حول العالم

لماذا نقود السيارات على يمين الطريق؟.. ولماذا توجد بعض البلدان حيث القيادة إلى اليسار؟

يوجد اليوم أكثر من مليار سيارة ومركبة برية تستخدم بشكل دوري على الطرقات حول العالم، بمتوسط مركبة لكل سبعة أشخاص، وعلى الرغم من تنوع هذه المركبات بداية من الدراجات النارية الصغيرة للغاية ووصولاً إلى الشاحنات الكبيرة جداً، فالمشترك بينها هي كونها تخضع لقوانين السير التي عادة ما تبدأ بأمر بسيط للغاية بحيث أن معظم الأشخاص لا يفكرون به حتى: على أي جهة من الطريق يجب أن تسير؟

بالنسبة لمعظم الأشخاص قد يبدو السؤال عن اتجاه القيادة على الطرقات العامة أمراً بديهياً للغاية، ففي جميع البلدان العربية تتم القيادة على يمين الطريق كما يفعل قرابة ثلثي البشر حول العالم، وبالنسبة لمن لم يسافر لبلدان لا تتبع هذا الأسلوب قد تبدو فكر القيادة على يسار الطريق غبية للغاية وغير منطقية، وبطبيعة الحال فالعكس صحيح بالنسبة لمن ولد وعاش في بلد حيث القيادة إلى يمين الطريق لا إلى يساره.

كيف بدأ الأمر أصلاً؟

 


قبل بضعة قرون من الزمن، كان الجميع تقريباً وفي كل مكان حول العالم يسيرون إلى يسار الطرقات عادة، والسبب في ذلك بسيط إلى حد بعيد، فتلك الفترات كانت تعتمد الأنظمة الإقطاعية في أوروبا وآسيا، وكانت تتميز بالكثير من العنف والمناوشات بين الإقطاعيات المتجاورة والأمراء المتنافسين، وهذا ما يعني أن الفرسان حينها كانوا في حالة من الترقب والحذر الدائم لأي شيء قد يقابلهم على الطريق، ومع كون معظم الأشخاص يستخدمون اليد اليمنى لمعظم الأشياء، فالفرسان كانوا يفضلون السير إلى يسار الطريق بطبيعة الحال.

كان السير إلى يسار الطريق يتيح للفرسان القدرة على التصدي للخطر الذي يأتي ممن يواجههم بشكل أسرع، فكون الفارس يسير إلى اليسار فالذي يسير بالاتجاه المعاكس سيكون إلى يمين الفارس وبالتالي فالهجوم عليه أو التصدي له سيكون أسهل بكثير كون اليد اليمنى هي اليد المستخدمة عادة، ومع كون غمد السيف يوضع على الناحية اليسرى من الجسم عادة، فالسير إلى يسار الطريق يقلل احتمال اصطدام الغمد بالمارة عند الالتقاء على الطريق.

أضف إلى ذلك كون من يميلون لاستخدام أيديهم اليمنى يفضلون كون الحصان على يمينهم عند ركوبه والنزول عنه، ويبدو من الواضح أن السير إلى يسار الطريق أفضل بجميع الحالات كون الهبوط والصعود سيكون إلى حافة الطريق وليس في متصفه وسط زحام ممكن.

على أي حال فالأمر لم يستمر كذلك للأبد، وبالوصول للقرن الثامن عشر بدأت الأمور بالتغير تدريجياً.

لماذا انتقل السير إلى الناحية اليمينية؟

بالوصول إلى القرن الثامن عشر، كان الإنتاج الزراعي عموماً قد بدأ بالازدياد في الأرياف بينما تنمو المجتمعات المدنية التي تحتاج الغذاء بشكل مستمر، وبالنتيجة بدأ استخدام عربات أكبر وأكبر لنقل المواد والمنتجات الزراعية من الأرياف إلى المدن، مع كون العربات الأكثر استخداماً هي تلك التي يجرها 4 أحصنة، ولا تمتلك مقعد سائق أصلاً، حيث كان سائق العربة يركب الحصان الخلفي الأيسر بحيث يتاح له ضرب الأحصنة بالسوط بحرية لتحفيزها على مواصلة المسير.

موقع سائق العربة على يسارها قاد إلى اتباع العديد من المناطق لنظام القيادة إلى يمين الطريق، فبالنسبة لكون السائق إلى يسار المركبة فمن الأفضل أن تكون العربات القادمة بالاتجاه المعاكس إلى يساره بحيث يستطيع تجنب الاصطدام بها بشكل أفضل، والنظر بسهولة لتفقد الأضرار في حال حصل هكذا اصطدام.

على أي حال فعلى الرغم من كونه عملياً فقد بقيت معظم البلدان تلتزم بالقيادة إلى اليسار، ولو أن الأمور تغيرت كما الكثير من الأشياء بفضل الثورة الفرنسية.

قبل الثورة الفرنسية، كان العامة عادة ما يقودون إلى يمين الطريق كونهم عادة ما يقودون عربات تجرها الأحصنة ومن الأفضل أن يبقوا يمين الطريق، لكن النبلاء استمروا بالقيادة إلى اليسار مرغمين العوام على تغيير مسارهم تفادياً للتصادم مع النبلاء. بعد الثورة وجد النبلاء أنفسهم محل خطر مع زوال الملكية التي ترعى مصالحهم، لذا انتقلوا للقيادة إلى اليمين للاندماج أكثر مع العامة وعدم الظهور كنبلاء قد تلاحقهم السلطات الجديدة وتنتقم منهم.

لماذا لا تزال بعض البلدان تستخدم القيادة إلى اليسار؟

 


خلال الفترة التالية للثورة الفرنسية واستيلاء نابليون على فرنسا وتنصيب نفسه امبراطوراً كان هناك عدو أساسي له: بريطانيا، التي كانت العدو التاريخي لفرنسا منذ قرون. ومع أن الخلاف كان سياسياً بالدرجة الأولى، فالبريطانيون لم يكونوا معجبين بأي شيء جلبته الثورة الفرنسية وثبته نابليون، وبالإضافة لرفضهم للنظام المتري (لاحقاً في القرن العشرين سلموا أخيراً باستخدامه) فقد رفضوا فكرة القيادة إلى اليمين، وأصدروا تشريعات تفرض القيادة إلى اليسار حصراً.

بعد خروج نابليون من السلطة ونفيه، كانت أوروبا مقسمة بين بلدان تقود على يمين الطريق، وأخرى تقود إلى يساره: بريطانيا، الإمبراطورية النمساوية الهنغارية، والبرتغال، ومع كون الدول الأوروبية حينها كانت تمتلك مستعمرات كبرى منتشرة حول الأرض، فقد كانت المستعمرات تسير كما البلدان المستعمرة، لذا فكل من الهند (متضمنة باكستان وبنغلادش حينها) وأستراليا ونيوزلندا والمستعمرات البريطانية جنوب أفريقيا بقيت تقود إلى يسار الطريق حتى يومنا هذا.

بعض الحالات كانت معقدة نوعاً ما، فهولندا مثلاً كانت تمتلك مستعمرات في إندونيسيا ونقلت قوانين القيادة إلى اليسار إليها، وعلى الرغم من أن هولندا نفسها انتقلت للقيادة إلى يمين الطريق فالمستعمرات بقيت تقود إلى اليسار كما النظام القديم حينها. بالإضافة لذلك فالمستعمرات البريطانية في أمريكا (الولايات المتحدة وكندا) كانت ترغب بالنأي بنفسها عن الإمبراطورية من ناحية، وتأثرت بموجات الهجرات الأوروبية (بالأخص من فرنسا وألمانيا) لتنتقل للقيادة إلى اليمين بدلاً من اليسار كما بلدها الأم.

بالوصول إلى الحرب العالمية الثانية، لعبت ألمانيا النازية دوراً أساسياً في إرغام أوروبا على الانتقال للقيادة إلى اليمين، حيث سرعان ما فرضت نفوذها واحتلت شرق أوروبا بأكمله محولة البلدان الباقية للقيادة إلى اليمين جميعاً، وبحلول عام 1955 تحولت السويد للقيادة على اليمين كآخر بلد من أوروبا القارية (أي أوروبا باستثناء الجزر) يفعل ذلك. بالوصول للستينيات اقتربت بريطانيا من التخلي عن نظام القيادة إلى اليسار الخاص بها، لكن مع تكلفة مقدرة بعدة مليارات من الجنيهات الاسترلينية واضطرابات ممكنة تخلت عن الفكرة نهائياً.

حالياً لا يزال الاختلاف في اتجاه سير المركبات على الطرقات أمراً مزعجاً بالنسبة للكثيرين وبالأخص في الحدود بين الدول والأقاليم التي تستخدم أنظمة سير مختلفة (كما هو الأمر بين الصين الشعبية وكل من هونغ كونغ وماكاو حيث اتاه السير إلى اليسار)، لكن على الأرجح أن الأمر لن يتغير حقاً في أي وقت قريب، خصوصاً وأن الاختلاف هنا لا يتضمن أغلبية ساحقة وأقلية صغيرة جداً، بل أن الأقلية (السير إلى اليسار) هي أكثر من ثلث عدد البشر.

دخلك بتعرف

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى