحف منقاريات الرأس بسبب المنافسة مع السحالي، أو ربما انقرضت بسبب التغيُّرات العالمية في المناخ وتغيُّر الموائل، ومن المدهش أن تكون لديك هيمنة مجموعةٍ ما تفسح المجال لمجموعةٍ أخرى للتطور خلال الزمن، وأرى أن هناك حاجةً إلى مزيدٍ من الأدلة لشرح ما حدث بالضبط، لكن قلة الحفريات هي العائق.
أطلق الباحثون على الأنواع الجديدة اسم “أوبيسياميموز جريجوري” (Opisthiamimus gregori)، نسبةً إلى الباحث المتطوع جوزيف جريجور، الذي قضى مئات الساعات في كشط العظام بدقة، ويبلغ طول الزاحف الجديد -من الأنف وحتى الذيل- حوالي 16 سم، ويدل شكل أسنانه على أنه كان يتغذى على الحشرات.
يقول كارانو: تمت إضافة الحفرية إلى مجموعات متحف سميثسونيان للتاريخ الطبيعي، بحيث تبقى متاحةً للدراسة المستقبلية، ويُعد هذا الكائن آخر عضو حي في مجموعة حلت محلها السحالي بالكامل تقريبًا، وربما نعرف يومًا ما سبب الهوة في الانتشار والتطور، بين بقاء زواحف التواتارا كزاحف وحيد من بني جلدته من زواحف منقاريات الرأس مقابل انتشار السحالي حتى الآن في جميع أنحاء العالم.
المصدر: للعِلم