اكتشف علماء فلك نظاماً نجمياً واحداً من أصل مليار نظام فضائي يتألف من نجمين حبيسي بعضهما البعض في رقصة دائرية محكمة، مؤكدين صحة نظرية تعود إلى عقود من الزمن.
“زد تي أف جيه1813+4251” (ZTF J1813+4251) وهو نظام نجمي ثنائي يبعد حوالى 3 آلاف سنة ضوئية من الأرض في “كوكبة هرقل” أو “الجاثي” constellation Hercules ويتكون من نجم أشبه بالشمس يدور حول نجم قزم أبيض، علماً أن الأخير عبارة عن نواة كثيفة متبقية خلفها نجم محترق. النجمان متقاربان جداً أحدهما إلى الأخر، القزم الأبيض يتزود بالمواد من مرافقه النجم الشبيه بالشمس، مولداً ومضات دورية من الضوء فيما تسقط المادة على النجم المانح، نتيجة هذه العملية يشكل زوج النجوم ما يسميه علماء الفلك “نظاماً نجمياً متغيراً كارثياً” أو “متفجرة شبه مستعرة” cataclysmic variable.
ويتسم النظام النجمي “ZTF J1813+4251” بالمدار الأقرب الذي يملكه أي زوج “نجمي متغير كارثي” حتى الآن، إذ يكمل النجمان مداراً كاملاً حول بعضهما بعضاً في 51 دقيقة فقط. وهذا تماماً ما تنبأت به نظرية عمرها 30 عاماً حول النجوم الثنائية التي تدور حول بعضها بعضاً على نحو مترابط، على ما أوضح كيفين بيردج، عالم في الفيزياء الفلكية في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” في الولايات المتحدة، وباحث مشارك في الدراسة إلى جانب علماء من “جامعة هارفارد” الأميركية ومؤسسات أخرى تولوا إعداد ورقة بحثية حول “ZTF J1813+4251” نشرت، الأربعاء، في مجلة “نايتشر” Nature.
في تصريح له في هذا الشأن، قال الدكتور بيردج إننا إزاء “نظام نجمي مميز. لقد حالفنا الحظ مضاعفاً إذ عثرنا على نظام نجمي يقدم لنا الإجابة عن سؤال مفتوح كبير، ويظهر السلوك الأكثر روعة ضمن باقة ’النجوم المتغيرة الكارثية‘ المعروفة”.
من أجل العثور على “ZTF J1813+4251″، استخدم الدكتور بيردج وزملاؤه خوارزمية كي يتفحصوا قائمة تضم مليار نجم، وعثروا على مليون نجم تومض كل ساعة تقريباً. في مرحلة تالية، فتشوا بأنفسهم في المليون نجم بحثاً عن نجوم تبدو مثيرة للاهتمام، وكانت هذه حال “ZTF J1813+4251”.
وأضاف الدكتور بيردج “تبدى لي هذا النظام، إذ رأيت كسوفاً يحدث كل 51 دقيقة، وقلت في نفسي، حسناً، إنه نظام نجمي ثنائي قطعاً”.
في عمليات رصد لاحقة تولاها “تلسكوب الكناري الكبير”Gran Telescopio Canarias في جزر الكناري الإسبانية و”مرصد دبليو إم كيك”W.M. Keck Observatory في هاواي، تبين أن “ZTFJ1813+4251” يتكون من نجم قزم أبيض تبلغ كتلته حوالى نصف كتلة الشمس ويساوي حجمه واحداً على مئة من حجمها، ويدور حول نجم يشبه الشمس إنما بحجم كوكب “المشتري” وكتلته.
بالاستناد إلى عمليات المحاكاة الحاسوبية، ارتأى الباحثون أن الحجم الصغير للنجم الشبيه بالشمس مرده إلى أن القزم الأبيض كان على مدى ملايين السنين يسرق من رفيقه الطبقة الخارجية من غاز الهيدروجين، لذا فإن النجم الشبيه بالشمس تقلص الآن إلى نواته الغنية بالهيليوم الأكثر كثافة. ويسمح هذا التراجع في الحجم بوجود المدار المتقارب للنجمين الذي سيزداد ضيقاً على الأرجح خلال الـ70 مليون سنة المقبلة، ليصبح قصيراً بمقدار 18 دقيقة قبل أن يهجر النجمان أحدهما الآخر في نهاية المطاف.
ويقول الدكتور بيردج “إنها حالة نادرة، إذ رصدنا أحد هذه الأنظمة أثناء عملية التحول من الهيدروجين إلى تراكم الهيليوم” موضحاً أن التوقعات في هذا المجال تحدثت عن انتقال مثل هذه الأجرام الفضائية إلى مدارات فائقة القصر، ولكن صحتها بقيت من دون تأكيد، إلى أن “حسم هذا الاكتشاف المسألة.”
علاوة على ذلك، أضاف الدكتور بيردج أنه صار مؤكداً الآن أن التفاعلات الكثيفة بين النجمين اللذين يولدان موجات جاذبية، تتموج في نسيج الواقع الرباعي الأبعاد الذي يسمى “الزمكان”. من شأن هذه الحقيقة أن تساعد علماء الفلك في العثور على مزيد من النجوم المتغيرة الكارثية ودراستها. وأضاف “كما أن موجات الجاذبية تفسح في المجال أمامنا لدراسة الكون بطريقة جديدة تماماً”.
المصدر: “اندبندنت”