يعمل هذا الجهاز بكفاءة شجرة صغيرة، وقد استخدمه العلماء 7 مرات لغاية الآن.
لا يصلح غلاف المريخ الجوي حاليًا للتنفس ولا يدعم استمرارية الحياة عليه، فهو رقيق جدًا وأقل كثافة من الغلاف الجوي للأرض بمئة مرة. ولكن، يوجد على سطح الكوكب الأحمر الآن جهاز صغير بحجم حقيبة اليد، يضخ الأكسجين في الغلاف الجوي غير المأهول.
سُمّي الجهاز MOXIE أو (Mars Oxygen In-situ resource utilization Experiment) ويعني هذا أنه مجهز لاستخدام الموارد الطبيعية في الموقع الأصلي لإنتاج الأكسجين، وهو ما يجعله أول تجربة من نوعها.
تهدف هذه التجارب إلى جعل الهواء صالحًا للاستنشاق على سطح المريخ، للسماح أخيرًا بإرسال بعثة بشرية إليه. كما أن رحلة العودة تتطلب أطنانًا من الأكسجين لدفع المركبة من سطح الكوكب إلى الفضاء.
وُضع MOXIE في قلب الروبوت الجوال بيرسڤيرنس (Perseverance Rover) قبل إرساله إلى المريخ في تموز 2020. ويستخدم طريقة تدعى التحليل الكهربائي (Electrolysis) لفصل جزيئات ثاني أكسيد الكربون CO2 إلى أول أكسيد الكربون CO وأيون أكسجين. ما يساعد على الأمر هو تركيب CO2 الذي يتألف من ذرة كربون وذرتي أكسجين، ووفرته على سطح المريخ، إذ يشكل ما يقارب 96% من الغلاف الجوي هناك.
كما ذُكر سابقًا، فقد أنتج MOXIE الأكسجين في 7 تجارب، وذلك منذ هبوطه على الكوكب الأحمر في شباط من عام 2021 حتى نهاية ذلك العام، وسيستمر بإنتاج المزيد في المستقبل.
يدعم معهد ماساتشوستس للتقنيات MIT هذه التجارب، ويقول الأستاذ الجامعي في المعهد جيفري هوفمان ما يلي: «هذه أول تجربة لاستخدام الموارد على سطح كوكب آخر، وتحويلها كيميائيًا إلى شيء قابل للاستخدام في البعثات البشرية. إن هذا حدث تاريخي».
يُذكر أن هوفمان هو رائد فضاء سابق في ناسا، وهو نائب الباحث الرئيسي في MOXIE.
استخدام التحليل الكهربائي لتوليد الأكسجين ليس بالأمر الجديد، فعلى سبيل المثال، يستخدم رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية هذه الطريقة لفصل جزيئات الماء H2O إلى هيدروجين وأكسجين. ولكن مع ندرة الماء على كوكب المريخ، ينبغي عدم التفريط فيه إن وُجدت طريقة أخرى.
درس العلماء الفصل الكهروكيمياوي لثاني أكسيد الكربون إلى مكوناته الرئيسة معمقًا على مدى عقود. فهي عملية مفهومة ومجربة كثيرًا في عالمنا. ولكن التحدي كان في تجهيز نظام قادر على فعل ذلك على سطح المريخ باستخدام الموارد المحلية للكوكب.
توجد عدة خطوات لعملية إنتاج MOXIE للأكسجين:
يُدخل الهواء المريخي عبر مصفّي من نوع HEPA وينقّيه من الغبار والشوائب.
يضغط الهواء ويسخنه إلى 800 درجة مئوية.
يمرر الهواء إلى جهاز يدعى محلل الأكسجين الصلب الكهربائي، الذي يقسم ثاني أكسيد الكربون إلى أول أكسيد الكربون وأيونات أكسجين سالبة.
بعد ذلك، تندمج أيونات الأكسجين لتصبح جزيء أكسجين O2، الذي يقيسه الجهاز لمعرفة مدى الجودة والكمية.
وأخيرًا يطلق الأكسجين إلى الغلاف الجوي للمريخ.
يقول العلماء القائمين على التجربة أن عملية تشغيل واحدة تتطلب عدة ساعات من الإحماء، بعدها يعمل MOXIE على إنتاج الأكسجين لمدة ساعة، بحيث يفترض أن يضخ 10 غرامات -أي ما يكفي رائد فضاء واحد للتنفس لمدة 20 دقيقة- وبعدها يتهيأ النظام لحالة التوقف عن العمل.
صَنَع MOXIE في كل من تجاربه السبعة ما يتراوح بين 5.4غ و8.9غ من الأكسجين الجزيئي، بمجموع قدره 49.9غ.
مناخ المريخ متقلب، ليس فقط بين الليل والنهار بل بين فصول السنة أيضًا، وهو ما يؤثر على درجات الحرارة وكثافة الهواء. ولذلك فهناك حاجة إلى تجربة MOXIE في مختلف المناخات والظروف الجوية. وهذا ما فعله العلماء في فترات التشغيل العديدة، فلم يتبقَ إلا مهمة تشغيله في فترتي الفجر والغسق، حين تتغير درجات الحرارة دراماتيكيًا.
حول ذلك يقول مايكل هيكت، الباحث الرئيسي في MOXIE: «نمتلك في جعبتنا ورقة رابحة ستسمح لنا بفعل ذلك، وعندما نجربه في المخبر، نستطيع حينها القول بأننا وصلنا إلى إنجاز مهم يثبت قدرتنا على تشغيل الجهاز في أي وقت كان».
الهدف النهائي هو بناء نظام يعمل بنفس الآلية ولكن على مستوى أكبر بكثير من MOXIE، وسيتعيّن على مثل ذلك الجهاز أن ينتج الأكسجين باستمرار.
قال هيكت سابقًا إن فريقًا صغيرًا من رواد الفضاء سيحتاج إلى طن من الأكسجين القابل للاستنشاق للبقاء على المريخ لسنة كاملة. وذلك كله من دون أن الأخذ بالحسبان الأطنان من الأكسجين التي تدخل في تركيب وقود الإطلاق لرحلة العودة. فتلك الرحلة تحتاج إلى 50 طنًا من الوقود -أغلبها أكسجين- على سطح المريخ، ويتطلب ذلك إحضار 500 طن من الوقود من كوكب الأرض، وهذا ما يعيق الاستكشاف الفضائي. لحل هذه المشكلة، سيستخدم العلماء نظامًا لتوليد الأكسجين على سطح المريخ مشابه لجهاز MOXIE.
سيجري العلماء التجربة القادمة في وقت من السنة يكون فيه الغلاف الجوي للمريخ أكثر كثافة من أي وقت آخر. الهدف من هذه التجربة هو استخدام الجهاز بأقصى إمكاناته لإنتاج أكبر كمية من الأكسجين. ستظهر النتائج الحدود التي تقف عندها قدرات MOXIE، وذلك للمساهمة بدفع هذه الحدود إلى أبعد مدى في الجهاز المستقبلي.
نهايةً، قال هوفمان: «لتمكين بعثة بشرية إلى المريخ، علينا أن نحضر الكثير من التجهيزات من الأرض كالحواسب وبدلات الفضاء والمسكن. ولكن الأوكسجين؟ إن كان بإمكانك صنعه هناك فافعل ذلك، وستكون في مقدمة السباق».
المصدر: ساينس أليرت – ترجمة: “ibelieveinsci”
اقرأ أيضاً: علماء ينجحون في محاكاة “ثقب أسود” صغير
لا تهدأ أبداً البحوث في مجال الثقوب السوداء، تلك الثقوب الكونية التي تمتلك قوة مهولة من الجاذبية، طريدة علماء الفلك والفيزياء الذين طالما احتاروا في أمرها وبحثوا عن مفاتيح تحلّ ألغازها.
في بحث أخير تحدث عنه موقع “إندي 100” البريطاني، استخدم فريق من علماء الفيزياء من “جامعة أمستردام” الهولندية سلسلة من الذرات تصطف صفاً واحداً بغية التوصل إلى فهم أفضل لسلوك الثقوب السوداء، وأنشأوا ضمن عملية محاكاة لمنطقة محيطة بالثقب الأسود تسمى “أفق حدث” event horizon، أو “نقطة اللارجوع” كما يحلو لكثيرين تسميتها، ذلك أنه لا تكتب العودة لأي جرم أو مادة عند هذا الحد الأشبه بغشاء يسمح بمرور المواد في اتجاه واحد فقط.
إنشاء “أفق الحدث” الاصطناعي هذا يثبت نظرية صاغها ستيفن هوكينغ، أحد كبار علماء الفيزياء الفلكية في العصر الحديث، في عام 1974 وتتحدث عن إطلاق الثقب الأسود شكلاً نادراً من الإشعاع الحراري، سمي “إشعاع هوكينج” نسبة إلى العالم نفسه.
“إشعاع هوكينج”
في الإنجاز الفلكي الأخير، درس العلماء خصائص “إشعاع هوكينج” من طريق ثقب أسود نظيري ابتكروه في المختبر. ونقل “إندي 100” عن تقرير أعده موقع “ساينس أليرت”، أن هذا الإشعاع الحراري يتبدى عندما “تتولد جسيمات من اضطرابات في الاهتزازات الكمومية الناتجة عن تكسر الثقب الأسود في النسيج الكوني الرباعي الأبعاد الذي يسمى “الزمكان” Time Space.
تذكيراً، يملك المكان ثلاثة أبعاد هي الطول والعرض والعمق، في حين أضاف ألبرت آينشتاين الزمن كبعد ثالث في نظريته عن النسبية، إذ نظر إلى الكون بوصفه مركباً رباعي الأبعاد من الزمان والمكان، واختصره بكلمة “زمكان”.
ولكن أن يظهر إشعاع بحد ذاته توهجاً يعد شذوذاً غريباً في نظريات عالم الفضاء، إذ من المفترض أن يكون “أفق الحدث” الخاص بالثقب الأسود منطقة حيث لا يمكن للضوء ولا المادة الخروج مطلقاً.
في فصل العلوم مثلاً، نتعلم جميعاً عن القوة الجبارة للثقب الأسود، وكيف أننا إذا كنا تعيسي الحظ ووجدنا أنفسنا في مواجهته وجهاً لوجه سيروح يشدنا إلى فوهته حتى يبتلعنا جميعاً في نهاية المطاف.
يعزى ذلك، على ما يشرح موقع “إندي 100″، إلى كثافة الثقب الأسود ضمن نطاق معين من المركز، لذلك حتى محاولة السفر خارج سرعة الضوء (أو أي سرعة في الكون بالنسبة إلى المادة) لن تحول دون أن يؤول كل ما أو من يهوي داخل الثقب الأسود إلى هذا المصير.
في المحاكاة، شكلت سلسلة من الذرات أحادية البعد نوعاً من المسار للإلكترونات “كي تقفز” من موقع إلى آخر. وعبر ضبط مستوى سلاسة وسهولة حدوث عملية التنقل هذه، في مقدور الفيزيائيين أن يتسببوا في اختفاء خصائص معينة، ما يخلق نوعاً من “أفق الحدث” الذي يتداخل مع الطبيعة الشبيهة بالموجات للإلكترونات.
ونقل “إندي 100” عن “ساينس أليرت” أن تأثير “أفق الحدث” الاصطناعي في الدراسة الجديدة تسبب في ارتفاع في درجات الحرارة يطابق التوقعات النظرية لنظام “ثقب أسود” نظيري، ولكن فقط عندما يمتد جزء من سلسلة الذرات المستخدمة في المحاكاة إلى ما وراء “أفق الحدث”.
ونتيجة لذلك، يُعتقد أن تشابك الجسيمات التي تمتد عبر “أفق الحدث” يؤدي دوراً مهماً في توليد “إشعاع هوكينج”.
في ضوء عمليات المحاكاة التي بدأت بتقليد الزمكان باعتباره “فضاء مسطحاً”، يقول العلماء إن الإشعاع كان حرارياً فقط عند نطاق معين من “اتساع قفزات” الإلكترونات.
عليه، يكون إشعاع هوكينغ حرارياً في ظروف معينة فحسب، ولا يتأتى ذلك إلا حيثما تسبب الجاذبية تغيراً في اعوجاج الزمكان.
في ورقتهم البحثية التي نشرتها مجلة “فيزيكال ريفيو ريسيرش”Physical Review Research، كتب العلماء أن محاكاتهم هذه “من شأنها أن تشكل توطئة لاستكشاف الجوانب الأساسية للميكانيكا الكمومية إلى جانب الجاذبية وفضاءات الزمكان المنحنية في مختلف ظروف المادة المكثفة”.
المصدر: اندبندنت