من المؤكد أن قصة (كارلوس هينريكي) الملقب بـ(كايزر) هي واحدة من أكثر القصص غرابة وإثارة للاهتمام التي حدثت في عالم كرة القدم.
قد لا تكون سمعت بهذا الإسم من قبل، كما قد لا يكون سبق لك وأن شاهدت صاحبه يلعب كرة القدم، هذا على الرغم من أنه لعب لبعض أفضل أندية كرة القدم في العالم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وهو ما جعله يعتبر واحدا من أفضل لاعبي كرة القدم الذي لم يسبق له أن لعب مباراة حقيقية واحدة في حياته.
ولد (كارلوس هينريكي) الملقب بـ(كايزر) في الثاني من أبريل سنة 1963، واشتهر فيما بعد باسم (كارلوس كايزر) فقط، وقد نال هذا اللقب بسبب الشبه الكبير الذي جمعه بـ(فرانز بيكنباور).
كان (كايزر) مهاجما برازيليا سابقا في كرة القدم، وقد تمكن بطريقة ما من تنفيذ أكبر خدعة في عالم كرة القدم على الإطلاق، وقد نجح في القيام بذلك دون حتى أن تكشف حيلته.
أصبح (كارلوس كايزر) يعرف اليوم باسم ”لاعب كرة القدم الهزلي“، وهو ما يعني لاعب كرة القدم الذي لا يرغب في اللعب. قد يبدو الأمر غريبا، وهو بالفعل غريب، لكن على قدر الغرابة التي يبدو عليها الأمر، فإن قصة (كارلوس كايزر) ووصوله إلى الشهرة ونيله لقب أفضل لاعب كرة لا يلعب الكرة، هي قصة مثيرة للاهتمام بالفعل.
بدأت قصته في سنة 1979 عندما لاحظه كشافو المواهب لصالح فريق Puebla خلال حصة تدريبية لفريق Flamengo. ولم يمض وقت طويل حتى وقّع عقدا مع هذا النادي المكسيكي، ومن هناك سيستهل قصته في الاحتيال على العالم كله، وهو لم يفعل هذا بدون خطة مدروسة بالفعل.
كانت خطته تقضي بأنه بعد الانضمام لأي نادي كرة قدم، يسهر على أن يتعرض لإصابة في الأيام الأولى له مع النادي حتى يبقى في دكة البدلاء إلى أن ينتهي عقده إن كان الحظ حليفه، وهي خطة بسيطة لكنها كانت ناجحة جدا.
خلال مسيرته ”الكروية“، عقد صداقات مع بعض أفضل لاعبي كرة القدم في العالم في تلك الحقبة، كما صاحب بعض أثرى الشخصيات آنذاك، وبالإضافة إلى ذلك كان بطريقة ما يستطيع خداع الصحافة ويتلاعب بها، على وجه الخصوص وقع سحره على صحفي واحد بالذات، الذي ساعده بطريقة ما على توسيع شبكة معارفه النافذين، والذين بدورهم راحوا يروجون له عن طيب خاطر، مما سمح له بالانتقال بين أفضل النوادي في العالم بأريحية كاملة.
والقصة لا تتوقف هنا، حيث كان (كايزر) أيضًا يدفع المال للاعبين الشباب في الفرق التي يمضي معها عقودا حتى يقوموا عمدا بإصابته أثناء التدريبات، وكان كذلك يرشي بعض ”عشاقه“ حتى يهتفوا اسمه في المدرجات ويتغنون به وهو جالس على مقاعد البدلاء.
كما كان له طبيب خاص كان بين الحين والآخر يدلي بتصريحات يقول فيها بأن (كايزر) يعاني من هذا الالتهاب، ومن ذلك المرض وما إلى ذلك من أعذار. سمحت له كل هذه الحيل والخدع بأن يبقى في دكة البدلاء طوال مسيرته الكروية.
غير أن كل هذا ما كان لينجح لولا شخصيته الفريدة من نوعها، حيث أنه ربما لو جرب هذه الخدعة شخص آخر لتم كشفه مبكرا ولما حقق النجاح الذي حققه (كايزر).
كان (كايزر) يتمتع بنوع من الكاريزما التي جعلته محبوبا لدى كل من يلتقي بهم تقريبًا، كما كان مخادعا ومراوغًا وشخصية تجيد التلاعب بالناس، وكان دائما ينجح في تدوير دفة الأمور لصالحه بطريقة أو بأخرى.
قال عنه لاعب الكرة البرازيلي الشهير (بيبتو) ذات مرة: ”كان كلامه جميلا جدا لدرجة أنك إن سمحت له بمجرد فتح فمه ستقع في سحره. لن تكون لديك فرصة لتجنب الأمر، كنت لتقع فريسة له بدون شك“.
كان من بين أكبر الخدع التي نفذها (كايزر) هي أنه ادعى بأنه لعب لصالح فريق Talleres de Cordoba وIndependiente، حيث ادعى أنه كان جزءا من الفريق الذي فاز في سنة 1984 بكأس (ليبرتادوريس) —الكأس الشبيهة بدوري أبطال أوروبا لكنها تلعب في أمريكا الجنوبية— والكأس الدولية في نفس العام.
تمكن من إقناع الجميع بذلك بعد أن صور نفسه على أنه (كارلوس إنريكي)، الذي كان لاعباً ضمن الفريقين السابقين في تلك الحقبة، وهنا عليك أن تتذكر عزيزي القارئ أنه كان يقوم بما يقوم به من ادعاءات في زمن لم تكن فيه الإنترنت موجودة وكان التحقق من صحة معلومة ما أمرا عسيرا للغاية.
وقد كانت تلك مجرد كذبة من بين كثيرات تمكن من نشرها، ومع قدرته الرهيبة على التلاعب بالناس والمساعدة التي تلقاها من أصدقائه في الصحافة، تمكن من نشر الكثير من القصص المزيفة والكاذبة حول حياته.
كان لـ(كارلوس كايزر) خطة تمكن من تنفيذها بدقة متناهية إلى درجة الكمال. في مسيرته الكروية التي دامت 26 سنة كاملة، لعب (كايزر) لصالح 10 نوادي مختلفة لكرة القدم دون أن يظهر في مباراة رسمية واحدة.
وعلى الرغم من أنه لم يكن ثرياً، فإنه عاش حياة مترفة، حيث كان دائما محاطا بالنساء الحسناوات والأشخاص النافذين، وكان شخصية دائمة الحضور في جميع الحفلات الخاصة والحصرية لكبار الشخصيات، وكان آنذاك يعتبر من بين أفضل لاعبي كرة القدم الذين عرفهم التاريخ.
تبقى الطريقة التي تمكن بها من البقاء في ميادين كرة القدم لمدة 26 سنة كاملة دون أن يلعب مباراة واحدة في حياته أمرًا يحير أكثر العقول ذكاءً.
على الرغم من أن حياته كلها كانت عبارة عن أكاذيب وخدع وتلاعبات، فإن قصة (كارلوس كايزر هينريكي) تبقى قصة مثيرة للاهتمام، بل حتى مثيرة للإعجاب.
في الواقع كانت قصة (كارلوس كايزر) خارجة عن المألوف ومثيرة للاهتمام لدرجة أنه تمت صناعة فيلم حولها، وهو الفيلم الذي يظهر فيه هو شخصيًا ليشرح للمشاهد كيف وصل إلى ما وصل إليه من مقام رفيع في عالم الرياضة، وكيف نال لقب أفضل لاعب كرة قدم في العالم لم يلعب مباراة قطّ.
المصدر: موقع the Guardian