اقتصاد

لدى دول الخليج احتياطات ضخمة من الغاز، لكنها قد لا “تنقذ” أوروبا من الشتاء المخيف، فما السبب؟

تواجه أوروبا الشتاء الأكثر قسوة منذ عقود طويلة بسبب أزمة الغاز الروسي والحرب في أوكرانيا، وتتطلع القارة العجوز لدول الخليج، ذات الاحتياطات الضخمة، لإنقاذها، لكن المهمة لا تبدو يسيرة، فأين يذهب غاز الخليج؟

تمثل أزمة الغاز الروسي كابوساً حقيقيا لأوروبا قبل فصل الشتاء المقبل؛ مما دفع دول الاتحاد الأوروبي إلى السعي لإيجاد بدائل لتعويض النقص الحاد في مصادر الطاقة من نفط وغاز، خصوصاً أن دول الاتحاد فقيرة للغاية في إنتاجها رغم أنها تمثل عصب الحياة فيها.

وبعيداً عن روسيا، تمثل الولايات المتحدة منتجاً رئيسياً للغاز الطبيعي، لكن واشنطن تستهلك أغلب انتاجها وتحتاج للاستيراد أحياناً، وبالتالي سعت إدارة جو بايدن لإيجاد بدائل للغاز الروسي لتوريدها إلى أوروبا، كي لا ينهار التحالف الغربي ضد موسكو في الحرب الأوكرانية.

وقبل حتى أن يبدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا أواخر فبراير/شباط الماضي، كانت أوروبا تسعى إلى إيجاد بدائل للغاز الروسي، وكانت قضية الغاز الروسي الذي يصل إلى أوروبا عبر خط أنابيب ينقل الغاز إلى ألمانيا وباقي دول القارة، تمثل نقطة خلاف كبرى بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتصاعدت حدة الخلاف مع مشروع نورد ستريم2، الذي أعلنت ألمانيا تعليقه مع بدء الحرب في أوكرانيا.

ما وضع الغاز الخليجي في هذه الأزمة؟

وعلى الرغم من امتلاك دول الخليج العربي احتياطات هامة من الغاز الطبيعي، إلا أن قدراتها التصديرية محدودة باستثناء قطر، وهو ما يمثل عائقاً أمام إنقاذ أوروبا قبيل الشتاء، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

فباستثناء قطر، تجد دول الخليج الأخرى صعوبات كبيرة في تغطية احتياجاتها المتزايدة من الغاز الطبيعي، وتلجأ غالبيتها للاستيراد، وحتى إلى إعادة تصدير الغاز المستورد (بعد تسييله) إلى أسواق أخرى، رغم أنها تنام على احتياطات هامة.​​​​​​​

وتتباين قدرات كل بلد من بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة من حيث احتياطي الغاز الطبيعي، والإنتاج والقدرة على التصدير. فقطر ليست فقط أكبر مصدر للغاز في الوطن العربي، بل تملك أيضاً ثالث أكبر احتياطي في العالم بعد كل من روسيا وإيران.

ويبلغ الاحتياطي القطري من الغاز الطبيعي 842.62 تريليون قدم مكعب، أي ما يعادل أكثر من 5 أضعاف الاحتياطي الجزائري، وأكثر من 13 ضعفاً الاحتياطي المصري. وتمكن هذه الاحتياطات الضخمة من إنتاج 177 مليار متر مكعب في 2021، وفقاً لبيانات شركة “بي بي”.

ومع انتعاش سوق الغاز الطبيعي وارتفاع أسعاره بشدة، تستعد الدوحة لزيادة حجم إنتاجها من الغاز المسال من 77 مليون طن سنوياً إلى 110 ملايين طن سنوياً بحلول عام 2026.

خطوط إمداد الغاز الروسي نحو أوروبا/ رويترز

تعتبر قطر الدولة الخليجية الوحيدة التي بإمكانها ضخ كميات أكبر من الغاز إلى أوروبا؛ حيث ارتفعت كميات الغاز المصدرة إلى أوروبا بأكثر من 65% ما بين يناير/كانون الثاني 2022 ويناير 2021. وتعتبر بريطانيا وإيطاليا أكبر زبائن قطر الأوروبيين، وصدرت لهما أكثر من 408 آلاف طن و340 ألف طن على التوالي.

لكن هذه الكميات غير كافية، فبينما يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى نحو مليار متر مكعب في اليوم، لا تتجاوز قدرات قطر 60 ألف متر مكعب في اليوم. كما أن 90% من صادرات قطر يتم تسويقها إلى كل من الهند (886 ألف طن) وباكستان (نحو 600 ألف طن) وكوريا الجنوبية (526 ألف طن) والصين (390 ألف طن).

وترتبط قطر بعقود طويلة الأجل لتصدير الغاز الطبيعي إلى عملائها الآسيويين، وهو ما يجعل تحويل الجزء الأكبر من الإنتاج القطري من الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي قبل فصل الشتاء، الذي بات على الأبواب، ليس خياراً متاحاً من الأساس.

ماذا عن الغاز السعودي والإماراتي؟

تتمثل إحدى المفارقات بين دول الخليج في امتلاك السعودية احتياطات كبيرة تبلغ 333 تريليون قدم مكعب (يشمل احتياطات المنطقة المحايدة)، وحتى الإنتاج يفوق ما تنتجه الجزائر ومصر ونيجيريا بحجم يصل إلى 117.3 مليار متر مكعب في عام 2021، ورغم ذلك لا تصدر السعودية الغاز لكنها لا تستورده أيضاً.

فالسعودية تحتل المرتبة الثانية عربياً من حيث احتياطي الغاز والثامنة عالمياً، كما أنها السادسة عالمياً من حيث الإنتاج، ومع ذلك ليست رقماً كبيراً في سوق الغاز العالمي، ولا تملك فوائض يمكنها نجدة أوروبا في الشتاء المقبل.

إذ إن السعودية تركز على الاستثمار في قطاع النفط بشكل أساسي؛ مما جعلها لا تولي أهمية كبيرة بقطاع الغاز إلا في حدود تلبية احتياجاتها الداخلية.

لكن تلك السياسة السعودية على وشك أن تتغير، مع استعداد الرياض إلى الالتحاق بنادي مصدري الغاز في آفاق 2030، بعد أن تنتهي من تطوير مشروع غاز “الجافورة”، بمنطقة الإحساء (جنوب شرق)؛ حيث يحتوي المشروع على احتياطات من الغاز الصخري تقدر بـ 200 تريليون قدم مكعبة، والذي يحتاج إلى استثمارات تصل إلى 110 مليارات دولار.

أما الإمارات فقصتها مع الغاز الطبيعي مختلفة قليلاً عن السعودية ولا تخلو من مفارقات، فاحتياطاتها من الغاز تقدر بـ272.83 تريليون قدم مكعب احتياطي، أي أنها أكبر من احتياطات الجزائر ومصر مجتمعتين.

وأنتجت الإمارات نحو 57 مليار متر مكعب في عام 2021، وفق موقع “الطاقة”، وهذه الكمية ليست بالقليلة، وتفوق إنتاج ليبيا، البلد المصدر للغاز، بأكثر من أربعة أضعاف، إلا أنها لا تغطي الاستهلاك المحلي الإماراتي.

تركز السعودية على استثمارات النفط /رويترز

واستوردت الإمارات في عام 2021، نحو 1.7 مليار متر مكعب، مقارنة بـ 1.6 مليار متر مكعب في 2020، بينما بلغت ذروة استيراد البلاد للغاز في عام 2016، عندما وصلت إلى 4.2 مليار متر مكعب.

بالمقابل، صدرت الإمارات في 2021، نحو 8.8 مليار متر مكعب من الغاز المسال، غالبيته أخذ وجهته نحو الهند واليابان. ولا يعني تصدير الإمارات للغاز المسال أنها مكتفية ذاتياً، وإنما تقوم بإعادة تسييل الغاز الطبيعي الذي تستورده وتعيد تصديره، مع العلم أن الفارق بين سعر الغاز الطبيعي والمسال يتراوح ما بين 50 و70%. وتخطط الإمارات لاستثمار 20 مليار دولار في قطاع الغاز لتتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول عام 2030.

ماذا عن باقي دول الخليج؟

سلطنة عمان لا تمتلك احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي، كما هو الحال في قطر والسعودية والإمارات، إلا أن الاحتياطات العمانية ليست صغيرة في نفس الوقت. حيث بلغت احتياطاتها 23 تريليون قدم مكعبة نهاية عام 2021، وهي أقل بقليل من احتياطات حقل السلحفاة/ أحميم، المشترك بين موريتانيا والسنغال.

كما أن إنتاج السلطنة متوسط الحجم، وبلغ 41.8 مليار متر مكعب 2020، إلا أنه لا يغطي استهلاكها من الغاز، البالغ 46.5 مليار متر مكعب في نفس العام، ما يضطرها للاستيراد، لتغطية العجز.

وعلى غرار الإمارات، لم يمنعها العجز في الغاز الطبيعي من تصدير الغاز مسالاً؛ حيث تستورد الغاز الطبيعي رخيص الثمن من قطر عبر أنبوب دولفين الذي يربط حقل الشمال القطري بكل من الإمارات وسلطنة عمان، التي تقوم بتسييل جزء منه وإعادة تصديره.

وبلغت صادرات الغاز المسال العمانية خلال الربع الأول من 2022، نحو 2.9 مليون طن، بزيادة 11.5% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.

قمة مجلس التعاون الخليجي، أرشيفية/ رويترز

أما احتياطات الكويت من الغاز فهي تعادل احتياطات مصر (63 تريليون قدم مكعبة احتياطي)، وعدد سكانها أقل من الأخيرة بأكثر من 22 مرة، ومع ذلك فإنها تلجأ إلى استيراده؛ حيث تعتمد الكويت بشكل رئيسي على النفط في إنتاج الكهرباء، وأهملت لعقود استغلال الغاز، ومع ذلك أنتجت 17.4 مليار متر مكعب في 2017.

ووفق أحدث بيانات “بي بي” البريطانية، فإن الكويت استوردت في 2021، نحو 7.7 مليار متر مكعب؛ ما يجعلها أكبر دولة خليجية من حيث كمية استيراد الغاز.

أما آخر دول الخليج العربي، أي البحرين، فتبلغ احتياطاتها المؤكدة من الغاز الطبيعي، وفق “بي بي”، 2.3 تريليون قدم مكعب حتى نهاية 2020، وبالتالي فهي أقل الدول الخليجية من حيث احتياطات الغاز. وأنتجت البلاد 17.2 مليار متر مكعب من الغاز في نفس العام.

ولا تكفي هذه الكميات استهلاك البلاد من الغاز، خاصة مع تراجع إنتاج حقولها، ما يضطرها إلى استيراد الغاز المسال.

الخلاصة هنا هي أن الدولة الخليجية الوحيدة التي بإمكانها زيادة صادراتها نحو الاتحاد الأوروبي، هي قطر، لكن معظم صادراتها موجهة إلى آسيا رغم زيادة إمداداتها إلى أوروبا.

وهذا الموقف يطرح تساؤلاً هاماً بشأن مدى قدرة أوروبا على تحمل الشتاء المقبل بدون الغاز الروسي، وهو التساؤل الذي كانت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية قد تناولته في تقرير سابق لها بعنوان: “أوروبا تخشى أن يكون الأوان فات للتخلص من إدمانها للغاز الروسي”، رصد كيف أن الهجوم على أوكرانيا قد تسبب في عرقلة جهود أوروبا البطيئة لفطام نفسها عن الغاز الطبيعي الروسي.

المصدر: عربي بوست

Nasser Khatip

محرر مقالات_سوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى