لقد ظهر الإنترنت بحضور ثنائي، ومزايا ملحوظة، وعيوب مزعجة؛ حيث تتمثل إحدى العيوب الرئيسية للإنترنت وأدواته في حالة اختراق البيانات الرقمية، والتي تمثل تحديًا خطيرًا في الوقت الحاضر للخصوصية الرقمية.
تقوم الهواتف الذكية والمنازل الذكية وكاميرات المراقبة وكل شيء متصل عبر الإنترنت بتسجيل البيانات باستمرار؛ هذا الجمع غير المبرر للبيانات واستغلالها لهما آثار سلبية على صحتنا العقلية بشكل عام.
تعمل شركات التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم على تعزيز دراستها للمستخدمين من البيانات التي تم الحصول عليها من أدواتهم، وتاريخ المتصفح، وعمليات البحث داخل التطبيق، وما إلى ذلك. لسوء الحظ؛ على الرغم من أن هذا قد يكون مفيدًا للبحث والدراسة، إلا أنه ليس مفيدًا بأي حال من الأحوال للأفراد الذين يمتلكون البيانات.
ويمكن أن يتسبب الشعور بأن جهازك يراقبك في الضغط والتوتر والإرهاق وجنون الارتياب واليقظة المفرطة.
كيف تتدخل شركات التكنولوجيا في خصوصيتنا؟
الإعلانات التجارية
عند تصفح تطبيق على هاتفك الذكي، يمكن أن ينبثق لك بسهولة إعلان تجاري على شاشتك. وعادةً ما تكون هذه الإعلانات عن تطبيقات أو إعلانات منتجات من “أمازون” أو “علي بابا” أو بعض مواقع التجارة الإلكترونية الأخرى أو شيء لا علاقة له بما تفعله. ومن المثير للاهتمام أن الإعلانات التي تظهر على شاشتك تكون عادةً نتيجة من نتائج البحث في التطبيقات الأخرى؛ حيث يكشف هذا أن شركات التكنولوجيا تراقب وتحلل كل نشاط على الإنترنت.
متصفحات الويب ليست موثوقة كما نعتقد؛ حيث توجد طرق أكثر تقدمًا لمراقبة البيانات الشخصية للمستخدمين. وعلى الرغم من أن أساليب تتبع البيانات واسعة النطاق، إلا أساليب تتبع البيانات الأكثر نشاطًا تشمل الهواتف الذكية والساعات الذكية وأجهزة المساعد الشخصي وأجهزة الحاسوب الشخصية. بالإضافة إلى ذلك؛ تضع محركات البحث ومواقع الويب ملفات تعريف الارتباط على الأجهزة لتجميع البيانات الشخصية واستغلالها واستخدامها لأغراض مختلفة.
تسريبات البيانات من منصات التواصل الاجتماعي
وكشفت الأبحاث التي أجرتها “سمارت إنسايتس” أنه اعتبارًا من كانون الثاني/ يناير 2022، يستخدم أكثر من 4.62 مليار شخص (58.4 بالمئة من 7.91 مليار) وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك؛ فإن منصات الوسائط الاجتماعية مثل “فيس بوك” و”واتساب” و”إنستغرام” و”تويتر” و”لينكد إن” وغيرها المملوكة لشركة “ميتا” تحصل على بيانات من ملايين المستخدمين. ويمكن أن تسبب إعدادات الخصوصية لمنصات الوسائط الاجتماعية بعض الضرر.
أحد هذه الأضرار التي تسببت في ذلك هو تسريب موقع المواعدة جنسي “آشلي ماديسون”؛ حيث أطلق متسللون مجهولون أطلق عليهم اسم “فريق التأثير” مقاطع فيديو مسربة ومعلومات أخرى تم الحصول عليها من موقع المواعدة والخيانة الزوجية والتي أكدت عدم الكشف عن هويات المستخدمين وخصوصيتهم. وفي حين يعد المستخدمون بالقدرة على حذف ملفاتهم الشخصية من النظام الأساسي مقابل 19 دولارًا، احتفظ موقع “آشلي ماديسون” بتفاصيل الدفع لمستخدميها. وقد أدت هذه الخصوصية المزيفة إلى موجة شائنة من حالات الطلاق والصدمات والعار والقتل والانتحار.
إلى جانب موقع “آشلي ماديسون”، يعتبر “فيس بوك” دليلًا آخر على جمع البيانات الخاصة غير المبررة، وهو أكبر منصة تواصل اجتماعي في العالم، فلقد أجرى “فيس بوك” و”إنستغرام” دراسة حول الصحية العقلية للفتيات المراهقات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وقد كشف تقرير أن كلا الشركتين كانتا تستغلان مخاوف المراهقين على تطبيقاتهم، وهذه ليست الفضيحة الأولى التي يواجهها “فيس بوك”؛ فقد كشفت شركة “كامبريدج أناليتيكا”، وهي شركة استشارات سياسية، عن فضيحة الاستخدام التي تم الحصول عليها من “فيس بوك” لتعزيز انتخابات دونالد ترامب الرئاسية والتسبب في فوزه.
وهذا يثير الكثير من المخاوف بشأن منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي نثق بها ونستخدمها اليوم. إذا لم يكن هناك شيء آمن على الويب، فما الذي يمكننا الاعتماد عليه؟
المساعدون الشخصيون الرقميون
وعلى الرغم من أن الوعود التي يقدمها كبار مزودي الخدمات التقنية مثل “غوغل” و”آبل” و”أمازون” قد تبدو جديرة بالثقة، إلا أنهم لا يزالون يحتفظون ببيانات مثيرة للجدل تخون وعودهم. على سبيل المثال؛ لا تزال مكبرات الصوت والتطبيقات والأدوات الإضافية مثل “سيري” و”بيكسبي” ومساعد “غوغل” و”أليسكا” تُظهر وصولهم إلى المعلومات الشخصية والبيانات الحيوية.
وانتقلت ألينا أوراتا، الباحثة في شركة التكنولوجيا، مؤخرًا إلى “تويتر” لمشاركة بياناتها التي تم تنزيلها من محادثاتها الكلامية مع المساعد “أمازون أليكسا”. ومن خلال تغريدتها؛ كان واضحًا أن المساعدة كانت تلتقط وتسجيل كل كلمة قالتها لها، وهذا رغم أن الغرض من جمع البيانات غير معروف؛ حيث يمكنك أن تشعر بسهولة بعدم الأمان عندما يكون لدى مساعدك الشخصي الرقمي الكثير من المعلومات عنك، وهذا يجعل المستخدمين في مختلف أنحاء العالم عرضة للمراقبة والدراسة والتحليلات والملاحظات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
نتائج التطفل على الخصوصية على الصحة العقلية
هناك بعض الآثار الجانبية الملحوظة للمراقبة المستمرة، خاصةً عندما يتم ذلك من خلال أجهزتك الصغيرة؛ دعونا نلقي نظرة عليها:
عدم الارتياح
طوال الوقت؛ تتعقب ملفات تعريف الارتباط كل موقع ويب تفتحه وما تفعله أثناء تصفحك للموقع. إلى جانب ذلك؛ فإن ميزة الموقع على هاتفك الذكي تراقب باستمرار الأماكن التي زرتها والمعالم. في الواقع؛ أنت لست الوحيد الذي يحصل على معلومات من موقع ويب أثناء التحقق منه لأنهم أيضًا يجمعون معلومات عنك.
إن إدراك أن كل جهاز متصل تقريبًا يحاول الحصول على بيانات من المواطنين، بمن فيهم أنت، يمكن أن يجعلك غير مرتاح.
شكوك.. مخاوف.. زيادة اليقظة.. جنون الارتياب
تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد طريقة للاسترخاء الذهني عند مراقبة كل ما تفعله؛ حيث إن الافتقار المستمر للخصوصية سيجعل المستخدم يشعر بأنه مُستَغَل ويمكن أن يسبب له ذلك الخوف والشكوك، بل ويجعله شديد اليقظة دون داع.
الإجهاد والتعب
كشف تقرير صدر سنة 2011 أن مراقبة الفرد لفترة طويلة تزيد من التوتر والإرهاق والقلق. ومن المؤكد أنك تعرف أن هواتفك الذكية تراقبك، لكن حقيقة أنها تستخدم المعلومات التي تم الحصول عليها من نشاطك لغرض تجهله يمكن أن تصبح مصدر إزعاج.
الانزعاج
عندما يعرف الناس أن أجهزتهم الذكية تراقبهم باستمرار؛ يمكن أن يجعلهم هذا عصبيين بسهولة. وقد تم تأكيد هذا من تقرير سنة 2012؛ حيث قام بعض العلماء الفنلنديين بمراقبة بعض الأشخاص في غرفة باستخدام المراقبة المحوسبة طوال الوقت، ثم أحضر الباحثون بعض شبكات الواي فاي للميكروفون وأجهزة التلفزيون وأقراص دي في دي والهواتف الذكية للأفراد الذين تمت مراقبتهم. وبعد ستة أشهر ثم بعد اثني عشر شهرًا أيضًا؛ طلب الباحثون من كل مشارك تقديم مستوى تقرير لهاتين الفترتين، وقد أبلغ أكثر من 90 في المئة من المشاركين عن شعور متزايد بالقلق والانزعاج والغضب.
ماذا يقول الخبراء عن التطفل على الخصوصية الرقمية؟
درس الطبيب النفسي الكندي بروك تشيشولم آثار المراقبة على السلوك والمزاج؛ حيث أوضح أن هناك قلقًا خفيًّا يتراكم ببطء، وعلى الرغم من أننا ندرك وجوده، إلا أننا لا ندرك وزنه علينا حتى يتركنا. وبعبارة أخرى فإن المراقبة المتكررة تستنزفنا إدراكيًا وتجبر الدماغ على الدخول في حالة القتال أو الهروب.
وكشف بحث أُجري سنة 2009 أن الأمر يتطلب الكثير من الجهد والجهد لإخفاء سلوكيات المرء ومشاعره وأفكاره. وفقًا للبحث؛ يمكن أن يؤدي ذلك إلى آثار جانبية ضارة مثل الاكتئاب والقلق والتوتر.
ما الحل؟
– قوانين خصوصية البيانات الرقمية ومنع استكشاف البيانات
توضّح قوانين خصوصية البيانات أن الجمع المفرط للمعلومات الشخصية يمكن أن يكون ضارًّا ويجب تقييده. بالإضافة إلى ذلك؛ سوف تفرض القوانين على الشركات الامتثال لقيودها. لذلك؛ ستحد الشركات من مدى البيانات التي تجمعها وتقوم إما بحذفها بعد فترة أو استخدامها بموافقة الفرد.
– حماية البصمة الرقمية
إذا كنت تبحث عن حل لاستغلال البيانات؛ فيجب عليك حذف أي بيانات لا تريد الكشف عنها. بعد ذلك، تحقق من وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بك بحثًا عن أي من معلوماتك التي ليس من المفترض أن تكون هناك. أخيرًا، تأكد من تنظيف كل المعلومات غير المرغوب فيها هناك.
بعد ذلك؛ انتقل إلى برنامج متصفح الويب الخاص بك على الكمبيوتر المحمول والتطبيق على هاتفك الذكي. قم بتنظيف جميع ملفات تعريف الارتباط وذاكرة التخزين المؤقت على البرامج. بعد ذلك؛ احذف التطبيقات والبرامج التي لا تحتاجها على هاتفك الذكي والكمبيوتر المحمول.
– خصص إعداداتك لتأمين نفسك
قد تتضمن بعض تحديثات البرامج في هاتفك الذكي أدوات وميزات تطفلية. على الرغم من أهمية تحديث بياناتك؛ لا تحتاج إلى أي ميزة من شأنها سرقة معلوماتك دون موافقتك. قم بتعطيل بعض الميزات التي قد تؤدي إلى التعقب.
– التعلّم الذاتي
شيء مهم آخر يجب ملاحظته هو أن الجهل عامل رئيسي في سبب استغلال الأفراد في جميع أنحاء العالم. لذلك؛ إذا كنت لا تريد أن تشعر بأنك مراقب باستمرار، فتعرف على خصوصية البيانات وما يجب القيام به لحماية نفسك.
المصدر: أنسبيريشن فيد