لمعظم التاريخ البشري، كانت مستلزمات الخلود للنوم خالية من التكلف لأبعد الحدود، حيث كان الناس في الماضي يكدسون كومة من القش أو التبن على الأرضية، ويغطونها بجلد أحد الحيوانات، ثم يستلقون عليها ويغطون أنفسهم بعباءة أو بطانية كيلا يشعروا بالبرد.
لم يبدأ الناس بالانغماس في نوع من الرفاهية في هذا المجال إلا بحلول العصور الوسطى، حيث صاروا ينامون على مراتب محشوة بريش الطيور، أو الصوف، أو شعر الأحصنة، وذلك يعتمد على درجة الرفاهية المطلوبة، مع كون الريش الأنعم والأغلى ثمنًا من بينها كلها.
أصبح السرير في حد ذاته يحظى باهتمام معتبر أيضًا، فقد صارت الأسرّة تصنع من الخشب ويتم تزيينها بحلية وزخرفة منقوشة ومرسومة ومرصعة. وفوق السرير كانت المرتبة توضع والوسائد المغلفة بأقمشة ناعمة ومطرّزة ترتب فوقها.
بحلول القرن الرابع عشر، أصبح السرير واحدًا من أكثر الأغراض التي قد يملكها مالك المنزل قيمة. كنتيجة على ذلك، أصبحت بعض الأسرّة تصنع بشكل خاص من أجل إبهار الزائرين وإثارة إعجابهم وربما غيرتهم، وكان أفضل سرير في المنزل كله يوضع في الطابق السفلي في غرفة المعيشة حيث بإمكان الزائرين إمتاع ناظريهم برؤيته.
كانت هذه الأسرّة المزينة بالحرير والقطيفة والفرو وحتى الذهب تُخصَّص للزوار والضيوف المهمين، غير أنها لم تكن تستعمل تقريبًا على الإطلاق.
عندما توفي الروائي الإنجليزي الشهير ويليام شايكسبير ترك ”ثاني أفضل سرير عنده“ لزوجته (آن هاثواي). بينما اعتبر البعض هذه الإشارة الغريبة في وصيته إهانة لزوجته، فإن أفضل سرير في المنزل لم يكن هذا الذي أشار إليه في وصيته، بل كان بالنسبة له السرير العادي الذي تشاركه وزوجته على مر سنوات عشرتهما، وبالتالي كان يعتبر أفضل سرير بالنسبة في عيون الغرباء هو ثاني أفضل سرير بالنسبة له.
خلال القرن الرابع عشر ميلادي، ظهر لأول مرة السرير ذو الدعائم الأربعة. كان لهذه الأسرّة أربعة دعائم عمودية في كل زاوية من زواياها، وكانت هذه الدعائم تحمل فوقها لوحًا علويًا أشبه بسقف صغير، الذي يحمل بدوره الستائر التي يمكن ثنيها كما يمكن إسدالها، وذلك من أجل الإبقاء على السرير دافئًا وكذا من أجل الخصوصية ذلك أنه كان رائجا على الخدم أن يناموا في نفس الغرفة مع أسيادهم آنذاك.
ابتداء من القرن الخامس عشر، بدأت الأسرّة تصبح كبيرة الحجم بشكل غير مألوف، حيث أصبحت أبعادها تصل إلى مترين ومترين ونصف، وكان أكبرها حجما على الإطلاق هو سرير (وير) الكبير، الذي يتواجد حاليا في متحف (فيكتوريا وألبيرت) في لندن.
يعتبر هذا السرير واحدًا من أكثر قطع الأثاث أهمية في التاريخ، وهو سرير ضخم للغاية بطول 3.5 أمتار وعرض 3 أمتار يحمل أربعة دعائم عمودية، ويقال أنه كبير بما فيه الكفاية ليتسع لأربعة أزواج يستلقون فيه في آن واحد دون أن يلمس أحدهم الآخر.
صنع سرير (وير) الكبير حوالي سنة 1590، خلال فترة حكم الملكة إليزابيث الأولى، وقد تمت صناعته على الأرجح بهذه الأبعاد الكبيرة من أجل استقطاب الزوار للنزل الذي كان يتواجد فيه في مدينة (وير).
كانت (وير) تبعد عن لندن بمسيرة يوم، وكانت تمثل محطة ملائمة للمسافرين إلى جامعة (كامبريدج) أو إلى مناطق أبعد ناحية الشمال.
تم تزيين هيكل السرير الخشبي هذا بتصاميم من عصر النهضة، وبأشكال زخرفية جميلة على شاكلة أوراق الخرشوف والأسود. وتم طلاؤه في الأصل بألوان فاتحة.
إلى جانب المعلقات المعقدة عليه والمرتبة الفخمة والوسائد المطرزة، لابد أن هذا السرير قد كان له تأثير غني وغامر، خاصة تحت أضواء الشموع.
ذكر السرير لأول مرة في سنة 1596 على يد أمير ألماني مسافر نزل في فندق (وايت هارت). بعد خمسة سنوات لاحقًا، وجد السرير سبيله إلى إحدى مسرحيات شايكسبير بعنوان ”الليلة الثانية عشر“ حينما وصفت شخصية (السير توبي بيلتش) إحدى الأوراق البيضاء بأنها: ”كبيرة بما فيه الكفاية لتناسب سرير (وير) الكبير“.
تم ذكر هذا السرير الكبير منذ ذلك الحين في الكثير من الأعمال الأدبية في عدة محطات آخرها رواية (دون خوان) من تأليف (بايرون) التي نشرت سنة 1821.
لسوء الحظ، تعرض هذا السرير الأثري الكبير للكثير من أعمال التخريب على يد الزوار، الذين قد يكون معظمهم على الأرجح عشاقًا قضوا الليلة عليه وشعروا بالرغبة في نقش أسمائهم على هيكله تخليدًا لذكرى لياليهم تلك.
بقي السرير في مدينة (وير) لثلاثة قرون تقريبًا، متنقلًا خلالها من نزل لآخر قبل أن يتم نقله إلى (هودسدون) في سنة 1870، وهناك أصبح مصدر جذب للسواح والزوار خلال الحقبة التي ازدهر فيها السفر عبر القطارات.
في سنة 1931، انتقلت ملكية سرير (وير) الكبير إلى متحف (فيكتوريا وآلبرت) مقابل مبلغ 4000 جنيه استرليني، وهو المبلغ الذي كان آنذاك أربعة أضعاف ميزانية وزارة التجهيزات الإنجليزية. جعل هذا الأمر من سرير (وير) الكبير أغلى قطعة أثاث يتم اقتنائها من طرف المتحف.