هل تعرف قصة الكرسي البسيط الذي اجتاح العالم؟

مهما كان المكان الذي تعيش فيه من العالم، من المحتمل جدا أن تكون قد جلست لتستريح على الأقل مرة واحدة في حياتك على واحد من هذه الكراسي. يدعى هذا الكرسي باسم كرسي Monobloc، أو الكرسي أحادي الكتلة لأنه يتكون من قطعة واحدة، سندعوه في مقالنا هذا بكرسي (مونوبلوك).

ربما كان هذا الكرسي صاحب أكثر المبيعات في تاريخ الكراسي، وعلى الرغم من ذلك فهو يعتبر هدفا لانتقادات لاذعة وللكثير من الكراهية، لدرجة أنه في (بازل) بالسويد أصبح الكرسي مشكلة سياسية. على مدى سنوات، كان القانون في السويد يملي بمنع وضع هذا الكرسي بالذات خارج المطاعم والمقاهي لأن الناس اشتكوا من كونه يشوه المنظر العام للمدينة.

السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا الآن هو: كيف حصلنا على هذا الكرسي المميز؟ وهو هو مثال للتصميم الجيد أم التصميم السيئ؟

كراسي مونوبلوك مكدسة فوق بعضها البعض في القدس.

بإمكانك العثور على هذه الكراسي في كل مكان تقريبا: خارج مقاهي الدنمارك، وداخل المكاتب في تنزانيا، وحتى في الحائط الغربي من القدس، لقد شقت هذه الكراسي طريقها بحق في حياتنا.

بالنسبة لكل شخص مولع بالتصاميم، يبدو أن تصاميم الكراسي مذهلة بحد ذاتها، وعلى عكس ما قد يعتقده الكثيرون بأن الكرسي ما هو إلا غرض لا يحتاج لأي تغيير على مر الزمان، فإن الكراسي تتغير بتغير الزمن. قد يكيف تصميم الكرسي المواد والأشكال لأداء وظيفة معينة، وقد يهدم التوقعات السائدة من خلال تحدي أفكارنا حول ما يجب على الكرسي أن يبدو عليه.

تماما مثل تصاميم الأشياء والأغراض الأخرى، يتطلب تصميم الكرسي العثور على طرائق متنوعة للمزاوجة بين الوظيفة التي يؤديها الكرسي والجاذبية، كما أن تصميم الكرسي يعرض كذلك النمط والتوجه الثقافي السائد في الحقبة التي تم تصميمه فيها.

مثل كرسي Wassily من تصميم Marcel Breuer، الذي تم صنعه من الأسطوانات الفولاذية واستوحى تصميمه من تصميم الدراجة الهوائية التي كانت آنذاك تضع الأساسات لتصاميم أكثر حداثة، أو مثلما حدث بعد انتشار الثقافة الشعبية الأمريكية التي أدخلت الألوان النابضة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أو مثلما حدث كذلك مع تقدم الأبحاث الفضائية التي ألهمت المصممين ومدتهم بأفكار مستقبلية لتصاميم الأثاث المنزلي في بعض المنازل والقصور، ومن هذه التصاميم كراسي ذات أشكال دائرية أو بيضوية.

غير أن الكرسي (مونوبلوك) مختلف عما سبق، فقد تم استخدامه بشكل واسع لدرجة أصبح تقريبا لا يحمل أي بعد ثقافي مهما كان، فقط ألق نظرة على هذه الصورة، أين تم التقاطها في رأيك؟ ومتى؟

من المستحيل تقريبا الجزم بهذا الصدد، وقد كانت تلك ملاحظة نوه إليها الباحث في وسائل الإعلام والمدون (إيثان زوكرمان)، الذي وصف الكرسي (مونوبلوك) على أنه غرض لا ينتمي لأي سياق.

ما هو السياق في التصاميم؟

نحن نميل بطبيعتنا إلى ربط معظم الأغراض بمكان محدد أو حقبة زمنية معينة. إذا ما عرض أحدهم علينا صورة عشوائية، فمن المحتمل أن تمنحنا الأغراض التي تحتوي عليها نظرة غلى الزمان والمكان اللذين التقطت فيهما، غير أن الكرسي أحادي الكتلة (مونوبلوك) نادرا ما يخولنا من القيام بمثل هكذا استنتاجات أو تخمينات.

بالإمكان العثور على هذا الكرسي في مختلف بقاع العالم، وهو عبارة عن غرض شائع جدا لدرجة أنك إذا ما رأيته ملقى في أحد الشواطئ لن يكون بمقدورك الجزم بما إن كان قد وضعهم أحدهم هناك أو أن أمواج البحر لفظته من شاطئ آخر بعيد عن ذاك.

ما الذي قد نتعلمه من هذا التصميم؟

قد يكون كرسي (مونوبلوك) مثالا حيا عن العولمة، كما أنه قد يكون في نفس الوقت مؤشر تذكير عن كون بقية الأغراض التي تحيط بنا في حياتنا هي محلية إلى حد بعيد.

اختلفت الآراء حول هذا الكرسي المكتسح، وكان بعضها جدليا للغاية، حيث تشير بعض الآراء إلى أنه لا يمثل التصميم المستدام، بينما يرى البعض الآخر فيه مثالا قويا عن الاستهلاك الواسع للسلع الموحّدة التي لا تأخذ بعين الاعتبار التفرد والتميز.

بالإمكان كذلك استعمال كراسي (مونوبلوك) كحجة ضد العولمة لأنها تمثل انخفاضا كبيرا في الثقافات المحلية، كما يمكن كذلك استخدامه كحجة لتخدم العكس تماما.

ما هو سبب نجاح تصميم هذا الكرسي؟

لا يمكن إرجاع سبب نجاح هذا الكرسي وشيوعه إلى أي شيء آخر عدا عن كون تكلفته منخفضة جدا مما جعل منه في متناول الجميع، والتكلفة المنخفضة مهمة بالطبع، ذلك أنها تسمح بنوع من العدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي، كما يرى البعض أنه من الممكن اعتباره غرضًا ديمقراطيًا.

قد تعتقد الآن عزيزي القارئ أننا أثرنا جلبة كبيرة حول مجرد كرسي، غير أن هذا هو الهدف من هذه المقالة، لأن التركيز على غرض ما قد يسمح لنا بالتفكير في المزيد من الأسئلة المجرّدة والعميقة، كما أن هذه الآراء المتضاربة حول هذا ”الغرض البسيط“ تمثل جزءا مهما من السبب الذي جعل الكثير من الفنانين والمصممين يبتكرون أعمالًا فنية باستخدامه.

ما هو أصل هذه الكراسي يا ترى؟

تم إنتاج أول كرسي أحادي الكتلة (مونوبلوك) في سنة 1946 على يد المصمم الكندي (دي. سي سيمبسون)، غير أنه في الحقبة التي قام فيها بتصميمه كانت عملية القولبة والتشكيل السائدة آنذاك غير مناسبة لنجاح فكرة موجهة للإنتاج الواسع بثمن رخيص، لذا يعتبر الكثيرون أن الفكرة كانت سابقة لأوانها بعض الشيء.

وفي الستينيات التي تلت ذلك، برز الاهتمام بفكرة كراسي مقولبة من البلاستيك لدى العديد من المصممين، من أبرزهم (هيلموت باتزنر) الذي أتى بكرسي (بوفينغر)، و(جوي كولومبو) الذي جاء بكرسي (يونيفرسال)، وهي كراسي كانت تتكون من عدة أجزاء تركب مع بعضها البعض.

وربما كانت أهم خطوة نحو إنتاج كرسي مقولب من كتلة واحدة عندما تم تقديم كرسي يُعتبر بشكل واسع تصميما كلاسيكيا حاليا، ألا وهو كرسي (فيرنر بانتون) ذو القطعة الواحدة الذي أسماه Cantilever.

حتى وإن كانت مجرد المقارنة بين كرسي باهض من مصمم مرموق وكرسي (مونوبلوك) الرخيص الذي نجده في كل مكان تبدو غريبة في حد ذاتها، فإن كرسي المصمم (بانتون) يبقى من الناحية التقنية سلفا لكرسي (مونوبلوك)، ذلك بما أنه أول كرسي بلاستيكي في العالم يتم إنتاجه بنفس الطريقة التي يتم فيها إنتاج كراسي (مونوبلوك) اليوم، هذا ناهيك عن كون (بانتون) قد صمم كرسيه بطريقة جعله بها سهل التكديس.

Advertisements

 

بعد النجاح الذي حققه كرسي (بانتون)، ظهرت عدة كراسي حول العالم استوحت واستُلهمت من طريقة إنتاجه، ومع ظهور طرائق جديدة لإذابة البلاستيك وقولبته، أصبح الدرب أكثر وضوحا بالنسبة للاتجاه نحو الإنتاج الواسع لكرسي (مونوبلوك).

في سنة 1972، أصدر المصمم الفرنسي (هينري ماسوني) ابتكارا جديدا في عالم الكراسي أطلق عليه اسم Fauteuil 300، غير أن الأمر استغرق حتى سنة 1983 عندما أطلقت مجموعة Grossfillex كرسي Resin Garden خاصتها، وهنا فقط بيعت كميات كبيرة جدا من الكرسي أحادي الكتلة بثمن رخيص.

يتم إنتاج الكرسي بوساطة تقنية القولبة بالحقن، حيث يتم تسخين ذرات البوليبروبيلين لتبلغ حرارتها 220 درجة مئوية ثم يتم حقنها داخل قوالب تعطي للكرسي شكله.

تم استنباط إسم (مونوبلوك) أو ”أحادي الكتلة“ من طريقة الإنتاج هذه، وذلك لأن المنتج النهائي يتكون من وحدة أو كتلة واحدة وليس من عدة قطع يتم تركيبها مع بعضها البعض.

إن قوالب إنتاج هذا النوع من الكراسي غالية الثمن وتكلف أحيانا مئات الآلاف إن لم تكن ملايين الدولارات، غير أن عملية الإنتاج قابلة للتصعيد بشكل سهل للغاية، ذلك أنها لا تتطلب قوة عاملة كبيرة، كما لا تتطلب في نفس الوقت الكثير من الوقت أو المواد الأولية، وكنتيجة على ذلك، لا تكلف عملية إنتاج كرسي واحد أحادي الكتلة أكثر من 3 دولارات، والذي يتم بيعه عادة مقابل سعر 10 دولارات لا أكثر.

اليوم، توجد عشرات التصاميم من كراسي (مونوبلوك): بعضها يتضمن فتحات أفقية أو عمودية وبعضها الآخر لا يتضمنها أساسًا، بعضها الآخر يتضمن مساند للأذرع بينما لا يتضمنها بعضها الآخر كذلك، وكلها يأتي بأشكال وألوان مختلفة ومتنوعة، ومع كل هذا التنوع، يمكنك التعرف على كرسي (مونوبلوك) بمجرد النظر إليه.

البعد الاقتصادي لكرسي (مونوبلوك)

بالإمكان أيضًا اعتبار هذا الكرسي كنتيجة عن التطور الحاصل في السوق العالمي، حيث تطور الكرسي تطورا ملحوظاً فتم التعديل على سمك المادة التي هو مصنوع منها بشكل مثالي لتكون متينة وغير مكلفة في نفس الوقت، لتنتج كرسيا لا يتأثر بالزمن، وقابلا للتكديس بسهولة، وخفيف الوزن، ورخيص الثمن.

لا يمكنك تغيير أي شيء حيال هذا الكرسي، فهو مناسب ومثالي في كل مكان من العالم. ربما كان هذا الكرسي تصميما مثاليا بلغ كل ما يطمح له المصمم.

وعلى الرغم من ذلك قد تكرهه، والسبب هنا قد يكون السياق، حيث أن قراءتنا للتصميم تأتي بناء على معرفتنا حوله، وما يذكرنا به هذا التصميم، وبما أن هذا الكرسي لا يذكرنا بأي شيء، قد نكرهه من هذه الناحية على الرغم من أننا قد نكون غفلنا عن تقديره بالقدر الكافي.

Exit mobile version