مع بقاء أقل من أسبوعين على بدء الحظر الأوروبي على النفط الروسي، توجهت الأنظار إلى حجم أسطول ناقلات الخام الروسي، وكيف يمكنه التحايل على العقوبات وسقف الأسعار المقترح.
ويرى محللون ومراقبون في السوق أن أسطول ناقلات الخام الروسي ضئيل، ولا يمكنه التحايل على خطة الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة الـ7 وأستراليا لفرض سقف على سعر الخام المنقول بحرًا بدءًا من 5 ديسمبر/كانون الأول (2022)، حسب وكالة رويترز.
ومن المتوقع أن تواجه روسيا صعوبة في تصدير الكميات نفسها عند دخول قرار حظر المشتقات النفطية الروسية حيز التنفيذ في 5 فبراير/شباط (2023).
ويعني ذلك أن الصادرات الروسية ستتراجع بنحو مليون برميل يوميًا إلى السوق العالمية، مقارنة بالتدفقات الحالية البالغة 3.5 مليون برميل يوميًا، وسيسفر عن ذلك ارتفاع أسعار النفط والوقود وتفاقم ضغوط التضخم على مستوى العالم.
وفي غضون ذلك، تخطط روسيا لعدم بيع نفطها الخام إلى الدول التي تؤيّد سقف الأسعار، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
سد الثغرات
قالت المحللة المتخصصة في أسواق الطاقة والشحن، المحررة في صحيفة “لويدز ليست”، ميشيل ويس بوكمان، إن فرض سقف على أسعار النفط الروسي سيُلزم قادة مجموعة الـ7 بسد الثغرات التنظيمية في صناعة الشحن على مستوى العالم.
وأشارت، في مقال لها، إلى أن منتجي النفط الروس والمشترين في الصين يستغلون الأساليب نفسها المستخدمة لشحن النفطيْن الإيراني والفنزويلي المحظوريْن من قبل الولايات المتحدة.
وترى أن إستراتيجيات التعتيم على مصدر النفط ووجهته متعددة، وتهدد سلامة نظام التنظيم العالمي الذي يشكّل ركيزة التجارة العالمية، موضحة أن عمليات النقل من سفينة إلى أخرى تعتمد على أسطول من الناقلات القديمة المملوكة لجهات غير معروفة، التي تلجأ إلى تغيير أسمائها وأعلامها بانتظام، وغالبًا ما تحجب أرقامها التعريفية.
وأضافت بوكمان أن تأمين هذه الناقلات يكون موضع شك في الغالب، ومن الصعب تتبع تحركاتها، نظرًا إلى وقف بيانات تتبع السفن أو التلاعب بها.
وأوضحت أن هذه الناقلات الخفية تجوب أكثر المياه ازدحامًا في العالم، وتحمل نفط بمليارات الدولارات.
ويتراوح حجم الكميات المنقولة من إيران وفنزويلا بين 1.5 مليونًا و1.6 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثّل قرابة 3% من إجمالي التجارة البحرية للنفط.
ويبلغ إنتاج إيران بين مليون و1.2 مليون برميل يوميًا، وفنزويلا بين 400 و500 ألف برميل يوميًا.
وفي هذا السياق، بلغت صادرات النفط الروسي المنقولة بحرًا إلى الاتحاد الأوروبي نحو 1.7 مليون برميل يوميًا، و1.7 مليون برميل يوميًا إلى الصين، إلى جانب تصدير كميات ضخمة إلى الهند.
مراوغة العقوبات
يُعتقد أن نحو 220 ناقلة نفط تتحايل لتجنب الكشف عن شحنات النفطيْن الإيراني والفنزويلي الخاضعيْن للعقوبات الأميركية، ومعظمهما موجه إلى الصين وسوريا.
وتدرس المنظمة البحرية الدولية الممارسات المتبعة، ومن المتوقع صدور تقرير في عام 2024.
وسيكون منتجو النفط الروسي قادريْن على توسيع نطاق الحلول اللوجستية بسرعة مع المشترين؛ بهدف تمكينهم من التحايل على الحظر وسقف الأسعار، وهناك أدلة تشير إلى بدء تنفيذ ذلك.
فقد تحوّل اتجاه ما لا يقل عن 12 ناقلة نفط كانت تعمل سابقًا في تجارة النفطيْن الإيراني أو الفنزويلي إلى روسيا خلال الأشهر الـ3 الماضية مع قرب فرض الحظر الأوروبي والأميركي، ووسط عقوبات ذاتية فرضها العديد من مالكي السفن في شمال غرب أوروبا على أنفسهم.
وبعد العقوبات، ستتوافر نحو 400 سفينة لنقل النفط من إيران وروسيا وفنزويلا، أي قرابة 10% من أسطول الناقلات العالمي، وفقًا لتقديرات مجموعة بي آر إس، ومقرها باريس.
وقالت: “السؤال الجوهري يتمثّل في مدى رغبة مجموعة الـ7 في فرض سقف على أسعار النفط الروسي”.
فقد أنفق تاجر صيني مجهول الهوية 376 مليون دولار منذ فبراير/شباط (2022) لشراء أسطول مكون من 13 ناقلة قديمة لنقل الخام الروسي إلى الصين من سفينة إلى أخرى وسط المحيط الأطلسي، ويمثّل الأسطول أساسًا لمركز شحن جديد عالي الخطورة لنقل النفط الروسي.
وأوضحت أن النفط يُنقل من مواني البلطيق الروسية إلى ناقلات أكبر تبحر إلى الصين بعد إغلاق أجهزة تتبع السفن.
وتلاحظ الممارسات نفسها لإعادة الشحن في منتصف المحيط الأطلسي للنفط الروسي قبالة مدينة سبتة، وكالاماتا في اليونان، وميناء كافكاز والإسكندرية في مصر، وشُوهدت مراكز مماثلة للخام الإيراني قبالة الإمارات وسلطنة عمان وماليزيا.
وتسمح هذه الأساليب للسفن بعرض تفاصيل مضللة حول موقعها أو هويتها.
نقل النفط الروسي
يسعى الحظر الأوروبي إلى حرمان موسكو من تحقيق عائدات بيع النفط وتصديره لتمويل عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
وما يزال تأثير العقوبات الغربية وتجنّب المصافي شراء النفط الروسي محدودًا، لا سيما مع تعزيز الصين والهند وباقي المستوردين الآسيويين الواردات من روسيا.
ومن المحتمل أن يكون لسقف الأسعار تأثير محدود -أيضًا- إذا تسبّب في إرباك السوق، وأدى إلى ارتفاع الأسعار، ومن ثم فشله في الحد من الإيرادات الروسية.
وستسمح خطة مجموعة الـ7 التي من المقرر دخولها حيز التنفيذ بدءًا من 5 ديسمبر/كانون الأول (2022) لقطاع الشحن بتصدير النفط الروسي بناءً على سعر محدد.
ويتوقع كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري، أن قرار الاتحاد الأوروبي سيزيد من صعوبة شروط بيع النفط الروسي إلى أوروبا، لكن بإمكان موسكو بيع نفطها بخصم كبير.
وقال -في تصريحات خاصة لمنصة الطاقة المتخصصة-: “استمرار فرض القيود بسبب جائحة كورونا في بعض كبريات المدن الصينية، سيجبر موسكو على العثور على عملاء آخرين للنفط إلى جانب الصين”.
وأشار إلى تراجع النمو الاقتصادي للصين واستمرار الحجر الصحي، وتأثيره في انخفاض الطلب على النفط، موضحًا أن ذلك يمكن أن يقلّل السعر في السوق.
وتابع: “ستنخفض مبيعات النفط في روسيا، وسيواجه الاقتصاد الروسي تحديات -أيضًا- نتيجة لذلك”.
بناء أسطول موازٍ
يرى المحلل في معهد “إنرجي آند فينانس فونديشن” -ومقره موسكو- أليكسي غروموف، أن الحفاظ على حجم التدفقات المنقولة بحرًا، والبالغة 3.5 مليون برميل يوميًا، يتطلب قرابة ثلث ناقلات النفط أكثر مما يمكن لروسيا الوصول إليه.
وقال إن روسيا بحاجة إلى تعزيز أسطولها بنحو 157 سفينة أفراماكس و65 سويس ماكس و18 ناقلة نفط كبيرة جدًا.
وأوضح أن 60 ناقلة مملوكة لشركات روسية، و70 أخرى بِيعت إلى شركات مجهولة خلال العام الجاري (2022) قد تتاجر بالنفط خارج سقف الأسعار.
وتحمل ناقلات أفراماكس قرابة 600 برميل من النفط، وسويس ماكس مليون برميل، وناقلات النفط الكبيرة جدًا نحو مليوني برميل.
وأضاف غروموف أن ذلك سيترك عجزًا بنحو 110 ناقلات حال سعت موسكو للتحايل على سقف الأسعار بالكامل.
وفي هذا الصدد، قال كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري -في تصريحات خاصة لمنصة الطاقة المتخصصة-، إن وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أعلنت في 12 أكتوبر/تشرين الأول (2022) سقفًا لسعر النفط الروسي عند 60 دولارًا للبرميل.
وأضاف أن الافتراض الرئيس للقرار أعلاه يستند إلى صغر أسطول ناقلات النفط الروسي وعدم قدرته على نقل كمية كبيرة من النفط للتصدير، وبذلك ستستغرق روسيا وقتًا طويلًا لتعزيز أسطولها، ومن ثم سينخفض إنتاج النفط والدخل.
ويفترض أن روسيا ستضطر إلى خفض الإنتاج وفرض تكاليف طويلة الأجل على حقولها النفطية إذا رفضت البيع وفقًا للسقف المحدد.
وقال: “يبدو أن هذه الإجراءات تقوّض التوقعات لقطاع الطاقة في روسيا.. ومع ذلك، ما يزال سقف السعر آلية لم تُختبر بعد، وهناك شكوك حول مدى فاعليتها، وتداعياتها المحتملة على التعاون الروسي الآسيوي في قطاع الطاقة”.
التأمين الذاتي
قد تسعى موسكو إلى تجاوز القيود من خلال حشد وسائل الشحن الخاصة بها مع تلك الخاصة بكبريات الدول التي تشتري ولم تقر بعد سقف الأسعار.
وأشار الشريك في شركة المحاماة العالمية هوغان لوفيلز، ألكسندر دوكيتش، إلى محاولة إيجاد طرق لتجاوز هذه القيود بوساطة استخدام التأمين الذاتي من خلال السفن -سواء كانت صينية أو هندية أو روسية- التي لا تخضع لسلطة الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
وأكد أن بناء أسطول خاص بروسيا سيستغرق بعض الوقت.
وأضاف الرئيس العالمي لقسم الشحن الرطب في شركة ترافيغورا، أندريا أوليفي، أنه خلال شهر سبتمبر/أيلول (2022) بِيع قرابة 40 ناقلة نفط إلى كيانات من الشرق بأسعار أعلى من السوق بالنظر إلى عمر السفن.
وقال إن روسيا يمكنها العثور على ما يكفي من ناقلات النفط نظريًا، لكنها تفتقر إلى توفير ناقلات المشتقات المكررة.
بينما أوضح مسؤول في وزارة الخزانة الأميركية أن صادرات النفط والمشتقات المكررة من روسيا قد تتراجع بين مليون إلى مليوني برميل يوميًا.
واتفق بنك جيه بي مورغان مع هذه التقديرات، مشيرًا إلى أن روسيا لن تتمكن من شحن جميع النفط الخام بوساطة الناقلات التي اشترتها حديثًا حتى عام 2024، ومنتجاتها حتى عام 2025 على الأقل.
هل ستواجه أزمة تصدير؟
استبعد كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري، أن يكون سقف سعر النفط الروسي ضروريًا للمشترين الآسيويين، مثل الصين والهند، خاصة أنهما تشتريان الخام الروسي بسعر مخفض.
ومع ذلك، فإن تحديد سقف للسعر يمكن أن يضعف قدرة روسيا على التفاوض في بيع النفط إلى آسيا، ومع احتمال الانضمام إلى سقف الأسعار، يمكن للمشترين الآسيويين أن يعرّضوا تجارة السلع والخدمات مع روسيا للخطر.
وأوضح شوكري أنه بالنظر إلى أن الصين والهند أصبحتا أكبر المشترين للنفط الروسي، يبدو أن العقوبات الثانوية مقيدة، ومع تزايد تأثيرها في السوق العالمية وسلاسل التوريد، فمن المرجح تجنُّب الولايات المتحدة بدء حروب تجارية على عدة جبهات، وهذه الهواجس تترك مساحة أكبر لروسيا وآسيا للتعاون في قطاع الطاقة.
وقال: “في حالة إعلان سقف أسعار النفط الروسي، فمن المحتمل أن توقع الدول الآسيوية عقودها مع روسيا، وتواصل شراء الخام الروسي بسعر مخفض.. لذلك ستكون الدول النامية هي المستفيد الرئيس من الأسعار، واعتمادها على روسيا سيزيد الفوائد الاقتصادية وأمن الطاقة”.
ويرى أنه كلما طالت مدة اعتماد هذه الدول على الإمدادات الروسية الرخيصة، زادت صعوبة خروج روسيا من سلاسل التوريد، بالإضافة إلى تحجيم الجهود للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وتقييد عملية انتقال الطاقة.
وأشار إلى أن الحرب الاقتصادية بين الغرب وروسيا إذا استمرت فستصبح آسيا المستفيد الرئيس في هذه اللعبة الجيوسياسية.
وأضاف أن موسكو أعلنت في سبتمبر/أيلول (2022) زيادة صادرات النفط الخام إلى آسيا، ردًا على اقتراح دول مجموعة الـ7 بفرض سقف على سعر النفط الروسي، إذ يمكن للهند وتركيا وباقي الدول شراء النفط الروسي الرخيص.
ويرى شوكري أن إيران ستكون الدولة الخاسرة من القرار الأوروبي، خاصة أن طهران لا يمكنها بيع النفط بسبب العقوبات إلا في السوق السوداء.
ومع تحديد سقف أسعار النفط الروسي، ستواجه شروط بيع النفط الإيراني في سوق شرق آسيا صعوبة، ويجب على إيران منح المزيد من الخصومات لعملائها لتكون قادرة على منافسة النفط الروسي.
مواقع عربية