في مواجهة أزمة الطاقة التي تعصف بالدول الأوروبية، تبحث بريطانيا عن بدائل نظيفة لتوفير الكهرباء لمنازل الملايين من المواطنين.
ويعد مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا واحدا من المشاريع الضخمة والعملاقة، التي يعول عليها لتزويد المملكة المتحدة بطاقة نظيفة عبر كابلات بحرية هي الأطول في العالم، وتمتد من محطات لإنتاج الطاقات الشمسية والريحية بالمغرب من منطقة كلميم واد نون -التي تلقب بـ”بوابة الصحراء”- نحو السواحل البريطانية.
فما تفاصيل هذا المشروع؟ وما أثره على المغرب؟ وكيف تعول عليه بريطانيا لتوفير الكهرباء لمنازل مواطنيها؟
مصدر طاقة مهم
وضعت الحكومة البريطانية خطة للتخلص من كل مصادر الطاقة التي تعتمد على الكربون لإنتاج الكهرباء بنسبة 100% بحلول سنة 2035، والاعتماد بشكل كامل على الطاقات المتجددة في إنتاج الطاقة بحلول سنة 2050.
وهو ما يمنح حقل كلميم واد نون، للطاقات الريحية والشمسية في صحراء المغرب، أهمية قصوى بالنسبة للحكومة البريطانية، لما سيوفره من مصدر طاقة مهم للملايين من البيوت البريطانية، إلى جانب فرص عمل طوال مدة تشييده.
ويتم حاليا تشييد مصنع ضخم في مدينة “هانترستون” الساحلية في أسكتلندا، لاستيعاب 900 عامل ستكون مهمتهم تصنيع الحبال الكهربائية عالية التوتر -المعروفة تقنيا باسم “إتش في دي سي” (HVDC)- القادرة على نقل الطاقة القادمة من صحراء المغرب إلى منازل البريطانيين.
ومن المتوقع أن يتم ربط أطول خط كهرباء في العالم بطول 3800 كيلومتر من السواحل الجنوبية للمملكة المتحدة، وصولا إلى السواحل الجنوبية للمغرب.
وينتظر أن يوفر هذا المشروع الكهرباء لحوالي 8 ملايين منزل في بريطانيا، ويؤمن حوالي 8% من حاجياتها من الكهرباء، على أن تصل قدرته الإنتاجية إلى 10.5 غيغاوات بحلول سنة 2030.
وبالنظر لأهمية هذا الحبل الذي سيربط صحراء المغرب ببريطانيا، فقد أعلن وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، مؤخرا أن بلاده ستقتني مركبتين عسكريتين جديدتين مهمتهما حماية هذه الحبال الكهربائية من أي هجوم قد يطولها.
مشروع عالمي ونموذجي
أصبحت المملكة المغربية قبلة للاستثمارات الأجنبية والمحلية في مجال الطاقات المتجددة خاصة الشمسية والريحية، ومكنت القوانين والإصلاحات التي باشرتها من تحفيز الاستثمار على مستوى مختلف المناطق، خاصة الجنوبية المتميزة بجاذبيتها للاستثمار الوطني والدولي في مجال تطوير مشاريع الطاقات المتجددة، نظرا للإمكانات الهائلة التي تتوفر بها في هذا المجال.
وقالت رئيسة مجلس جهة كلميم واد نون، مباركة بوعيدة، إن مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا يعد أضخم مشروع سيتم تنفيذه بالجهة التي ترأسها.
وأوضحت -في حديث مع الجزيرة نت- أن هذا المشروع سيمكن من ربط أفريقيا بأوروبا، عبر ربط المغرب ببريطانيا بكابلات تحت البحر تمتد على مسافة تتجاوز 3 آلاف كيلومتر، واصفة المشروع بأنه “عالمي ونموذجي”.
على المستوى التقني، تقول بوعيدة إن المشروع بلغ مستويات متقدمة، وينتظر أن تبدأ الأشغال ميدانيا بعد التوقيع على الاتفاقيات المتعلقة به، لافتة إلى أن مجلس جهة كلميم واد نون يشجع المشروع ويدعمه ليخرج إلى الوجود في أقرب وقت.
وحسب المتحدثة، فإن هذا المشروع الذي ستتجاوز الميزانية المخصصة له 25 مليار دولار “لن يمكن فقط من الربط بين البلدين، ولكن (يمكن أيضا) من خلق أرضية للتشغيل وخلق دينامية جديدة بالجهة”.
وأضافت “نحن في الجهة نشجع على تخصيص عقار واف لمثل هذه المشاريع الكبرى، لأنها ستعود بالنفع على المنطقة من حيث التشغيل والنمو الاقتصادي، وجلب استثمارات كبرى وجديدة ومكملة”.
وحسب تقرير حول العقار العمومي المعبأ للاستثمار المرفق بموازنة 2022، فإن المشروع الاستثماري الضخم الذي تقدمت به شركة “إكس لينكس موروكو” (Xlinks Morocco) حظي بموافقة اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار، وسيتم إنجاز محطات لتوليد الطاقة الريحية والشمسية فوق أرض مساحتها الإجمالية 150 ألف هكتار، وسيسهم الاستثمار في خلق نحو ألفي فرصة عمل.
وأوضحت رئيسة الجهة أنه تم تحديد المناطق التي سيتم إنجاز هذا المشروع فيها وهي منطقة المحبس بإقليم آسا الزاك، ومنطقتا الشبيكة ولمسيد بإقليم طانطان.
عاصمة الطاقات المتجددة
وتمتاز جهة كلميم واد نون “بوابة الصحراء” بإمكانات مهمة في مجال الطاقات الشمسية والريحية، إذ أكدت رئيسة مجلس الجهة وجود إرادة سياسية قوية لأن تلعب المنطقة دورا لتكون عاصمة للطاقات المتجددة، لتحقيق طموح المغرب لإنتاج 52% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في أفق 2030.
وأضافت “تمتد بوابة الصحراء على مساحة تناهز 58 ألف كيلومتر، وتتوفر على شريط ساحلي يتجاوز 250 كيلومترا، كما أن موقعها الجغرافي وخصوصياتها الطبيعية، كونها ذات مناخ جاف وشبه جاف، يجعلها تتوفر على نسبة مرتفعة جدا من الطاقات الشمسية والريحية”.
وتابعت “إلى جانب ذلك، تتوفر الجهة على بنية تحتية مهمة مثل الطرق والمطارات والموانئ وموارد بشرية مهمة، وكفاءات في مجال الطاقات المتجددة، كل هذه العناصر تجعلها وجهة مغرية للمستثمرين في مجال الطاقات النظيفة”.
من جانبه، يقول خبير التنمية المستدامة عبد الرحيم كسيري إن المغرب اكتسب تجربة مهمة في مجال الطاقات المتجددة، وبذل مجهودا كبيرا على المستوى المؤسساتي والقانوني والتقني، مما جعله محط اهتمام عالمي.
وأضاف -في حديث مع الجزيرة نت- أن هذا التموقع يعزز من تصنيف المغرب ليكون ضمن الدول الأولى المرشحة لأن تصبح منتجة رئيسية للهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050.
وبخصوص مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا، قال كسيري إنه بالإضافة إلى الفوائد التي ستجنيها بريطانيا من خلال توفير طاقة نظيفة، فإن المغرب سيحقق عدة منافع، منها توفير 10 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وخلق عدد من الأنشطة الموازية حول هذا المشروع الذي سيدمج الساكنة المحلية في هذه الجهة التي تتوفر على مستوى تشمس عال جدا طيلة السنة.
ميزانية ضخمة لـ”بوابة الصحراء”
يشكل موضوع تمويل هذا المشروع الضخم تحديا أساسيا أمام الشركات المشاركة فيه، ولحد الآن ما زال من غير المعروف كيف سيتم توفير هذا المبلغ.
إلا أن شركة “إكس لينكس” تؤكد ثقتها بتوفير الميزانية المطلوبة، من خلال التفاوض مع صناديق التقاعد الأوروبية وكذلك بعض الصناديق السيادية الغنية، والشركات العملاقة في مجال الطاقة التي لها استثمارات في مجال الطاقات المتجددة، ويتم التعويل على هذا الثلاثي لتوفير الـ25 مليار دولار الضرورية لهذا المشروع العملاق.
كنز الريح والشمس
تبحث بريطانيا حاليا عن أي مكان يوفر لها طاقة مصدرها الشمس والرياح للاستثمار فيه، فبالإضافة إلى حقل كلميم واد نون بالمغرب، تشتغل بريطانيا على بناء أكبر حقل للطاقة الريحية في العالم، وذلك في ساحلها الشرقي، بشراكة مع النرويج.
وسيكون هذا الحقل وسط البحر، ويتم بناؤه على 4 مراحل، سيتم خلال كل مرحلة بناء محطة جديدة، وتبلغ كلفة المحطة الواحدة حوالي 5 مليارات دولار.
ويتوقع أن ينتهي بناء أول محطة بحلول سنة 2026، لتزود 6 ملايين منزل بريطاني بالكهرباء، وعند الانتهاء من المحطات الأربع فإنها ستكون قادرة على تزويد 26 مليون بيت بالكهرباء.
المصدر : الجزيرة