في منتصف برلين، هناك مبنى ذو شكل غريب صممه المعماري الألماني (جيرد هينسكا) وزوجته (ماغدلينا هينسكا)، يُشتهر المبنى بأنابيب زرقاء بارزة ونوافذ مثلثة، ويشبه بمظهره هذا سفينةً فضائية أو غواصةً حربية. يعود النمط المعماري للبناء إلى أسلوب الـ Brutalism أو ما يعرف بـ العمارة الخمومية والتي ترجع جذورها إلى الخمسينيات من القرن الماضي حيث ظهرت في (بريطانيا).
تعتمد المنشآت التي تتبع هذا النمط على الكتل الخرسانية وتوصف كلّ ما تتبع إليه من أبنية بأن رؤيتها تزعج الناظر، وقد ظهر النمط بهدف خلق هياكل ومنشآت بتكلفة منخفضة، وهو عكس ما سنراه بالنسبة لـ (مويزيبونكر).
إنشاء مبنى (مويزيبونكر) واستخداماته على مرّ العقود
بدأت عمليات بناء المنشأة في عام 1971، وانتهت رسمياً في عام 1981، وقد صُمّمت كجزء من معهد الصحة وعلم الأحياء الدقيقة، بل وتتّصل به عبر نفق تحت الأرض. كان من المقرر أن تنتهي عملية البناء عام 1979، لكن تكلفة البناء خرجت عن السيطرة، إذ كانت الميزانية المقررة تقدّر بـ 4 ملايين مارك، وانتهى المطاف بأن يكلّف المبنى 126 مليون مارك ألماني.
كان استخدام المبنى مزعجاً تماماً مثل مظهره، فقد بُني كمختبر للفئران والحيوانات الأخرى من طرف جامعة برلين الحرة لإجراء تجارب علمية على الحيوانات، بينما ما تزال على قيد الحياة. كما استُخدم لتربية الحيوانات اللازمة ضمنه، ويمكن أن يتّسع المكان لـ45 ألف فأر و20 ألف جرذ و5 آلاف هامستر ومختلف القوارض الأخرى، بالإضافة إلى حيوانات متنوعة من بينها الدجاج والضفادع والأرانب والخنازير. لأسباب تتعلق بالسلامة، تقع مختبرات التجارب على الحيوانات في عمق المبنى وتجري تهويتها بأنابيب سحب هواء تشبه المدافع.
استمر الطلاب والباحثون في إجراء تجاربهم على الحيوانات الحية حتى عام 2003، إلى أن استحوذت ”شاريتيه“، وهي مدرسة طبية تابعة لجامعة هومبولت وجامعة برلين الحرة، على المنشأة وحوّلتها إلى مركز بحث وتجارب طبيّة؛ وقد وُصف المبنى ذات مرة من قبل متحف العمارة الألماني في فرانكفورت بأنه ”من بين أكثر المباني شرّاً في مرحلة حداثة ما بعد الحرب الألمانية“.
هدم مبنى (مويزيبونكر) وشن حملة لحمايته
أُغلق المبنى في عام 2010، وأصبح شاغراً منذ ذلك الحين. لم يبال أحد بالمبنى خلال فترة طويلة، وذلك نتيجة قبح مظهره، وكان من المقرر هدمه مع مبنى معهد الصحة وعلم الأحياء الدقيقة الذي يقع بالقرب منه، إذ تقدمت ”شاريتيه“ بطلب إلى مجلس الشيوخ في برلين للحصول على الحق في هدم كلا المبنيين، وخططت لبناء حرم جامعي حديث عوضاً عنهما في الموقع.
لكن حملةً كان قد شنّها سكان ومهندسون معماريون ونشطاء آخرون قبل بضعة أعوام دعت إلى الحفاظ على (مويزيبونكر)، وقد حصلت عريضتهم على آلاف التواقيع المناهضة لعملية الهدم. وبالفعل، نجحوا في إيقاف الهدم، وقيل إنه ستُجرى دراسة على المبنى لاستكشاف إمكانية وجود خيارات أخرى لإعادة الاستخدام، وقد صرّحت ”شاريتيه“ إنها ستوقف خطط الهدم مؤقتاً حتى خريف 2021.
يقول (كريستوف راوهوت)، رئيس هيئة حماية التراث في برلين: ”نبحث معًا عن حل“. وأضاف ”المبنى مميز للغاية من الناحية المعمارية. أنا مقتنع بأنه يجب علينا بذل كل ما في وسعنا للحفاظ عليه بسبب القيمة الثقافية“.
ما يزال الغرض الذي يمكن أن يخدمه (مويزيبونكر) في المستقبل غير واضح، وقد اقترح (كونيغ) و(براندلهوبر) –اللذان ساهما سابقاً في إنقاذ عدة مبانٍ من الهدم– إعادة استخدام المبنى كمركز للفنون، إذ يمكن أن يوفر مساحة استوديو يحتاجها فنانو برلين بشدّة، لكن التحدي هنا يكمن في سوء الإضاءة الطبيعية التي تدخل إلى المبنى، بالإضافة إلى احتمالية وجود مادة الأسبستوس السامة والتي كانت تستخدم بكثرة في فترة السبعينيات والثمانينيات، والتي قد تشكّل تكلفة التخلّص منها مبالغ باهظة للغاية.