لجأ لفتاواها الصحابة وعارضت اثنين من الخلفاء.. ماذا تعرف عن السيدة عائشة أم المؤمنين؟

يتحدث عبد القدوس الهاشمي في موقع “الجزيرة نت” في مقال طويل عن شخصية أم المؤمنين عاشئة بنت أبي بكر وزوجة النبي محمد، وتناول نشاتها الفريدة وتكوينها الأدبي ومؤهلاتها الفطرية واستثمارها لمواهبها ولأفقها الواسع، ويتحدث عن عفويتها اللافتة وامتلاكها لملكات علمية مميزة، وقدرتها على النقد والتعقيب والتصحيح ونشاطها العام في مختلف المجالات.

يقول الكاتب، بعد وفاة خديجة رضي الله عنها ألح على النبي الكريم سؤال الزواج مجددا، فقد تركت له عيالا يحتاجون إلى رعاية، فوقع اختياره على سوْدة بنت زَمْعة رضي الله عنها، وكانت امرأة ثيّبا تحسن تدبير البيت والعناية بالأبناء، وكانت مع ذلك امرأة حلوة الفكاهة.

نشأت عائشة رضي الله عنها في بيت خُلْوٍ من الجاهلية، تعمّه المودة والرحمة والحماسة للدين الجديد، فقد تزوج أبوها أبو بكر التيْمي القرشي أمَّها أم رُومَان الكِنانيّة التي جاءت إلى مكة من ديار قومها في السَّراة مع زوجها عبد الله بن الحارث، الذي حالف أبا بكر ثم لم يلبث أن توفيَ عنها، فبادر حليفه رجل قريشٍ النبيل إلى الزواج من هذه السيدة الغريبة التي لم يعد في مكة لها نصير، وعاملها بمقتضى المروءة والعطف فأسلمت وحسن إسلامها، وكانت عائشة ثمرة هذه الأسرة الطيبة.

يقول الكاتب، تولى أبوها تعليمها، إذ لم يكن منشغلا بما انشغل به أبناء الأسر القريشية الكبرى من بني هاشم وبني أمية وبني مخزوم، فتفرّغ لتجارته وإصلاح أهل بيته. فأخذت عنه عائشة علوم قومها من فصاحة وشعر، ومعرفة بأيام العرب، وعلم بالأنساب وكان أبو بكر.

وبلغت في كل تلك الفنون الغاية، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله كثيرا ما يقول لي: يا عائشة! ما فعلت أبياتك؟ فأقول: وأيّ أبياتي تريد يا رسول الله، فإنها كثيرة”.

وبحسب الكاتب عبدالقدوس، امتلكت عائشة استعدادين اثنين جعلاها وعاءً للعلم النبوي، أما الأول فاستعداد فطريّ لسرعة الحفظ وحسن الفهم وجودة التعبير عن نفسها؛ فليس من المبالغة وصفها بأنها كانت تملك ذاكرة صمغيّة يلصق بها كل شيء، ولذا كانت تحفظ الحديث لأول مرة كما حصل في حكايتها لموقعة الجمل سنة 36هـ/657م، وروايتها للأشعار التي كان يرتجز بها بنو ضبّة الذين كانوا يحمون هودجها والموت يطوف بها.

أما الاستعداد الثاني فهو قدرتها على توجيه وتطويع طباعها الشخصية من غيرة وحدّة وجرأة من أجل القيام برسالتها. فقد كانت عائشة من أشد النساء غيرة، وهذا أمر مفهوم لكونها وحيدة أمها المدللة، إذ لم تشركها فتاة أخرى في عائلتها وجاءت بين صبييْن. ولما صارت عند النبي كانت هي المقدَّمة دائمًا. فمفهوم المنافسة مفهوم واردٌ عليها لم تعالجه في بداياتها، ومن ثمَّ كانت شديدة الغيرة.

يرى عبدالقدوس، أن الغيرة التي كانت لا تدانيها غيرة في نفس عائشة هي غيرتها من خديجة عليها السلام، رغم أنها لم تدرك حياتها؛ ويلخص ذلك هذا الحديث الذي أخبرت به عائشة ذات يوم فقالت حسب رواية الإمامين أحمد والطبراني (ت 360هـ/971م): “كان رسول الله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيُحسن الثناء عليها؛ فذكرها يوما من الأيام فأخذتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزاً أبْدَلَكَ اللهُ خيرًا منها”، وقصدتْ بذلك البديل نفسها.

كانت عائشة تعرف أنها لن تغلب على قلب النبي وتنافس خديجة بالشعور العاطفيّ الصِّرف، لمعرفتها أن تعلقه عليه السلام بخديجة تعلقُ محبةٍ وإعجاب، ومن ثمَّ صارت تسعى لتحصيل المناقب المستوجبة للإعجاب، فأقبلت على التعلّم والتزوّد من نبع النبوّة، حتى تشعر زوجها عليه السلام بأنه مع تقدّم خديجة عليها في توفير العون والرعاية للنبي في تأدية الرسالة، فإنها قادرة على لحاقها بحفظ رسالته من بعده وإيصال تعاليمها إلى الناس.

يقول عبدالقدوس، ينبغي أن نشير إلى معنى فريد فيها وهو استقامتها الإنسانية، ونعني بذلك حسن إدارتها لشعورها وعاطفتها تجاه الآخرين، ومعرفة أين ينبغي أن تتوقف العاطفة ويبدأ العقل.

ولا أوضح دليلا على ذلك من علاقتها بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي كان في نفسها منه شيء، بسبب موقفه منها حين استشاره النبي في حادثة الإفك سنة 5هـ/627م فأشار عليه بطلاقها، فصارت بعد ذلك لا تحبّذ ذكر اسمه صراحة.

من المعاني التي نجدها في سيرة هذه المثقفة الموسوعية والعالمة الجليلة بُعدُها عن التصنع في السَّمت الذي ظهر لاحقا في الأوساط العلمية الإسلامية، من تكلّفٍ لاصطناع شخصية رصينة للعالِم أو العالمة تخالف ما طُبع عليه من طبائع بشريّة.

ولذا كانت عائشة وهي التي يفزع إليها الصحابة لمعرفة أمور دينهم لا تتحرج من أن تتحدث عن طبيعة المرأة فيها؛ فتقول فيما رواه الذهبي في السير: “أتاني رسول الله في غير يومي يطلب مني ضَجْعاً، فدقّ فسمعتُ الدق، ثم خرجتُ ففتحتُ له، فقال: ما كنت تسمعين الدق؟ قلت: بلى، ولكنني أحببت أن يعلم النساء أنك أتيتني في غير يومي”

ولننظر الآن في ملامح شخصيتها العلميّة وقدرتها الاجتهاديّة في فهم نصوص الشرعية، والأنماط الفقهيّة التي تميّزت بها في صناعة الفتوى. قال ابن القيِّم في إعلام الموقعين مبينا مكانتها بين كبار المفتين من الصحابة: والذين حُفِظت عنهم الفتوى من الصحابة مئة ونيِّف وثلاثون نفْسًا ما بين رجل وامرأة.

كانت عائشة رضي عنها بعد وفاة النبي بمثابة مستشارة عُليا لشؤون الفتوى في مجتمع المدينة، وخاصة منها ما يتعلق بالمسائل الزوجية؛ فقد رجع إليها الصحابة غير مرة في هذه المسائل، ومن ذلك ما ذكره أصحاب السنن من أن الصحابة اختلفوا وهم بحضرة عمر بن الخطاب في مسألة ما يوجب الغُسل على الزوجين، فقال عمر قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار، فكيف بالناس بعدكم، فاقترح عليه عليٌ أن يبعث لأزواج النبي ليسألهن عن ذلك، فأرسل إلى عائشة فقالت: “إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وجب الغُسل.

Exit mobile version