عثرت على كنزًا ثريًا تسعى لاقتناصه.. تركيا على بُعد خطوات من النفط والغاز في القطب الشمالي
تشكّل موارد النفط والغاز في القطب الشمالي كنزًا ثريًا تسعى الدول لاقتناصه، ورغم أن هناك 8 دول تجتمع أراضيها ومياهها الإقليمية تحت لوائه؛ فإن مقدراته جذبت اهتمام تركيا التي تفصلها أسابيع قليلة عن الانضمام لمعاهدة سفالبارد.
وتسمح المعاهدة -التي يُطلق عليها أحيانًا معاهدة سبيتسبرغن- لأنقرة بالاستفادة من فرص التنقيب والأنشطة الاقتصادية المتوقعة لمنطقة بحجم ثراء القطب الشمالي، وفق مقال للباحث بمعهد “هيدسون” الإستراتيجي في أميركا، لوك كوفي، ونقله عنه الموقع الإلكتروني لقناة تي آر تي التركية الناطقة باللغة الإنجليزية (TRT World).
ويشار إلى أن المعاهدة وُقعت عام 1920 وتُقر الدول المشاركة بها بسيادة النرويج على تجمع الجزر بالقطب “الأرخبيل النرويجي”، بحسب ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
لماذا تسعى تركيا للانضمام؟
حظيت موارد النفط والغاز في القطب الشمالي وكذا الموارد الطبيعية والمعادن وغيرها من الفرص الاقتصادية بالمنطقة باهتمام دول عدة، وتوشك تركيا على أن تصبح الدولة رقم 47 ضمن قائمة الدول الموقعة على معاهدة سفالبارد.
وشهدت المعاهدة -على مدار سنوات طويلة- انضمام قوى مؤثرة في نشاط الوقود الأحفوري على الصعيد العالمي، سواء من داخل القطب مثل روسيا وأميركا وبريطانيا والصين، أو خارجه مثل السعودية وجنوب أفريقيا وأفغانستان.
ويرجع الاهتمام التركي بالانضمام إلى القطب إلى أسباب رئيسة؛ من ضمنها نمو الفرص الاقتصادية وانفتاح المجال أمام استكشافات الوقود الأحفوري والمعادن وغيرها من الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى مكانة القطب في قلب الخريطة الجيوسياسية وسعي أنقرة لمواكبة خطط التطوير للدول المستفيدة بمقدراته وإمكانات النفط والغاز في القطب الشمالي.
وسعت أنقرة منذ عام 2015 للانضمام إلى المجلس القطبي (منتدى حكومي دولي يناقش اهتمامات حكومات وقاطني القطب) غير أن الاضطرابات الجيوسياسية التي طرأت على الساحة مؤخرًا والغزو الروسي لأوكرانيا هددت انتظام عمل المجلس الذي يشمل موسكو في عضويته.
وإثر ذلك، سعت حكومة رجب طيب أردوغان إلى الانضمام لمعاهدة سفالبارد للحصول على حصة بالقطب والاستفادة من موارده.
موارد الدائرة القطبية الشمالية
تمتد أراضي القطب الشمالي ومياهه الإقليمية في 8 دول ممتدة بـ3 قارات هي: (أميركا، كندا، روسيا، أيسلندا، الدنمارك، النرويج، فنلندا، السويد).
وتبرز أهمية موارد القطب في ضمه مقدرات ثرية بالمعادن والموارد الطبيعية التي تصل إلى 13% من الاحتياطيات النفطية غير المكتشفة حتى الآن على الصعيد العالمي، بجانب ثلث الاحتياطيات العالمية للغاز الطبيعي غير المكتشفة أيضًا (30%)، وفق تقديرات استند إليها المقال.
وتفصيليًا، تقدر موارد النفط والغاز في القطب الشمالي -غير المكتشفة حتى الآن- بنحو 160 مليار برميل نفطي، وفق بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
ويشكل القطب مصدرًا لتزويد العالم بنحو 10% من احتياجات النفط و25% من الغاز الطبيعي المستخرجين من حقول برية، بحسب بيانات الصندوق العالمي للطبيعة (WWF).
واستفادت الدول الأعضاء بالمعاهدة من التغيرات المناخية التي طرأت على خطط صناعة النفط والغاز في القطب الشمالي والتي اعتبرها البعض في وقت سابق مصدر تهديد.
وبينما خشي نشطاء بيئيون من بدء تعرض أجزاء منه للذوبان، خلال أشهر الصيف، نظر إليه المهتمون بصناعة الوقود الأحفوري على أنه فرصة مثالية لفتح مسارات شحن جديدة وزيادة فرص استكشاف الموارد الطبيعية.
مجال للمنافسة
تجذب موارد القطب الأنظار؛ ولا سيما أنه يضم دولًا كبرى لها باع طويل في مجال استكشافات النفط والغاز، وتنظم المعاهدة -التي تسعى أنقرة للانضمام إليها- وصولهم للموارد الطبيعية.
وسعت موسكو لاتخاذ بعض من مناطق القطب، وتحديدًا في “بارنتسبرغ”، موقعًا لتطوير استخراج الفحم وتعدينه بما يكفي لتلبية طلب المنطقة عليه.
وفي شهر يوليو/تموز الماضي، اكتشفت شركة روسنفط الروسية كميات ضخمة من النفط ببحر بيتشورا بالقطب قُدرت حينها بما يصل إلى 582 مليون برميل ووصفته بأنه أكبر اكتشافات النفط بالجرف بعدما أجرت عمليات حفر متواصلة.
وتملك الشركة الروسية حصصًا تغطي 28 ترخيصًا بحريًا بالقطب الشمالي، 8 منها في بحر بيتشورا، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة ونشرته في وقت سابق.
واتخذت النرويج من موارد النفط والغاز في القطب الشمالي مجالًا للمنافسة ومحاولة لسحب البساط من تحت أقدام موسكو عقب غزو أوكرانيا مباشرة، وأعلنت حكومة أوسلو، في مارس/آذار الماضي، إطلاق جولة جديدة لتراخيص التنقيب ببعض المناطق؛ من ضمنها مواقع لم تُستَكشَف في القطب.
ومن جانب آخر، تُركز الصين على إجراء بحوثها العلمية في القطب، ونشرت مراكز عدة بعضها يتعلق بالاهتمامات الفلكية والجوية وبعضها يعد استخدامات عسكرية.
مخاوف مناخية
مع تصاعد حدة التغيرات المناخية وذوبان المزيد من الجليد بدأ المهتمون بالقطب الشمالي في الانقسام إلى فريقين؛ أحدهما يضم المعنيين بصناعة الوقود الأحفوري والمعادن ممن اعتبروا تلك التغيرات بمثابة خطوة إيجابية تُتيح المزيد من الاستكشافات ومرور الناقلات بممرات الشحن.
أما الفريق الآخر فقد شمل نشطاء ومنظمات البيئة والمناخ، ونظروا إلى مواصلة التنقيب عن المعادن والنفط والغاز في القطب الشمالي في ظل مواصلة ذوبان الجليد باعتباره “انتهاكًا” للحقوق يعرّض الحياة البرية للخطر.
وخلال العام الماضي (2021)، اتخذ نشطاء البيئة والمناخ في النرويج خطوة فعلية ولجأوا إلى ساحات القضاء ورفعوا دعوى قضائية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، متهمين حكومة أوسلو بانتهاك حقوق الإنسان بمنحها تراخيص تنقيب جديدة بالدائرة عام 2016.
واستندوا إلى أن مواصلة التنقيب ومنح تراخيص جديدة تزامنًا مع تصاعد حدة التغيرات المناخية يشير إلى مشاركة الدولة الواقعة شمال أوروبا في الانتهاكات وفق البندين (2 و8) من اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية.
وأكدوا أن أعمال الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في القطب الشمالي قد تعمل على تلوث الغطاء الجليدي للقطب، وزيادة قابليته للذوبان بوتيرة أسرع، بحسب ما نقلته عنهم بي بي سي (BBC).
وبينما تنظر المحكمة الأوروبية في الدعوى المرفوعة بالنرويج لوقف أعمال التنقيب عن النفط والغاز في القطب الشمالي تحبس روسيا وأميركا أنفاسهما من تداعيات الحكم المرتقب عليهما.
مواقع عربية