توجد في أفريقيا 60 بالمائة من أفضل مناطق العالم لإقامة مزارع الطاقة الشمسية، لكن حتى الآن توجد فيها فقط واحد بالمائة من المزارع على المستوى العالمي؛ رغم معاناتها من نقص كبير في الكهرباء! لكن هناك خطط ومشاريع طموحة.
عندما تنقطع الكهرباء في سويتو، إحدى ضواحي جوهانسبورغ، لا يحل الظلام فقط، وإنما يصبح الوضع خطيرا أيضا، “إذ يتجول البعض في المنطقة ويمكنهم الدخول إلى فناء البيت أيضا، من دون أن يستطيع المرء رؤيتهم والتعرف عليهم”، تقول نونهلانهلا مورودو (45 عاما)، والتي تسكن مع أمها وثلاثة أطفال. وتضيف “لذلك قمنا بتركيب بعض المصابيح التي تعمل بالطاقة الشمسية لإنارة محيطنا ولنكون آمنين”.
لا كهرباء من الطاقة الشمسية.. لكن هناك خطط طموحة
الطاقة الشمسية والكهرباء المستخرجة منها نظيفة ومحايدة بيئيا وتكاليفها واضحة، وفي نفس الوقت الحاجة كبيرة وماسة للطاقة الكهربائية في أفريقيا. وفي شمال وجنوب القارة السمراء الظروف والشروط مناسبة تماما لإقامة مزارع الطاقة الشمسية. وحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة “IEA” فإن 60 بالمائة من أفضل المساحات لإقامة مزارع الطاقة الشمسية في العام تقع هناك. ورغم ذلك فإن واحد بالمائة فقط من هذه المزارع تقع في أفريقيا.
لكن الوضع سيتغير قريبا، إذ أن مارك هاورد الخبير في الشركة البريطانية لاستشارات الطاقة “أفريقيا إنرجي”، يتوقع تضاعف إنتاج الكهرباء في أفريقيا من الطاقة الشمسية ثلاث مرات حتى عام 2025 مقارنة بما تنتجه الآن. وحسب معلومات الشركة فإن هناك الآن 1100 موقع نصبت فيه ألواح الطاقة الشمسية والتي تنتج حوالي 7,4 غيغاواط. وللمقارنة فقط، في ألمانيا وحدها بلغ إنتاجها للكهرباء من الطاقة الشمسية حوالي 58 غيغاواط عام 2020. وإنتاج أفريقيا ينبغي أن يصل إلى 23 غيغاواط أو أكثر عام 2024، حيث أن تخطيط وتنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية لا تستغرق وقتا طويلا. فهل تقف أفريقيا الآن على أعتاب ثورة الطاقة الشمسية؟
جنوب أفريقيا.. الطاقة الشمسية مخرج من أزمة الكهرباء!
“جنوب أفريقيا سوق مزدهرة لألواح الطاقة الشمسية، لأن الموردين التجاريين عليهم تقديم طلب للترخيص من أجل مزرعة للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميغاواط على الأقل، وهذه ستكون مزرعة ضخمة”. يقول هاورد في حوار مع DW. وهنا يتعلق الأمر على سبيل المثال بشركات من قطاع المناجم التي تحتاج لكمية كبيرة من الطاقة الكهربائية ولا تريد الاعتماد على شركة إيسكوم/ Eskom الحكومية المضطربة لتوريد الكهرباء.
فعقود من سوء الإدارة وعدم الصيانة أدت إلى عدم قدرة إيسكوم على تأمين حاجة البلاد من الكهرباء، وفصل مناطق بالتناوب عن شبكة الكهرباء لعدة ساعات، وهو ما يسمى “توزيع الأحمال” في جنوب أفريقيا. وإن نصب ألواح للطاقة الشمسية على سطح المنزل يمكن أن يساعد في الاستغناء عن موردي الكهرباء غير الموثوق بهم، حتى في الليل، “ويمكن أن تتخلص من توزيع الأحمال، حينما تنصب ألواح الطاقة الشمسية وتزودها ببطارية لتخزين الطاقة” تقول ميغان يوستون براون، مديرة منظمة أفريقيا للطاقة المستدامة غير الربحية. فهذه البطارية تخزن الطاقة الكهربائية لاستخدامها خلال فترات قطع التيار الكهربائي أو ما يسمى بتوزيع الأحمال.
ويمكن تعويض التكاليف خلال سبع سنوات، وبدون بطارية خلال خمس سنوات، يقول كيفن روبنسون العامل في قطاع ألواح الطاقة الشمسية (الكهروضوئية)، ويضيف لـ DW “مع التكاليف المنخفضة وشبكة الكهرباء غير الموثوق فيها واحتمال ارتفاع أسعار الطاقة الكهربائية، من المجدي تركيب ألواح الطاقة الشمسية على سطح المنزل”.
ازدياد التكاليف وتمويل غير مضمون!
وذلك رغم ارتفاع الأسعار في قطاع انتاج ألواح الطاقة الشمسة منذ عام 2020 واضطراب سلاسل التوريد. إذ أن جزء كبيرا من انتاج هذه الألواح يتم في الصين، التي تقوم في إطار سياسية صفر كوفيد19، بإغلاق مدن مليونية كبيرة بكاملها مع الشركات الموجودة فيها. وفي نفس الوقت فإن ارتفاع أسعار الطاقة بشكل جنوني في أوروبا نتيجة حرب أوكرانيا، تجعل مشاريع الطاقة الشمسية مغرية ومربحة على المدى الطويل. ويقول الخبير في الطاقة الشمسية، مارك هاورد، إنه متأكد أن “عصر مستلزمات الطاقة الشمسية الرخيصة جدا قد ولى من دون رجعة”.
وحين يريد مستثمر قوي اقتصاديا، مثل الشركات العاملة في قطاع المناجم، إقامة مزرعة للطاقة الشمسية، فإنها تحصل على قروض ميسرة ورخيصة نسبيا. بينما بالنسبة لكثير من شركات توريد الكهرباء الحكومية، فإن حصولها على تمويل صعب، يقول هاورد ويضيف لـ DW “صدمة التضخم العالمية أدت إلى أزمات اقتصادية. والمطالب من الحكومات الأفريقية (للحصول على قرض) كثيرة جدا”. ويتابع هاورد “لذلك يرى الكثير من الناس أن على الدول الغنية أن تقدم مساعدات أكبر بكثير، لتحديث شبكة الكهرباء”، حيث أن الكهرباء ضرورية جدا من أجل تحقيق نمو اقتصادي قوي. “وفقط 1,5 بالمائة من الاستثمارات العالمية في قطاع الطاقة موجودة في جنوب الصحراء الكبرى، فالمنطقة تعاني من نقص حاد في التمويل”، تقول ميغان يوستون براون.
الطاقة الشمسية بديل نظيف للفحم
في الماضي كان يتم في الدرجة الأولى تمويل محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم، والصين التي تعد أهم مانح للقروض قد توقفت قبل عام عن تمويل المحطات المضرة بالبيئة. لذلك فإن محطات توليد الطاقة المخطط لها بسعة 15 غيغاواط لم يتم تشغيلها وربطها بالشبكة الكهربائية، حسب الوكالة الدولية للطاقة، وقبل ذلك كانت العديد من الحكومات الأفريقية قد تراجعت عن خططها المرتبطة بالفحم، وفقط في جنوب أفريقيا وزيمبابوي تعمل آخر المحطات الجديدة لتوليد الطاقة بالفحم في القارة السمراء.
وفي جنوب أفريقيا تدرك الحكومة والسلطات المحلية أنه يجب خفض البصمة الكربونية للصادرات، تقول ميغان يوستون براون، مديرة منظمة أفريقيا للطاقة المستدامة، وتتابع “بالإضافة إلى ذلك فإن مصادر الطاقة المتجددة أرخص”.
وحول خط الاستواء حيث المياه والغيوم الكثيرة، التي تجعل إنتاج الطاقة الشمسية منخفضا، يعول الناس على الطاقة الكهرومائية أكثر، ولا تزال الصين تمنح القروض لتمويل مشاريع بناء السدود. وحتى مع الظروف غير المواتية للتمويل، فإن الطاقة الشمسية قابلة للتطور، وهذه ميزة أخرى توضح براون لـ DW. وببساطة إذا كان هناك نقص في التمويل، يمكن نصب القليل من الألواح الشمسية التي تنتج الكهرباء أيضا.
وحسب تحليلات منظمة أفريقيا للطاقة المستدامة، حتى منتصف هذا العقد ستنتج تقريبا كل دول القارة الأفريقية الكهرباء من الطاقة الشمسية. وإلى جانب جنوب أفريقيا والدول المغاربية، تخطط دول أخرى وعلى رأسها أنغولا وأثيوبيا وبوتسوانا وساحل العاج وتشاد لنمو كبير في الطاقة الشمسية.
فهل بدأت للتو ثورة الطاقة الشمسية؟ “على الأغلب لا، وإنما هناك تطور” يقول كيفن روبنسون الخبير في قطاع الطاقة الشمسية، مشيرا إلى صعوبات التمويل. لكن براون تعتقد أنه على الأقل في جنوب أفريقيا “بدأ شكل من الثورة” وتضيف “هنا تطور الوعي كثيرا فيما يتعلق بذلك (الطاقة الشمسية). لدينا فوائد كثيرة في الطاقة الشمسية. لكن وفي نفس الوقت فإن الطريق إلى قلب صناعة الطاقة لدينا رأسا على عقب، طويل ووعر”.
المصدر: DW