العمل في مجال الفنون ليس مربحاً للغاية، ومع ذلك، لا يزال الفنانون يمارسون فنهم، ولهذا السبب بالتحديد علينا أن نحترم ونرفع القبعة لمثل هؤلاء الأشخاص المبدعين الذين يوظفون مهاراتهم لمجرد العبث مع الناس، فبعضهم يستخدمون فنهم بطريقة مرحة وغير مؤذية في معظم الأحيان. لنتعرف سوية على أبرز تلك الأعمال الفنية ”المخادعة“ إن صحّ الوصف:
1. القارب الغارق دائماً
على مر التاريخ، كانت لدى البشرية رغبة قوية في بناء القوارب، وهذا هو السبب في أننا نمتلك السفن الآن ونستخدمها في المجالات الاستكشافية والحربية. في إحدى المرات، حوّل رجل اسمه (جوليان بيرتييه) خياله الشخصي في بناء القوارب إلى نوع من أنواع التسلية والإزعاج في الوقت ذاته.
قبل كل شيء، هناك حقيقتان يجب عليك أن تعرفهما عن (جوليان). أولاً، هو فنان فرنسي وماهر في بناء الأشياء. ثانياً، يبدو أنه يستمتع بكون فنه السبب وراء إصابة الأشخاص بنوبات قلبية صغيرة أو نوبات فزع، خاصة عندما يرون هذا العمل المؤلف من قارب غارق!
قارب (بيرتييه) الغارق هو عبارة عن يخت رائع وباهظ الثمن، ولكنه بناه بطريقة يبدو مقسوماً إلى نصفين، كما قام يتزويده بعارضة ومحركين كهربائيين، لذلك عندما تراه للمرة الأولى سينتابك الخوف جراء مشاهدة قارب تفصله ثانيتان فقط عن الغرق في قاع البحر.
عرض (بيرتييه) قاربه هذا في موانئ مختلفة حول العالم، والإبحار به فقط ليرى كيف ستكون ردة فعل الناس عند رؤيتهم قاربه. قال (بيرتييه): ”لا يمتلك الناس أدنى فكرة عما يجب عليهم التفكير به عند رؤية القارب للمرة الأولى“. وأضاف: ”أحب أن أعرض عملي الفني في الخارج، لأنه من المهم بالنسبة لي أن يرى الناس عملي خلال حياتهم اليومية بدلاً من التوجه للمتاحف والمعارض“.
ولكن غالباً ما كان عمله الفني سبب بروز ردود فعل مرعبة، فمثلاً، غالباً ما يبحر رجال الشرطة وخفر السواحل لإنقاذه معتقدين أن القارب على وشك الغرق، ولكن على الرغم من إخطار (بيرتييه) السلطات المحلية بعمله الفني، إلا أن الأمور تختلط عليهم في كلّ مرة. فعلى سبيل المثال، عندما عرض (بيرتييه) قاربه في بحيرة كونستانس في ألمانيا، حذر جميع رؤساء الموانئ ورجال الإطفاء ورجال الشرطة وغيرهم وأخبرهم ما جاء لأجله، لكن على الرغم من ذلك، تحول فنه إلى هدفٍ لعملية إنقاذ تألفت من 20 فرداً، وذلك عندما قام أحدهم بطلب المساعدة عند رؤيته القارب SS Sinktastic يغرق في عرض البحر.
2. المرحاض الذي أُطلق عليه اسم «أمريكا»
عندما يقرر الفنان تسمية عمله الفني على اسم بلد ما، فمن الحكمة أن تتوقع خدعة أو مزحة من الفنان، لكن عندما يكون البلد المعني هو الولايات المتحدة، فإن المزاح في هذه الحالة سيكون مضاعفاً. بالطبع، هناك الكثير من الإهانات التي يمكن أن يحملها عمل فني واحد، فماذا عن مرحاض ذهبي يعمل بشكل جيد ولكنه يُسمى بـ«أمريكا»!
هذا المرحاض الذهبي موجود بالفعل، وهو للفنان الإيطالي (ماوريتسو كاتيلان). لا تقتصر وظيفة هذا المرحاض على مجرد وضعه في المتحف وإثارة إعجاب كل مواطن أمريكي يزور المتحف، بل إن متحف (غوغنهايم) في نيويورك قد استخدمه بطريقة مضحكة للغاية، ففي أوائل عام 2018 أراد البيت الأبيض استعارة لوحة (فان غوخ) من المتحف، لكن أمينة المتحف اعترضت على الفكرة، وأخبرت المسؤولين في البيت الأبيض أن لديها بعض الأعمال الفنية الأخرى التي تحمل اسماً مناسباً للغاية وستكون سعيدة بإعارتهم إياها.
لا يزال مرحاض أمريكا معروضاً في متحف (غوغنهايم)، حيث يتم تثبيته في حمام عشوائي لكي يتمكن زائري المتحف من رؤيته والتفاعل معه.
3. فنّانو السطوح
أين تُعرض الأعمال الفنية في العادة؟ على الجدران؟ أم في الحمام نظراً لآخر عمل فني تحدثنا عنه؟ حسناً، كلا الإجابتين صحيحتان، لكن بعض الأعمال الفنية تكون على الأرضية أو أحياناً على السطح! دعونا نطلعكم على هذا العمل الفني المرعب للفنان (نارلين بيترسون).
في عام 2012، تلقى (بيترسون) منحة من منظمة Artist Trust في واشنطن، وانتهى به الأمر باستخدامها لرسم عنكبوت ثلاثي الأبعاد بأرجل طويلة يصل طولها إلى 60 قدماً على سطح مبنى في مدينة سياتل الأمريكية، والذي يمكن رؤيته بوضوح من برج الإبرة الفضائية Space Needle القريب.
تطلّع (بيترسون)، بشكل صريح، لزرع الخوف في قلوب الناس، حيث قال: ”الشيء الوحيد الذي أتمناه وأتطلع إليه هو دموع الأطفال أو شيء من هذا القبيل، وهكذا سأعرف أنني قمت بعملي“.
أعمال (بيترسون) التي تصيب الأطفال بصدمة ليست أكثر فنون السطح المثيرة للقلق، فهناك لافتة الترحيب الشهيرة عبر الإنترنت لـ (مارك جوبين). في عام 1978، قرر (جوبين) رسم عبارة WELCOME TO CLEVELAND على سطحه بأحرف كبيرة للترحيب بالطائرات التي تهبط في مطار قريب، لوهلة الأولى ستعتقد أنها تبدو كرسالة لطيفة، باستثناء شيء واحد: وهو أن (جوبين) يعيش في مدينة ميلواكي وليس كليفلاند، حيث تقع كل من المدينتين في ولايتين مختلفتين.
هذه العبارة موجودة منذ عقود، لذلك تخيل معنا عدد السنوات وعدد المسافرين الذين ألقوا نظرة خاطفة على هذه اللافتة وأُصيبوا بالهلع عند قراءتها معتقدين أنهم قد أخطأوا في الوجهة، حيث لا تزال صور هذه العبارة تظهر على الإنترنت بين الحين والآخر.
(جوبين) هو فنان حقيقي ومحترف، ولكن هذه العبارة هي الشيء الوحيد الذي سيبقى عالقاً في أذهان الناس، وحتى عام 2015، كان (جوبين) يتلقى دعوات إلى البرامج الإخبارية الصباحية ليروي قصة هذه العبارة للمرة الألف.
4. فنان الجرافيتي الذي حول الجميع إلى مغني الراب (فيفتي سينت)
في ربيع عام 2020، كان لدى العالم العديد من الأشياء ليقلق حيالها، لكن يبدو أن لدى مغني الراب (فيفتي سينت) أمرٌ أهم من كل ما مررنا به. في ملبورن–أستراليا، بدأ فنان الجرافيتي الذي أطلق على نفسه اسم Lushsux باستلهام أعماله الفنية من (فيفتي سينت)، وأنشأ مجموعة كاملة مؤلفة من شخصيات وجهها مشابه كثيراً لوجه المغني.
رسم Lushsux لوحات جدارية ضخمة لكل من (تايلور سويفت) و(أوبرا وينفري) و(دونالد ترامب) و(مايك تايسون) و(تيكاشي Six9ine)، بحيث تبدو جميع وجوههم شبيهة بوجه المغني (فيفتي سينت). شعر مغني الراب بعد رؤيته هذه اللوحات الجدارية بمزيج من الذهول والحيرة والإحباط والغضب، حيث نشر أعمالًا مختارة من لوحات Lushsux على الإنستغرام وأرفقها بتعليقات تشيد بموهبة الفنان، وتشكك بسلامته العقلية في الوقت ذاته.
نجح هذا الفنان المجهول في إرباك أحد مشاهير الموسيقى، لكن لسوء الحظ، توقف Lushsux بشكل مفاجئ في شهر مايو بعد أن أعلن عن تعرضه لهجوم من قبل مجموعة من الرجال الذين ضربوه بشدة لدرجة أنه انتهى به الحال في المستشفى. وفي اليوم السابق من الهجوم، غرد (فيفتي سينت): ”هذا الرجل بحاجة للضرب المبرح“.
بعد حادثة الضرب هذه، سارع Lushsux إلى الإشارة إلى أن مغني الراب لم يكن وراء الحادثة، ويبدو أن الخلاف بينهما قد انتهى، وأشار Lushsux إلى أنه سيواصل العمل على مجموعته الفنية.
5. الفنانة التي خدعت غوغل وجعلته يعتقد أنها الفائزة بجائزة تيرنر
تعد جائزة «تيرنر» واحدة من أكبر الجوائز الفنية، ولكن يشترط على الفائز بها إما أن يكون بريطانياً أو أن يمارس فنه في المملكة المتحدة على الأقل، لذلك ليس من السهل الفوز بها. لكن ما فعلته هذه الفنانة لم يقم به أحد من قبل، حيث جعلت الناس يعتقدون أنها حصلت على جائزة «تيرنر» على الرغم من أنها لم تحصل عليها أبداً.
الفنانة هي (غريتشين أندرو)، وهي فنانة أمريكية تعمل في لوس أنجلوس. استطاعت في فترة قصيرة من عام 2019 خداع خوارزميات غوغل المتطورة وربطت اسمها وأعمالها الفنية بمصطلح «Turner Prize»، وبدأت برفع أعمالها الفنية بحيث تظهر في نتائج البحث الأولى عندما يبحث شخص ما في غوغل عن هذه الجائزة المرموقة.
بالطبع لا يمكن لأي شخص مبتدأ أن يفعل ما فعلته (أندرو)، فقد كانت الفنانة على إطلاع جيد بهذه الأمور لكونها عملت لدى غوغل، ولكن ومع ذلك، تطلبت خطتها هذه الكثير من الوقت وأمضت ساعات في إرسال رسائل إلى أمازون وفيسبوك وتويتر تتضمن معلومات حول فوزها بالجائزة، كما كتبت مقالات على موقع «ويكي هاو»، وأجابت على كل سؤال على موقع «كورا» حول كيفية فوزها بالجائزة، حتى أنها أنشأت موقعاً إلكترونياً باسم Not the Turner Prize والذي يتكلم عن الفائزين بجائزة «تيرنر»، ونشرت صوراً للأشخاص الفائزين وهم يحملون الجائزة. حرصت (أندرو) طوال الوقت على عدم خداع أي شخص، بل كل ما كانت تريد تحقيقه هو خداع غوغل فقط.
أوضحت (أندرو) قائلة: ”كنت أقوم ببرمجة لوحاتي عبر الإنترنت بطريقة معينة بحيث تظهر في نتائج بحث غير متوقعة، فكنت أتبع طريقة يمكن للبشر فهمها، بينما تفشل أجهزة الكمبيوتر في فهمها“.
حتى اليوم، إن قمت بالبحث عن صور الفائزين بجائزة «تيرنر» على غوغل، فستظهر لك بعضٌ من لوحاتها في نتائج البحث.
دخلك بتعرف