هناك مُصطلح يُدعى «سوتور دالفور»، والذي يشير إلى الأرانب التي لا تتمكن من القفز بالطريقة التقليدية التي نعرفها –أي الوثب باستخدام الطرفين الخلفيين كي يدفع الأرنب نفسه نحو الأمام– إنما تسير هذه الأرانب على طرفيها الأماميين، وترفع جسدها نحو الأعلى، وتسير كالبهلوانيين الذين يضعون أيديهم على الأرض، ويرفعون أرجلهم للأعلى.
في عام 1935، شهد طبيب بيطري فرنسي هذه الظاهرة. واليوم، استطاع الباحثون التعرّف على الطفرة الجينية التي قادت إلى سلوك الأرانب الغريب هذا. تسبب هذه الطفرة خللاً في الخلايا العصبية المسؤولة عن تنسيق الرسائل التي ترد من كافة أعضاء الجسم مع العضلات المسؤولة عن توازننا. نُشرت نتائج البحث الجديد في ورقة بحثية صدرت في 25 مارس من هذا العام ضمن صحيفة PLOS Genetics.
لا تقتصر مضامين تلك الدراسة على الأرانب، وفق ما قاله مؤلف الدراسة وعالم الوراثة في جامعة أوبسالا (ليف أندرسون) في مقابلة مع «أخبار العلوم Science News»، وأضاف أن الدراسة ”تسهم في إثراء معرفتنا الأساسية حول تلك الوظيفة بالغة الأهمية، وهي الطريقة التي نتمكن فيها من الحركة، سواء في جسد الإنسان أو باقي الحيوانات“.
إن الطريقة التي تسير بها الحيوانات أو الطريقة التي تعدو من خلالها هي عملية معقدة. تعمل كافة العضلات الموجودة في أطرافنا معاً كي تحافظ على التوازن والسرعة المطلوبين لكلّ نوعٍ من الحركات التي نؤديها. فمثلاً، نقوم نحن البشر بالمشي أو الجري أو القفز، بينما تقوم الأرانب مثلاً بالمشي من خلال خطوات صغيرة قصيرة، أو تقوم بقفزات كبيرة كي تنطلق بسرعة.
في المقابل، طريقة عدو الخيول مثلاً هي القفز، فهي تسير أو تخبب أو تعدو، بينما تُرَهوِن بعض أنواع الخيول الأخرى عندما تريد العدو بسرعة. في بحث (أندرسون) المنشور عام 2016، تم التعرّف على المورثة التي تمنح الخيول الآيسلندية مثلاً طريقة الخبب الخاصة بها.
يقول (أندرسون) في حديث له مع موقع Gizmodo: ”عندما نقوم بالحركة، تعمل الخلايا العصبية بشكل دائم، وتقوم بتنسيق تقلصات العضلات وتتلقى استجابة حول توازن أطرافنا المختلفة. بالنسبة لتلك الأرانب، فتنسيق تقلصات العضلات لا يتم بطريقة صحيحة“.
للتعرف على تلك العوامل الوراثية التي دفعت تلك الأرانب إلى السير بتلك الطريقة، أجرى الباحثون عمليات تزاوج بين أرانب (سوتور) مع أرانب بيضاء من نيوزيلاندا، وهي أرانب تقفز بشكل طبيعي مثل كافة الأرانب التي تراها في حياتك. في نهاية المطاف، وُلد نحو 40 أرنباً جميعها تسير بطريقة تمزج بين القفز العادي للأرانب والسير على الأطراف الأمامية. أجرى الباحثون مسحاً للشيفرة الوراثية في تلك الأرانب الأربعين، وبحثوا عن قسمٍ مميز وفريد من الشيفرة يجعل الأرانب تمشي على طرفيها الأماميين، وعثروا على طفرة في المورثة RORB.
يقول (أندرسون) عن هذا الاكتشاف: ”تلك هي الطفرة الوحيدة التي أدهشتنا“. إن شيفرة المورثة RORB مكتوبة في أقسام صغيرة مختلفة يتم تجميعها قبل أن تستخدمها الخلية لخلق الأداة الوظيفية، وهي بروتين RORB. أدت تلك الطفرة إلى نشوء مشكلة في عملية التجميع. إن وظيفة بروتين RORB هي مساعدة الخلايا العصبية في إنشاء طيفٍ من البروتينات الأخرى، لذا يبدو أن لهذه الطفرة تأثير متموجاً.
إن تلك الخلايا التي تعتمد على بروتين RORB مسؤولة عن إخماد نشاط الخلايا العصبية الأخرى. وبدون RORB، فتلك الميزة غير موجودة، ما يعني غياب تنظيم نشاط الخلايا العصبية. هذا ما يدفع العضلات إلى المبالغة في الاعتماد على الوثب ويخلق صعوبة في التنسيق بين تلك العضلات. حتى تتمكن الأرانب من القفز، عليها الاعتماد على طرفيها الخلفيين وتحريكهما في الوقت ذاته.
إن هذه المورثات المسؤولة عن العمليات المعقدة، كالتنسيق العضلي، متشابهة لدى أنواع الكائنات القريبة من بعضها. فالبشر لديهم مورثة RORB أيضاً، وعندما تكون تلك المورثة شاذة، فهي تسبب مرض شاركو–ماري–توث العصبي، ويُسمى بالعربية الضمور العضلي الشظوي، وهو مرض عصبي يصيب الأعصاب المحيطية التي تربط النخاع الشوكي بالعضلات، ما يؤثر سلباً على التدفق العصبي، ويظهر ذلك على شكل صعوبة في المشي واعوجاج في القدمين منذ الطفولة، وهو لا يؤثر أبداً على النمو العقلي للمصاب.
في دراسة نُشرت عام 2017 ضمن مجلة «ساينس»، لوحظ أن طفرة في مورثة RORB لدى الفئران أدت إلى سير تلك الفئران بتمايل، أو بشكل مترنح، وأشبه بطريقة سير البط.
تقول عالمة الأعصاب (ستيفاني كوتش) من «كلية لندن الجامعية»: ”أمضيت 4 سنوات أراقب تلك الفئران وهي تمشي واقفة على يديها، واليوم أرى الأرانب تقوم بالشيء نفسه. إنه أمر مدهش“.