يتمتع الهيدروجين الأخضر بزخم لا مثيل له في أوروبا وحول العالم، مع مساعي غالبية الدول لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، وهو ما يدفع القارة العجوز إلى تسريع انتقال الطاقة لديها وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55% على الأقل خلال العقد المقبل.
يُعَد الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون تحديًا ضروريًا وفرصة عظيمة لبناء مستقبل أفضل لمجتمعنا، يمكن للهيدروجين، سواء كان أزرق أو أخضر، أن يؤدي بالفعل دورًا حاسمًا في مسار إزالة الكربون؛ إذ يمكن الهيدروجين القطاعات الاقتصادية، ولا سيما توليد الكهرباء، والصناعات، والنقل، والمباني من تقليل انبعاثات الكربون بشكل كبير.
يتمثل التحدي في زيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر من الكهرباء عديمة الانبعاثات مثل الطاقة المتجددة والنووية، وتسريع نشر التطبيقات القائمة على الهيدروجين.
تحديات تواجه الهيدروجين
يمثل الهيدروجين أقل من 2% من استهلاك الطاقة الحالي في أوروبا، ويستخدم بشكل أساسي لإنتاج المنتجات الكيماوية، كالبلاستيك والأسمدة، ويُنتَج 96% من الهيدروجين حاليًا من الغاز الطبيعي.
هناك تحديان مهمان لجعل الهيدروجين الأخضر قابلًا للتطبيق اقتصاديًا في أوروبا؛ أبرزها خفض تكاليف عملية التحليل الكهربائي، وتطوير البنية التحتية لنقل الهيدروجين.
وتقف أوروبا عند نقطة تحول لجعل اقتصاد الهيدروجين حقيقة واقعة، مع إصدار إستراتيجية الهيدروجين؛ إذ وضعت القارة رؤيتها لدعم نمو الهيدروجين، وحددت عددًا من الإجراءات الرئيسة.
وقدم الاتحاد الأوروبي 3 مراحل إستراتيجية في الجدول الزمني حتى عام 2050، من المتوقع أن يمثل الهيدروجين، الذي يمثل حاليًا أقل من 2% من مزيج الطاقة في أوروبا، نحو 14% بحلول عام 2050.
وتهدف خريطة الطريق إلى إنشاء إطار من شأنه تمكين سوق الهيدروجين؛ إذ يعول الاتحاد الأوروبي على الهيدروجين الأخضر من مصادر الطاقة المتجددة في أداء دور رئيس في إزالة الكربون؛ حيث قد لا تكون البدائل الأخرى مجدية، أو قد تكون أكثر تكلفة، في قطاعات مثل قطاع نقل المركبات الثقيلة والعمليات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة.
ويوفر الهيدروجين تخفيض 7.5% من الانبعاثات بحلول 2050، ويُعَد حلًا لإزالة الكربون من القطاعات التي يصعب تقليل الكربون فيها، بالإضافة إلى خفض الانبعاثات، وسينخفض الطلب على الوقود الأحفوري بمقدار 517 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2050، وستزيد الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بمقدار 813 ألف برميل يوميًا.
استخدامات الهيدروجين الأخضر
يمكن إنتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق التحليل الكهربائي، باستخدام الكهرباء المتجددة لتقسيم الماء إلى هيدروجين وأكسجين؛ إذ يمكن استخدام الهيدروجين المتجدد في استبدال الهيدروجين الأحفوري للعمليات الصناعية، أو لبدء منتجات صناعية جديدة مثل الأسمدة الخضراء والصلب.
ويمكن استخدام الهيدروجين النظيف في قطاع النقل، خاصة في الشاحنات الثقيلة والبعيدة المدى والحافلات والسفن والطائرات، كما أنه متوافق مع قطاع الكهرباء الذي يهيمن عليه بشكل متزايد توليد الطاقة المتجددة؛ ما يوفر تخزينًا طويل المدى وواسع النطاق، ويضيف المرونة إلى نظام الطاقة.
يمكن أن يساعد الهيدروجين الأخضر في تحقيق التوازن بين العرض والطلب على الكهرباء في مناطق معزولة أو قائمة بذاتها في الاتحاد الأوروبي، أو لاستخدامات محددة ومحلية مركزة في مدينة أو منطقة أخرى قائمة بذاتها.
إستراتيجية الاتحاد الأوروبي للهيدروجين
سيكون الهيدروجين جزءًا مهمًا من إستراتيجية الاتحاد الأوروبي الشاملة لتكامل نظام الطاقة؛ ففي عام 2020 اعتمدت المفوضية إستراتيجية مخصصة جديدة بشأن الهيدروجين في أوروبا، تعمل على جمع مسارات مختلفة للعمل من البحث والابتكار عبر الإنتاج والبنية التحتية إلى البعد الدولي.
ستستكشف الإستراتيجية كيف يمكن أن يساعد إنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر في إزالة الكربون من اقتصاد الاتحاد الأوروبي بطريقة فعالة من حيث التكلفة، بما يتماشى مع الصفقة الأوروبية الخضراء وأيضًا المساعدة في التعافي الاقتصادي بعد “كوفيد-19”.
إمكان التخزين
جميع الدلائل والدراسات الاستشرافية تشير إلى أن مصادر الوقود الأحفوري ستستمر في أداء دور مهم في مزيج الطاقة العالمي في العقود المقبلة، وهو ما يعني أنه من غير المرجح أن يتحقق طموح الاتحاد الأوروبي المحايد للكربون من خلال زيادة استخدام الكهرباء وحدها.
يتمثل أحد الحلول المحتملة في تحويل مصادر الطاقة المتجددة إلى هيدروجين؛ حيث يوفر الهيدروجين المعالج حرارة عالية يمكن استخدامها في النقل باعتبارها وقودًا، وفي الصناعات والأسمدة.
وتعد إمكانات تخزين الهيدروجين مفيدة بشكل خاص لشبكات الكهرباء؛ حيث يسمح الهيدروجين بالاحتفاظ بالطاقة المتجددة ليس فقط بكميات كبيرة، ولكن أيضًا لمدد طويلة، وهو ما يعني أن الهيدروجين يمكن أن يساعد في تحسين مرونة أنظمة الطاقة من خلال موازنة العرض والطلب؛ حيث سيساعد هذا أيضًا في تعزيز كفاءة الطاقة في جميع أنحاء أوروبا.
مشروعات الهيدروجين في أوروبا
قدم الاتحاد الأوروبي إستراتيجية هيدروجين لدوله الأعضاء، والعديد من الدول الأخرى في المنطقة وضعت خرائط طريق مماثلة؛ إذ توفر تلك الخرائط طريقًا مدته عقد من الزمن، للعمل على تطوير الاستخدام الواسع للهيدروجين باعتباره وسيلة لتحقيق أهداف الحياد الكربوني.
• فرنسا
تخطط لإنفاق 7 مليارات يورو (7.88 مليار دولار) على سعة المحلل الكهربائي 6.5 غيغاواط بحلول عام 2030، مع توافر 2 مليار يورو (2.25 مليار دولار) في 2021-2022.
• ألمانيا
تدعو الإستراتيجية إلى استثمار 7 مليارات يورو (7.88 مليار دولار) في الأعمال التجارية المحلية والبحث مع التركيز على الهيدروجين الأخضر، وتستهدف ما يصل إلى 5 غيغاواط من التحليل الكهربائي بحلول عام 2030، و5 غيغاواط أخرى بحلول عام 2035-2040.
• هولندا
لديها طموح لبناء 500 ميغاواط من المحلل الكهربائي بحلول عام 2025 ومن 3 إلى 4 غيغاواط بحلول عام 2030
تحدد الخطة المكونة من 60 نقطة هدف التحليل الكهربائي 4 غيغاواط بحلول عام 2030، مدعومًا بنظام ضمانات المنشأ، مع حصص الهيدروجين الخضراء للصناعة، تقدر تكلفة الخطة بـ9.8 مليار يورو (11.03 مليار دولار) على مدى 10 سنوات، يأتي معظم هذا من القطاع الخاص.
• المملكة المتحدة
تتضمن الإستراتيجية هدف إنتاج بقدرة 5 غيغاواط بحلول عام 2030، وتدعم إنتاج الهيدروجين باللونين الأخضر والأزرق.
• البرتغال
تتضمن الخطة هدفًا يتمثل في التحليل الكهربائي 2-2.5 غيغاواط بحلول عام 2030 وترتفع إلى 5 غيغاواط بحلول عام 2050، على أن يكون 10-15% من الهيدروجين معتمد على شبكة الغاز بحلول عام 2030، والعمل على أن تصل إلى 75%-80% بحلول عام 2050.
• إيطاليا
5 غيغاواط من التحليل الكهربائي وحصة 2% من الهيدروجين في الطلب النهائي على الطاقة بحلول عام 2030.
• النمسا
ستتلقى مشروعات الهيدروجين الأخضر 500 مليون يورو (562.95 مليون دولار) مساعدات حكومية بحلول عام 2030 للمساعدة في إزالة الكربون من الصناعات مثل الفولاذ.
خريطة طريق إلى 2050
يتطلب تحقيق أهداف إزالة الكربون في الاتحاد الأوروبي استيعابًا كبيرًا للطلب على الهيدروجين وتطوير مشروعات هيدروجين جديدة؛ إذ تسعى اللجنة المعنية بالطاقة في المفوضية إلى توجيه الاستثمار لجعل الهيدروجين أكثر فاعلية من حيث التكلفة.
تبلغ التكاليف المقدرة اليوم للهيدروجين المستخرج من الوقود الأحفوري نحو 1.5 يورو (1.69 دولار)/كغم، والهيدروجين من الوقود الأحفوري باستخدام احتجاز الكربون وتخزينه نحو 2 يورو (2.25 دولارًا)/كغم، وبالنسبة للهيدروجين من مصادر الطاقة المتجددة 2.5-5.5 يورو (2.81-6.19 دولارًا)/كغم.
ووفق الخطة؛ فإن أسعار الكربون في حدود 55-90 يورو (61.92-101.33 دولارًا) لكل طن من ثاني أكسيد الكربون ستكون مطلوبة لجعل الهيدروجين القائم على مصادر الوقود الأحفوري مع احتجاز الكربون منافسًا للهيدروجين القائم على الوقود الأحفوري.
مع ذلك، فإن تكاليف الهيدروجين المتجدد تنخفض بسرعة. على سبيل المثال، خُفِّضَت بالفعل تكاليف عملية تحليل الماء لعناصره الرئيسة (الأكسجين والهيدروجين) بنسبة 60% تقريبًا في السنوات الـ10 الماضية، ومن المتوقع أن تنخفض إلى النصف في عام 2030.
وتشير اللجنة إلى أنه من المتوقع أن تنخفض تكاليف تحليل الماء من 900 يورو (1013.31 دولارًا)/كيلو واط إلى 450 يورو (506.65 دولارًا)/كيلو واط أو أقل في المدة بعد عام 2030، و180 يورو (202.66 دولارًا)/كيلو واط بعد عام 2040.
يجب أن يقترن هذا بإطار تنظيمي تمكيني، وإيجاد أسواق رئيسة مع البحث المستمر عن الابتكار وشبكات البنية التحتية واسعة النطاق مع التعاون على المستويين الوطني والدولي.
إستراتيجية الاتحاد الأوروبي
إستراتيجية الهيدروجين الخاصة بالمفوضية الأوروبية، التي وضعت لتكون أوروبا محايدة مناخيًا، في أعقاب عدد من إستراتيجيات الهيدروجين الوطنية التي أُعلِنَت (مثل ألمانيا وهولندا والبرتغال)، تحدد الرؤية الشاملة للاتحاد الأوروبي لإزالة الكربون من مجموعة من القطاعات في جميع أنحاء أوروبا باستخدام الهيدروجين.
ومن المتوقع أن يوفر الهيدروجين 13% على الأقل من الطلب النهائي على الطاقة بحلول عام 2050 في أوروبا.
وتدعو المفوضية القطاعين العام والخاص للانضمام إليها على الطريق لتحقيق الصفقة الخضراء الأوروبية وانتقال الطاقة النظيفة في أوروبا.
وتوفر الإستراتيجية إطارًا سياسيًا ملموسًا يضع من خلاله التحالف الأوروبي للهيدروجين النظيف “التحالف” أجندة استثمار وخط أنابيب للمشروعات؛ حيث ستسهم كلتا الإستراتيجيتين في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأهداف اتفاق باريس.
المصدر: الطاقة