يسعى المغرب إلى أن يكون له دور رئيس في تطوير بطاريات السيارات الكهربائية، ضمن إطار التوجه العالمي نحو خفض انبعاثات قطاع النقل على نطاق واسع.
وأكدت وزيرة الطاقة المغربية الدكتورة ليلى بنعلي أن المملكة تهدف إلى أن تكون موردًا رئيسًا لبطاريات السيارات الكهربائية، من خلال استثمارات تصل إلى مليون دولار أميركي لتطوير التكنولوجيا المستخدمة في عملية التصنيع.
جاءت تصريحات الوزيرة المغربية في مؤتمر دولي حول بطاريات السيارات الكهربائية في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية في بن جرير، وفقًا لما نقلته منصة “موروكو وورلد نيوز” (Morocoo World News).
المغرب يسعى أن يكون موردًا لبطاريات السيارات الكهربائية
تحويل البطاريات إلى الفوسفات
يمتلك المغرب حاليًا ما يقرب من 70% من احتياطيات الفوسفات العالمية، ما يجعله في وضع جيد ليصبح لاعبًا قويًا في سلسلة التوريد الناشئة لبطاريات الليثيوم القائمة على الفوسفات، بحسب المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وسلّطت الدكتورة ليلى بنعلي الضوء على جهود المغرب لدعم “الانتقال من الكوبالت والنيكل والمغنيسيوم الشحيح وعالي التكلفة إلى بطاريات الليثيوم القائمة على الفوسفات، ذات التكلفة المنخفضة والمتاحة على نطاق واسع والأكثر كفاءة”.
وأضافت -خلال المؤتمر الدولي السنوي الـ13 لبطاريات الليثيوم المتطورة لتطبيقات السيارات-: “حلول خدمات التخزين هي الطريقة الوحيدة لدمج حصص أعلى من مصادر الطاقة المتجددة بأنظمة الطاقة في جميع أنحاء العالم بشكل فعّال”.
ويُمكن اعتبار تحويل تصنيع البطاريات إلى الفوسفات مشروعًا واعدًا في سوق السيارات الكهربائية، إذ يُعدّ استخراج عناصر أخرى -مثل الكوبالت- محفوفًا بتقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان والصراعات الجيوسياسية.
مؤتمر تطوير بطاريات السيارات
جرى تنظيم المؤتمر -الذي عُقد لأول مرة في دولة أفريقية أو عربية- بالاشتراك مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، ويحضره أكاديميون ومؤسسات حكومية ولاعبون من صناعة البطاريات والسيارات.
ويهدف المشاركون إلى تبادل خبراتهم وأحدث الأبحاث والتطورات في بطاريات الليثيوم المتقدمة لتطبيقات السيارات، بما في ذلك أنواع مختلفة من السيارات الكهربائية.
وتضمَّن المؤتمر محادثات من ممثلي المؤسسات البحثية الحكومية من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك وزارة الطاقة الأميركية.
وأكد المتحدثون بالإجماع الحاجة إلى إستراتيجية من مستويين للنهوض بصناعة الليثيوم أيون للسيارات الكهربائية، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أفضل 15 دولة في سلسلة التوريد العالمية للبطاريات:
سوق السيارات الكهربائية في المغرب
خلال البيانات الافتتاحية، ألقى رئيس جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، هشام الحبتي، الضوء على النمو السنوي الكبير بسوق السيارات الكهربائية في المغرب، مشيرًا إلى أنه “ينمو بمعدل يقارب 30%”.
وقال الحبتي، عن استضافة جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية للمؤتمر هذا العام: “لم نتمكن من اختيار وقت ومكان أفضل للتجمع من المغرب اليوم”.
وفيما يتعلق بقدرات البحث والتطوير في المغرب، أشار رئيس الجامعة إلى أن قسم علوم المواد والطاقة والهندسة النانوية بالجامعة يعمل بجدّ “لتحسين أداء بطارية الليثيوم باستخدام سحر علم المواد”.
من جانبه، أكد المسؤول في مكتب كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة الأميركي مايكل بيروب أنه يتعين على الحكومات تسخير السياسات والحوافز الضريبية لدعوة القطاع الخاص للاستثمار في تطوير بطاريات السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى دعم البحث في البطاريات الأكثر فاعلية من حيث التكلفة.
دور بطاريات السيارات الكهربائية
تُعدّ بطاريات السيارات الكهربائية في صميم النقاش المعاصر حول إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي.
في الوقت الحالي، يقف النقل وراء 22% من انبعاثات الاحتباس الحراري العالمية، ودعم بطاريات السيارات الكهربائية الفعّالة من حيث التكلفة من شأنه أن يوجه العالم في الاتجاه الصحيح لمواجهة تغير المناخ.
ويُظهر اعتماد السيارات الكهربائية نتائج ملموسة، كما أشار رئيس جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية.
ففي عام 2021 وحده، أسهمت الصناعة في خفض ما يُقدَّر بنحو 40 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- مبيعات السيارات الكهربائية حول العالم:
في سياقٍ متصل، استعادت الولايات المتحدة إنتاج الكوبالت، بعد توقّف دام نحو 30 عامًا؛ بسبب ازدهار الطلب على البطاريات التي تغذّي التحول العالمي إلى السيارات الكهربائية.
ولم يُنتَج الكوبالت في الولايات المتحدة منذ عام 1994 على الأقلّ، وفقًا لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
وبدأت شركة جيرفويس غلوبال إنشاء أول منجم للكوبالت الأميركي في ولاية أيداهو، 7 أكتوبر/تشرين الأول (2022)، وفقًا لما أعلنه الرئيس التنفيذي للشركة برايس كروكر.
كانت صناعة السيارات الكهربائية قد استهلكت 59 ألف طن من الكوبالت، خلال العام الماضي (2021)، أو 34% من إجمالي الطلب، في ظل تضاعف المبيعات.
ووصل الطلب على الكوبالت إلى 175 ألف طن في عام 2021، بزيادة بنسبة 22%؛ إذ ارتفع الطلب بمقدار 32 ألف طن العام الماضي وحده، مقارنةً بـ51 ألف طن في 5 سنوات من 2015-2020.
اقرأ : صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب تؤمّن خطط السوق الأوروبية
يومًا بعد يوم، ترسّخ صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب مكانتها لدى شركات التصنيع العالمية، لما تملكه من موارد واحتياطيات للمعادن المستخدمة وقدرات هائلة في الطاقة المتجددة.
يقول الأستاذ غير المقيم ببرنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط، المدرس بجامعة نبرة الإسبانية، مايكل تنخوم، إن سعي المغرب لبناء مصنع ضخم من طراز مصانع “غيغا فاكتوري” -التي كان لشركة “تيسلا” السبق في بنائها- يؤهّل الرباط للصدارة العالمية في مجال النقل النظيف بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأضاف تنخوم أن التطورات الهائلة التي يشهدها مجال تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب يعزز سلاسل التوريد العالمية، ويضمن للأسواق الأوروبية تنفيذ خططها نحو دور النقل النظيف ضمن الخطط المناخية، بحسب ما ورد في مقاله المنشور على الموقع الإلكتروني لمعهد الشرق الأوسط (mei.edu).
شكّل شهر يوليو/تموز الماضي نقلة نوعية جديدة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب، بإزاحة وزير الصناعة رياض مزور الستار عن قرب إتمام اتفاق إنشاء المصنع الضخم بتكلفة تقارب 2 مليار دولار، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ويهتم المصنع الضخم بإنتاج البطاريات على نطاق واسع بقدرة تصل إلى 3 غيغاواط/ساعة من خلايا بطاريات الليثيوم أيون سنويًا لكل خط إنتاج، وهو معدل كافٍ لتصنيع ما يتراوح بين 30 ألفًا و45 ألفًا من بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب، وفق حجمها وطرازها.
وبحسب رؤية مايكل تنخوم التي طرحها في مقاله، يمكن أن يدعم حجم إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب، لا سيما أن هناك خططًا حكومية لزيادة إنتاج السيارات من 700 ألف سيارة إلى مليون سيارة سنويًا، يُخطط أن تكون غالبيتها من السيارات الكهربائية.
وحال نجاح المغرب بتنفيذ خطط المصنع الضخم “غيغا فاكتوري”، فإنه يعدّ امتدادًا لتجربة المصنع التابع لشركة “تيسلا” في مدينة شنغهاي الصينية، الذي يطمح لإنتاج 500 ألف بطارية للسيارات الكهربائية سنويًا.
نهج جديد
اتّبعت الرباط نهجًا جديدًا لدعم خطط صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب، بتقريب سلاسل التوريد، وإكسابها قدرًا من المرونة، ولاقى النهج المغربي الجديد بإحداث تقارب ما بين عملية التوريد ومنشآت التصنيع قبولًا أوروبيًا، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
واستعد المغرب لتلك النقلة، خلال السنوات الـ 6 من 2014 حتى 2020، بالتزامن مع طرح مرافق للنقل جاذبة للانتباه، ومن ضمنها ميناء طنجة وخط السكك الحديدية الرابط بين طنجة والدار البيضاء الذي يُطلق عليه “قطار البراق” فائق السرعة، الأول من نوعه في أفريقيا.
ووفق مقال مايكل تنخوم الذي اطلعت عليه منصة الطاقة، أسهمت مرافق السكك الحديدية والمواني في المغرب المنشأة بموجب نهج التقارب ببناء مجموعة “بي إس إيه” -إحدى أذرع تكتل ستيلانتس لتصنيع السيارات- مصنعًا تابعًا لشركة بيجو في مدينة القنيطرة.
وأسفر هذا الزخم عن تصنيع الرباط لطرازين هما الأعلى من حيث المبيعات الأوروبية: بيجو 208، وداسيا سانديرو التابع لشركة “رينو”.
احتياطيات المعادن في المغرب
لا يخلو إنتاج بطاريات الليثيوم أيون من المعادن التي أصبحت عملة نادرة في الأسواق العالمية؛ لارتفاع أسعارها ونقص توافرها، رغم أنها عنصر رئيس لتصنيع السيارات الكهربائية.
وتستحوذ الصين على 65% من إنتاج الكوبالت، بينما تسعى إلى ضمّ موارد جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية به إلى أسطولها من المعدن الثمين.
ولتجنُّب الهيمنة الصينية على معادن تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، وأبرزها الليثيوم والكوبالت، يسعى المغرب لكسب ثقة الأسواق الأوروبية بصفة بديل يهتم بتلك السوق، ولا يرغب في خسارتها، لا سيما بعدما أعلنت غالبية دول القارة العجوز خطط التحول الكهربائي الكامل بحلول عام 2035.
الكوبالت المغربي.. سوق واعدة لتغذية سوق السيارات الكهربائية عالميًا
وجذبت احتياطيات معدن الكوبالت في شمال أفريقيا -وخاصة المغرب- انتباه مُصنّعي السيارات الكهربائية في أوروبا.
ورغم عدم ضخامة احتياطيات الكوبالت لدى الرباط، فإن شركات محلية نجحت في توقيع اتفاقيات توريد مع شركات عالمية، ضمن خطة طويلة الأمد تهدف إلى ترسيخ صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب.
وحظي الكوبالت المغربي باهتمام من شركة “بي إم دبليو” الألمانية لتصنيع السيارات، ووقّعت اتفاقًا مع شركة “ماناغيم” المغربية لتوريد ما تصل نسبته إلى 20% من الكوبالت، في صفقة كلّفت 113 مليون دولار.
وبالإضافة إلى ذلك، وقّعت الشركة المغربية ذاتها مع شركة رينو الفرنسية، مطلع يونيو/حزيران الماضي، لتوريد 5 آلاف طن من الكوبالت سنويًا على مدار 7 سنوات.
مواقع عربية