في عام 1920 من القرن الماضي، وأثناء تحليقهم فوق صحاري مصر والأردن، شاهد طيارون من سلاح الجو الملكي خطوطاً بأشكالٍ غريبة على الأرض، أطلقوا عليها اسم «المصائد الصحراوية» أو «طائرات الصحراء الورقية» وذلك لأن أشكالها التي بدت لهم من السماء ذكرتهم بالطائرات الورقية.
كانت تلك المرة الأولى التي يشاهد فيها أولئك الرجال هذه الأشكال الغامضة، ذلك على الرغم من أن البدو المحليين قد عرفوها منذ آلاف السنين وأطلقوا عليها اسم «أعمال الرجال الأقدمين». اكتُشفت الآلاف من «طائرات الصحراء الورقية» حتى الآن، موزعة في المنطقة العربية وشبه جزيرة سيناء وصولاً إلى أقصى الشمال حتى جنوب شرق تركيا.
تتألف «طائرات الصحراء الورقية» من جدارين منخفضين من الحجارة الجافة بسماكة وارتفاع متفاوتين، يبدآن متباعدين فيما بينهما ويقتربان تدريجياً من بعضهما البعض مُشكلان حرف V أو ما يشبه المخروط، تنتهي الفتحة الضيقة في آخر المخروط إلى قفص دائري أوما يشبه الحفرة.
يتراوح قطر هذه الجدران ما بين بضعة أمتار إلى مئة أمتار، وقد تمتد لمئات الأمتار وحتى عدة كيلومترات. توحي تلك الأشكال والأدلة الأثرية بأنّ هذه الهياكل الحجرية الواسعة قد تكون بمثابة مصائد مُصممة لأسر واصطياد عدد كبير من الحيوانات البرية المتوحشة.
لطالما اشتبه علماء الآثار في أن هذه الهياكل الغامضة مخروطية الشكل قد استُخدمت في صيد الطرائد ولاسيما الغزلان. ولكن حتى عام 2011، لم تُسفر دراسة هذه الهياكل عن وجود دليل أثري لحيوانات قُتلت.
وفي نفس العام، اكتشف فريق من علماء الآثار من إسرائيل والولايات المتحدة توضعات ملحوظة لعظام غزال فارسي تعود هذه التوضعات الى الألفية الرابعة قبل الميلاد في موقع في شمال شرق سوريا والتي تدل بشكل مباشر على استخدام «الطائرات الورقية» في صيد الغزلان ما بعد العصر الحجري الحديث.
بُنيت معظم «طائرات الصحراء الورقية» ما بين عام 4000 قبل الميلاد إلى عام 2000 قبل الميلاد، ولكن يمكن أن يعود تاريخ بعض هذه الهياكل إلى عام 8000 قبل الميلاد.
شُيدت معظم «طائرات الصحراء الورقية» في المناطق التي سهّلت فيها الطبيعة عمليات الصيد، إذ توجب أن تكون الأرض منبسطة بين الأودية والأخاديد الضيقة المحفورة بعمق.
استخدمت بعض «الطائرات الورقية» حفراً يتراوح عمقها بين 6 و15 مترًا بدلاً من الأسوار، وشُيّد منحدر يتجه صعوداً بلطف لزيادة حدة السقوط في نهاية الانحدار. منَع هذا المنحدر الصاعد الحيوانات من اكتساب السرعة الكافية للقفز خارج الحفرة أو من فوق السياج، كما بُنيت بعض الجدران الحجرية على شكل خلايا صغيرة بحيث لا تتمكن الحيوانات الخروج منها.
تقوم مجموعة من الصيادين بتجميع ومطاردة قطيع من الطرائد الضخمة ضمن النهاية الواسعة من المصيدة ومن ثم تقودها وصولاً للنهاية الضيقة، هناك تكون هذه الحيوانات عالقة في الحفرة أو في القفص الحجري لتُذبح جميعها بكل سهولة.
لا بدّ أنّ تتم عملية اصطياد هذه الحيوانات وتجهيزها بمشاركة عدد كبير من الأشخاص. إذ كان لابد من تشييد «الطائرات الورقية»، وإجراء صيانة لها، وأن يتمّ تحديد مواقع الحيوانات المهاجرة، وأنّ تُقاد بعدها إلى داخل هذه المصائد من قبل صيادين ينتظرون ذبحها. حينئذ يتوجب سلخ هذه الذبائح ونقل لحومها الى مكان إقامتهم.
استمر الصيد العشوائي للغزلان بالأسلحة النارية الحديثة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ويعتبر غزال الريم واحد من أهم ذوات الحوافر شيوعاً في بلاد الشام وهو من الأنواع المهددة بالانقراض، وينحصر تواجدها كمجموعات متبقية ضمن مناطق محمية.