“ليلي طويل ما عندو نهاية”.. ما الحكاية “المؤثرة” للأغنية المغربية التي عمت شهرتها الآفاق وحصدت جوائز دولية وتأثر بها العالم؟
كان يونس ميكري صغيرا عندما رحل والده، وبعد سنوات من تكوّم الحزن في ذاكرته وجد نفسه ذات يوم يدندن ويغني في أزقة حي “لوداية” بالرباط:
لِيلِـي طـوِيـل مَا عَنْـدُو نِهَايَـة
وشَمْعِـي قليـل ولا ونِيسْ معايَا
هذه هي بداية حكاية أغنية “ليلي طويل” المغربية التي عمت شهرتها الآفاق وحصدت جوائز دولية وغناها فنانون من مختلف أرجاء العالم.
وفي حلقة من سلسلة “حكاية أغنية” التي تُبث في رمضان الحالي، تسرد قناة الجزيرة الوثائقية قصة “ليلي طويل” بشخوصها وأزمنتها وأمكنتها.
يتحدث في الوثائقي الفنان يونس ميكري ذاته ويروي أن ظروفه الشخصية عقب وفاة والده كانت حاضرة في معاني الأغنية، ويضيف “الحزن الذي اختمر بداخلي لفترة طويلة خرج ذلك اليوم وعبرتُ عنه بتلك القطعة”.
وليس يونس بدعا من عائلته فقد كان والده رساما وعازفا، وإخوته سبعة، وكلهم عشقوا الفن وتركوا بصمة في عالم الموسيقى والغناء.
مرابع الطفولة
تعود الكاميرا إلى البيوت الشعبية بحي لوداية رفقة يونس ميكري ليحكي عن طفولته وكيف كان يلهو مع إخوته وأصدقائه في الأزقة ويغنون “ليلي طويل” عشر مرات وأكثر في الليلة الواحدة.
وبينما كان يونس في بداية مسيرته الفنية في السبعينيات، خطر بباله أن يطلب من أستاذ الألحان محمد الزياني أن يمده بكلمات ليغنيها، فأجابه بالقبول ولكن كان عليه أن يغني له بعض إنتاجه حتى يتمكن من تقييم موهبته.
غنى يونس ميكري “ليلي طويل” فبهرت الأغنية الزياني، وفي اليوم التالي أحضرها مُلحَّنةً، وكأنه هو الآخر تلقى إلهاما بهذه الكلمات التي تناغمت بشكل تام مع الموسيقى.
إلى باريس
لاحقا شارك يونس في مسابقة تنظمها الإذاعة الوطنية ودار “بوليدور” الفرنسية للتسجيل الموسيقى، وحالفه الحظ وتوج بالجائزة وسافر إلى فرنسا لتسجيل الأغنية.
ويحكي يونس “مدير الدار جان كلود روزييه أمسك بيدي ووقّع معي عقدا لخمس سنوات. كنتُ بدويا في باريس وشعرت أن حلمي قد تحقق أخيرا.
وعندما صدرت الأغنية لم يتفاعل معها الجمهور سريعا مما سبب خيبة أمل لدى مدير دار التسجيل. لكن لاحقا سجلت رقم مبيعات قياسيا وبعنا مليون نسخة في المغرب والجزائر وتونس وحتى في فرنسا”.
لفترة طويلة بُثت أنغام ليلي طويل على الإذاعة المغربية فعشقها الناس ودفعت بيونس ميكري إلى عالم الشهرة والأضواء.
وأثناء الجولة في الحي العتيق يحكي رجل مسن عن ذكرياته مع ليلي طويل، فقد كان مع آخرين في الحمام العمومي، وعندما سمعوا الأغنية في الإذاعة هرولوا جميعا إلى بهو ارتداء الملابس ووقفوا في البرد يستمعون ليونس ميكري:
ليلِـي طـوِيـل مَا عَنْـدُو نِهَايَـة
وشَمْعِـي قلِيـل ولا ونِيس معَايـَا
ودَمْعِـي يسِيـل مِنْ شُوقِي وَهْوَايَا
وقَلْبِـي عـلِيـل فِينْ نَجْبر ادْوَايـَا
أحـْبـَابِـي غِيّـَابْ
وأنا مـعَ المُكْتَـابْ
نقَـاسِـي العذَابْ
لِيلـِي طـوِيـل..
تجاوز عمر هذه الأغنية أكثر من أربعين سنة، وما زال الشباب يرددونها مثل المطربة اللبنانية نينا عبد الملك
الأشياء الجميلة
أما الفنان التشكيلي والموسيقي محمود ميكري، فيتحدث عن عشق عائلته للفن ونجاح أخيه الأصغر يونس وكيف كان محبوبا من الجميع لأنه أوتي من كل شيء سببا، وكان يمثل عصارة مواهب إخوته الكبار.
ويقول الصحفي والأستاذ الجامعي حسن حبيبي “إن أغنية ليلي طويل كانت من الأشياء الجميلة، وجاءت في وقت كان فيه كل المغاربة إما مرتبطين بالتراث الشعبي الأصيل أو بالمطوّلات المعروفة آنذاك لمحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وأم كلثوم وغيرهم”.
لما ظهرت هذه الأغنية لم تسلم من لسان النقد وقيل إنها لا تنتمي للتراث العربي، لكنها اكتسبت زخما كبيرا وفرضت نفسها في المحافل الموسيقية.
ويروي الصحفي حبيبي أن هذه الأغنية رافقتها قصص قرصنة وسرقة ساهمت في شهرتها على المستويين الوطني والعالمي.
وعبر مقاضاة الجهات المقرصنة، كسب يونس مالا مكنه من إنشاء أستوديو جميل في العاصمة المغربية الرباط، ومواصلة الإبداع الموسيقى.
لما ظهرت هذه الأغنية لم تسلم من لسان النقد وقيل إنها لا تنتمي للتراث العربي
النجاح المستمر
والآن تجاوز عمر هذه الأغنية أكثر من أربعين سنة، وما زال الشباب يرددونها، وكلما دعي يونس ميكري لبرنامج أو محفل دولي طلب منه الجمهور أداءها مما يعني استمرار هذا النجاح.
ولئن كان ميكري رفع قضايا ضد مغنين سطوا على لحنه، فإنه أذن لآخرين في مشاركته الإبداع، مثل المطربة اللبنانية نينا عبد الملك التي تحضر في الدقائق الأخيرة من الفيلم لتغني:
ليلِـي طـوِيـل مَا عَنْـدُو نِهَايَـة
وشَمْعِـي قلِيـل ولا ونِيس معَايـَا
ودَمْعِـي يسِيـل مِنْ شُوقِي وَهْوَايَا
وقَلْبِـي عـلِيـل فِينْ نَجْبر ادْوَايـَا
أحـْبـَابِـي غِيّـَابْ
وأنا مـعَ المُكْتَـابْ
نقَـاسِـي العذَابْ
ليلـِي طـوِيـل..
حَـالِـي غـرِيـبْ مَا توَصْفُه حِكَايـَة
وْجُرْحـِي صعِيـبْ ومـَالِـيَّ دِرَايَـة
ونَجْـمِـي يغِيـبْ مَا يَصْغِـي لَشْكَايَـا
وصَمـْتـُه رهِيـبْ مَا فَادْ فِيهْ ارْجَايـَا
انْـسَانِـي فَالظَّـلَامْ
وَحْدِي فْدَرْبْ اَلغْرَامْ
اوْ ضَاعُـوا الأحـْلَامْ
ليلـِي طـوِيـل..
غَـادِي حـزِيـنْ نـَادِمْ عَـالبِدَايَـة
كُـنّا اثْـنِـيـنْ ومَا بقَاشْ احْدَايَـا
وأَحْلَـى سنِـيـنْ رَاحُـوا بلاَ غَـايَـة
والـيُـومْ فِـيـنْ مَنْ يَسْمَـعْ نِـدَايَـا
ارْمَـانِـي فَـالنّـارْ
وصَابَرْ لِيـلْ وَنْهَـارْ
علَى لهِيـبْ الَجْمَـارْ
لِيلـِي طـوِيـلْ.
المصادر : الجزيرة الوثائ