توصل فريق بحثي دولي مشترك إلى أن واحدا من أكثر الأنهار الجليدية لفتا لانتباه العلماء في غربي القارة القطبية الجنوبية، ويدعى نهر ثوايتس، يتآكل بمعدل غير مسبوق مقارنة بالعقود السابقة، ما يهدد المدن الساحلية حول العالم.
والأنهار الجليدية هي كتل هائلة من الثلوج التي تتحرك ببطء شديد على الأرض، تتكون في المناطق الباردة مثل القارة القطبية الجنوبية والقطب الشمالي وفي أعالي الجبال.
انهيار تاريخي
وللتوصل إلى تلك النتائج، التي نشرت في دورية “نيتشر جيو ساينس” (Nature Geoscience)، فقد أطلق الفريق البحثي مركبة روبوتية حديثة محملة بأجهزة استشعار دقيقة خلال رحلة استكشافية في صيف عام 2019. ففي الصيف، تخفف درجة الحرارة من كميات الثلوج في محيط القارة القطبية الجنوبية، وقد مكّن ذلك المركبة من الغوص لمدة 20 ساعة والتقاط صور لـ160 نتوءا جبليا بارزا في مقدمة النهر الجليدي، كانت غارقة في المحيط.
ووفق الدراسة، فإن ثوايتس خلال 200 سنة مضت، وبشكل خاص في النصف الثاني من القرن الـ20، كان ينهار بمعدل الضعف مقارنة بتاريخه السابق لتلك الفترة. وبناء على ذلك، يتوقع الباحثون رصد تغيرات كبيرة في ذوبان النهر الجليدي خلال الفترة الزمنية المقبلة، ما يشير إلى ضرورة مراقبة النهر بصورة أكثر كثافة بداية من الآن.
يلفت ثوايتس انتباه الباحثين لأنه ضخم، حيث يساوي في مساحته تقريبا ضعف شبه جزيرة سيناء (جامعة جنوب فلوريدا)
كارثة متحركة
ويلفت نهر ثوايتس انتباه الباحثين لأنه ضخم، حيث يساوي في مساحته تقريبا ضعف شبه جزيرة سيناء المصرية، بطول حوالي 700 كيلومتر، ومنذ السبعينيات من القرن الماضي كان العلماء يعرفون أن هذا النهر الجليدي بات نقطة اهتمام دقيق، حيث توقع فريق من الباحثين أن تيارات المحيط الدافئة تذيبه من الأسفل بسرعة.
ويمثل ذلك درجة واسعة من الخطورة، فوفق بيان صحفي أصدرته جامعة جنوب فلوريدا المشاركة في الدراسة، يمكن أن يرفع ذوبان هذا النهر الجليدي كاملا مستوى سطح البحر بين 1 و3 أمتار كاملة، ولهذا السبب تحديدا أطلق عليه لقب نهر “يوم القيامة الجليدي” (Doomsday Glacier).
ومع بذل جهد بحثي أكبر خلال العقدين الماضيين، تبين أن أثر الاحترار العالمي قد طال النهر الجليدي الهائل.
وفي دراسة أخرى صدرت في يونيو/حزيران الماضي بنفس الدورية، تبين أن ثوايتس يذوب بمعدلات سريعة لدرجة ستجعله يسهم بارتفاع مقداره 3.4 أمتار في ارتفاع مستوى سطح البحر بكل العالم، وذلك فقط خلال عدة قرون.
وقد وجدت تلك الدراسة أنه خلال 5 آلاف سنة مضت لم تشهد تلك المنطقة من القارة القطبية الجنوبية ذوبانا كالذي يحدث الآن، بسبب الاحترار العالمي.
المصدر: وكالات
اقرأ أيضاً: جفاف الأنهار قد يكبد الاقتصاد الأوروبي 80 مليار دولار
لم يترك التغير المناخي جزءًا في العالم إلا وطاله، وبات الآن تهدد شرايين المياه في أوروبا، بعد أن سجلت القارة العجوز درجات حرارة قياسية، تسببت في تبخر مياه أنهارها الكبيرة، كما تهدد بتبخير نحو 80 مليار دولار من اقتصاد الاتحاد الأوروبي.
نهر الراين والذي كان يعتبر أحد أهم أعمدة الاقتصاد في ألمانيا وهولندا وسويسرا لعدة قرون، أصابه الجفاف بقوة، مما يعيق حركة نقل البضاع من خلاله حاليًا، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ.
كما أن درجات الحرارة المرتفعة بالأنهار، جعلت من مياه نهري “رون” و“غارون” بفرنسا دافئة لدرجة باتت لا تسمح بتبريد مفعلات فرنسا النووية بشكل فعال، أما نهر “بو” في إيطاليا فقد شهد انخفاضًا كبيرا بمنسوب المياه فيه، فبات غير كاف لري حقول الأرز.
وأما نهر الدانوب، والذي يشق طريقه عبر مساحة 1800 ميل بين وسط أوروبا والبحر الأسود، يجف هو الآخر، مما يعيق حركة تجارة الحبوب وغيرها.
الجفاف الذي يصيب الأنهار في أوروبا يسبب اضطرابات قوية في حركة التجارة عبر الأنهار، والتي تعد عنصرًا مهمًا للنقل بين الدول الأوروبية، وهذا يحدث، بعد أربعة سنوات فقط من توقف مشابه لحركة النقل التاريخية عبر نهر الراين الشهير، لتراجع منسوب المياه فيه خلال 2018، مما يزيد الضغوط على الاتحاد الأوروبي لدعم قطاعات النقل، في وقت يواجه فيه الاتحاد العديد من التحديات بسبب أزمة أوكرانيا ونقص الغاز وغيرها.
النقل النهري بأوروبا
للانهار والقنوات المائية أهمية كبيرة للاقتصاد الأوروبي، إذ تساهم حركة النقل النهري بنحو 80 مليار دولار في اقتصاد منطقة اليورو، بحسب بيانات هيئة “يوروستات“، وهو مبلغ قد تفقده ميزانية دول الاتحاد الأوروبي إذا ما توقفت حركة النقل عبر الأنهار والقنوات المائية بالمنطقة.
وتشير التوقعات، والتي تفترض استمرار الظروف السيئة، إلى أن اقتصاد منطقة اليورو قد يفقد نحو 5 مليارات دولار بسبب الأضرار التي تمنع حركة التجارة عبر نهر الراين حاليًا، وفقًا للاقتصادي المتخصص بقطاع النقل في بنك “إيه بي إن“، جان سوارت.
وقال سوارت إن قدرة الدول الأوروبية على استخدام النقل النهري أصبحت محدودة بشكل كبير، خاصة في ظل قلة الأمطار، ما يتسبب في زيادة تكلفة بدائل النقل الأخرى بشكل كبير.
ففي يوم واحد، ارتفعت أسعار الشحن بنحو 30 بالمئة، بحسب سوارت.
ومن جهة أخرى، قد يبدو أن معاناة ألمانيا من أزمة نقص الغاز قد تتضاعف، إذ أن صعوبة النقل النهري قد تعيق حركة نقل الفحم إلى ألمانيا، ما قد يهدد خطة الحكومة الألمانية لإعادة تشغيل محطات توليد الكهرباء باستخدام الفحم.
وتقف فرنسا، وهي الدولة المصدرة للكهرباء، عاجزة عن سد النقص المحتمل للكهرباء للدول الأوروبية، فنحو نصف مفاعلاتها النووية متوقفة لأعمال الصيانة، كما أن النرويج تقلل من تصدير الكهرباء حاليا بسبب اتجاهها لتوفير استهلاك الغاز، وملء احتياطياتها منه.
كما امتدت آثار التغير المناخي على حركة المياه إلى دول أخرى، حيث وقعت العديد من الفيضانات في ولاية كنتاكي الأميركية نتيجة الأمطار القوية، كما وقعت فيضانات في البرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها.
ومن جانبه يرى العضو المنتدب لشركة“ماينتانك” الألمانية للشحن، يواكيم هيسلر، إن التوقعات تشير إلى المزيد من الانخفاض في مستويات المياه بالأنهار الأوروبية، ما يعني امتناع المزيد من القوارب وسفن الشحن عن العمل.
ومن جهة أخرى، ونتيجة لموجة الجفاف الأسوأ على الإطلاق، فقد فرضت فرنسا قيودًا على استخدام المياه حول البلاد، كما باتت نحو 100 بلدية تعتمد على مياه الشرب التي يتم نقلها بالشاحنات.
وأما إيطاليا، فإنها تواجه موجة حر قوية، أدت لتراجع منسوب المياه في النهر لأدنى مستوى في نحو 70 عامًا.
وتأتي المفارقة، أن أوروبا كانت تنوي الاعتماد بشكل كبير على الممرات المائية كجزء من جهودها لمكافحة التغير المناخي وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، إذ كانت تستهدف المفوضية الأوروبية زيادة النقل عبر الممرات المائية بنحو 25 بالمئة بحلول 2030.
وتسعى ألمانيا بجهد قوي لاتخاذ التدابير اللازمة لإبقاء نهر الراين مفتوحًا أمام حركة النقل، من خلال القيام باعمل التجريب، وإطلاق المياه من الخزانات لتعويض نقص المياه النابع من الجبال الجليدية.
المصدر: وكالات