مملكة “داهومي”.. المملكة الوحيدة على وجه الأرض جميع أفراد جيشها من النساء
في الغرب من جمهورية نيجيريا تقع جمهورية بنين، وهي دولة صغيرة بالحجم لكنها احتضنت واحدة من أقوى ممالك إفريقيا في التاريخ المعاصر؛ ازدهرت مملكة “داهومي” في ظل جيش نسائي من القرن السابع عشر وحتى مطلع القرن التاسع عشر. وقد كانت براعة وشراسة تلك المحاربات مصدر إلهام لفيلم “المرأة الملك”.
يُظهر الإعلام شعوب إفريقيا بصورة همجية منعدمة التحضر حتى وصول المستكشفين الأوروبيين في القرن الخامس عشر، لكن الحقيقة أن إفريقيا احتضنت العديد من الممالك العريقة التي اتسمت بالتحضر والتقدم، مثل، مملكة “أكسوم”، ومملكة “النوبة” في شمال شرق إفريقيا، وإمبراطورية “أشانتي” ومملكة “زيمبابوي”. كان نظام داهومي يخضع لحكم ملكي.
يحظى فيه الملك بالقداسة ويتمتع بسلطة مطلقة في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية مدعومًا بمجلس استشاري معين من عموم الشعب. كان انخراط المملكة في تجارة العبيد العابرة للمحيط سببًا في توسع نطاق نفوذها وهيمنتها على الممالك المجاورة، فقد حاربت داهومي جيرانها للسيطرة على أراضٍ زراعية خصبة وتوسيع تجارتها في زيت النخيل. تسببت المعارك المستمرة بخسارة الكثير من رجال المملكة، ما هيأ الساحة لظهور محاربات المملكة وحارساتها المخلصات.
أصول محاربات داهومي
تقول إحدى الروايات حول أصول محاربات داهومي بأنهن كن صائدات للفِيَلة، واشتهرن باسم “غبيتو” بلغة “الفون”، وقد خدمن تحت إمرة الملك الثالث للمملكة، الملك “هويغبادجا”، الذي حكم ما بين 1645 و1685. وعندما انخفضت أعداد الفيلة وأوشكت على الاختفاء من المنطقة في منتصف القرن التاسع عشر تم إدراجهن في الجيش النسائي رسميًا.
لكن الراوية الأكثر شعبية وتداولًا لنهوض جيش محاربات داهومي تقول أن الملكة “هانغبي”، ابنة الملك هويغبادجا، اعتلت العرش بعد الموت المفاجئ لأخيها التوأم “أكابا” مطلع القرن الثامن عشر، وكوّنت فرقة خاصة من النساء المحاربات لحراستها. كانت هذه إشادة كبيرة بالحضور النسائي الفذ في أوساط الممالك الإفريقية القديمة حيث سادت هيمنة الرجال غالبًا.
في كتاب “قارة الأمهات، قارة الأمل” تقول الكاتبة “توريلد سكارد” عن محاربات داهومي: لقد كن معروفات بالبراعة والضراوة في القتال، وكانت الفرقة الأكثر رعبًا مسلحة بالبنادق، بينما برعت أخريات برمي السهام والصيد والتجسس أيضًا. لقد تدربن ومارسن التمارين على الدوام للمحافظة على لياقتهن البدنية والذهنية في أعلى مستوى من الجاهزية.
ومن أغنياتهن [أيها الرجال، ابقوا هنا! احصدوا الذرة وازرعوا النخيل.. نحن سنخوض المعركة]”. في أوقات السلم كانت المحاربات يحرسن القصور الملكية في “أبومين” ويزرعن الفواكه والخضراوات، وأحيانًا كن يخرجن في غارات لصيد الأسرى وبيعهم ضمن تجارة العبيد.
الحقيقة من وراء الأساطير
من المثير تخيل المحاربات في أزياء نظامية مبهرجة كما تصور لنا الأفلام السينمائية، لكن الواقع أن محاربات داهومي ارتدين قمصانًا قماشية وسراويل حتى الركبة مع قبعة، زي لا يتميز بشيء عن أزياء الرجال إلى درجة أن من يحاربهم لم يدرك أنه في مواجهة نساء حتى أصبحوا وجهًا لوجه. الأكيد أن فيلق المحاربات تمتع بقوة لا يستهان بها جعلت مملكة داهومي مصدر قلق وخوف من المواجهة حتى بالنسبة للمستعمر الأوروبي.
في عام 1889، ارتقى ملك جديد العرش وكانت نهاية هيمنة داهومي على يديه. نصب الملك “بيهانزين” العداء مع الفرنسيين، ورفض التدخل الأوروبي على أراضيه، فأمر بالإغارة على المستوطنات الفرنسية وأسر العبيد، وهذا ما قاد إلى الحرب الفرنسية الداهومية الثانية التي استمرت ما بين الأعوام 1892 إلى 1894، وسطرت أحداثها نهاية أسطورة محاربات داهومي وهيمنة المملكة.
إرث النساء المحاربات
لا شك أن النساء كان لهن عظيم الأثر في مختلف الحضارات الإفريقية على مر العصور، لكن التوثيق المكتوب للتاريخ لم يكن دارجًا حتى وصول الأوربيين إلى القارة السمراء. يأمل المؤرخون أن يفتح فيلم “المرأة الملك” الأعين على قوة النساء ودورهن البارز في الأمم الإفريقية الأولى. تقول المؤرخة “باميلا تولر”: “لقد أثبتت محاربات داهومي أن النساء أقوى مما يظن المجتمع، ومما تظن النساء أنفسهن أيضًا”.