بدأت بمتجر صغير للبقالة.. قصة سامسونغ وكيف تحولت إلى شركة تقنية ضخمة عابرة للقارات

بدأت بمتجر صغير للبقالة.. قصة سامسونغ وكيف تحولت إلى شركة تقنية ضخمة عابرة للقارات

لم تكن كوريا الجنوبية ، في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي ، ككوريا التي نعرفها اليوم. كانت دولة من دول العالم الثالث ، تعاني مشاكل ووازمات اقتصادية طاحنة، نادراً ما تجد فيها مبني من عشرة طوابق ، ما بالك مئات ناطحات السحاب المزدانة بالأضواء في كل مكان.

في نهاية الثلاثينيات، قام الكوري الجنوبي ” بيونغ تشول لي ” بتجميع رأس مال متواضع ، مكنه من افتتاح أول متجر صغير له ، متخصص في بيع الارز والسكر.

يبدو أن المتجر حقق نمواً جيداً، فتحول المتجر الى شركة صغيرة للتصدير والاستيراد ، تعمل على تصدير الأسماك المجففة والخضروات والفواكه وبعض السلع الأساسية من كوريا الجنوبية الى بعض الولايات الكبيرة في الصين ، مثل مقاطعة منشوريا وبكين.

كانت شركة عادية للغاية ، تحقق نمواً عادياً للغاية ، وتعمل في سوق عادي. الا ان اسم الشركة نعرفه الآن جميعاً حول العالم ، حيث كان اسمها هو ” سامسونغ ” ، فما هي قصة سامسونغ ؟

نحن نعرف جميعا اسم سامسونغ الآن ، كواحد من أضخم شركات التقنية والاتصالات والاجهزة في العالم ، وكلنها لم تكن كذلك عندما تأسست ، بل كانت شركة صغيرة للتصدير والاستيراد ، تعمل من خلال مكتب صغير في العاصمة سيول ، ومخزن صغير لتخزين السلع.

بالتأكيد لم يكن يتخيل ” بيونغ تشول لي ” نفسه ما الذي ستؤول اليه شركته الصغيرة في المستقبل، إليكم قصة سامسونغ .

النجوم الثلاثة

دعونا نبدأ قصة سامسونغ بالاسم ، كان المقصود بتسمية الشركة الصغيرة بسامسونغ ، هو ” النجوم الثلاثة “. سامسونغ باللغة الكورية تعني ” النجوم الثلاثة ” وهي رمزية قصدها المؤسس عندما أسس شركته الصغيرة أن تكون كبيرة ، وأن تكون قوية ، وأن تبقى للأبد. عبر عن هذه المبادئ الثلاثة من خلال كلمة النجوم الثلاثة ( سامسونغ ).

بتسمية طموحة كتلك، حققت الشركة الصغيرة نجاحات جيدة في سنواتها العشر الأولى ، حيث استمرت في تصدير السلع الغذائية الأساسية وتحقيق ارباح كافية، مما مكنها من شراء معداتها وآلاتها الخاصة ، ووحدات التخزين والبيع والانتاج المستقلة.

لكن الرياح تأتي دائما بما لا تشتهي السفن ، واندلعت الحرب الكورية بين الكوريتين في الخمسينيات، مما عرّض تجارة ” تشونغ ” للخطر ، فقام بتفكيك شركته في سيول العاصمة ، واتجه جنوبا الى مدينة بوسان ، ليبدأ من جديد!

طريق جديد

مع محاولات تعويض خسائر الشركة وبعثها من جديد، قرر تشول لي تحجيم نفوذه في منصبه ، وليسمح لإبنه ابنه الأصغر بتولى قيادة شركة سامسونغ، وقرر في تلك الفترة ان يقوم بأخطر خطوة ممكنة : تغيير السوق.

قرر الابن تحويل شركة سامسونغ من شركة متخصصة في تصدير واستيراد البضائع والسلع الغذائية ، الى قطاع مختلف كليا ، وهو الدخول في عالم الاليكترونيات.

كانت خطوة شديدة الصعوبة، لان الشركة لم تكن لديها خبرة مسبقة بهذا السوق ، ولم يكن لديها اي خبرة في صناعة وصيانة الاجهزة مثل التلفزيونات والثلاجات ومكيفات الهواء والهواتف.

لذلك، قررت سامسونغ الدخول في هذا المجال من خلال صناعة اول تلفزيون بسيط متواضع لها بالابيض والاسود ، وذلك بالتعاون مع شركة يابانية لتزويدها بالخبرة الفنية اللازمة لصناعة هذه الأجهزة.

كان هذا التلفزيون البسيط الصغيرة هو بداية مشوار طويل لشركة سامسونغ في عالم الاليكترونيات.

نمو كبير .. ولكن ليس عالمياً

على مدار السبعينات والثمانينيات، تحول سامسونغ الى شركة تحقق نموا جيدا في عالم الاليكترونيات، وحققت اسما جيدا جدا في شرق آسيا.

في تلك الفترة، تخصصت الشركة في صناعة النواقل واشباه الموصلات ، وبعض الاجهزة المنوعة رخيصة السعر. كانت سامسونغ تستهدف بشكل كامل تقريبا تصنيع المنتجات متوسطة الجودة ، بأسعار في متناول الايدي ، للدخول الى أسواق العالم الثالث تحديداً والنمو في شرق آسيا وافريقيا.

بنهاية الثمانينيات، رحل المؤسس الكبير عن الحياة ، واستمر ابنه في قيادة الشركة التي حققت نموا ممتازاً في قطاع الاليكترونيات ، في السوق المحلي الكوري وبعض الدول المجاورة.

الا أن حلم العالمية لم يكن يتحقق الا بداية من العام 1990 تحديداً ، مع واحد من اكبر الخيارات الاستراتيجية للشركة.

غيروا كل شيء!

في بداية العام 1990 ، حضر المدير التنفيذي لشركة سامسونغ في اجتماع كبير بكافة اعضاء مجلس الادارة الى مصنع الشركة الأساسي ، وكانوا جميعهم يحملون المطارق.

قام اعضاء مجلس ادارة سامسونغ بتكسير كافة الشاشات والآلات والهواتف التي وجدوها أمامهم ، امام نظرات الذهول من العاملين ، ثم امروا العمال بتدمير بقية المخزون. ثم قال كلمة شهيرة دونها التاريخ :

غيروا كل شيء ما عدا زوجاتكم وأبناءكم. نحن بصدد مرحلة تجديد شاملة في سامسونغ!

يقال انه في يوم واحد تم تدمير أدوات وآلات والتخلص منها وبيعها بقيمة 50 مليون دولار. كان هذه الخطوة الأولى في تحول سامسونغ من شركة محدودة معروفة محليا واقليميا ، الى شركة عالمية تستهدف اسواق العالم كله، وليس فقط محيطها.

بعد سنوات، بدأ اسم سامسونغ يلمع بشدة خصوصا في مجال الرقائق الدقيقة، مع تركيز الشركة الكامل على البحوث والتطوير.

حتى عندما مرت سامسونغ بأزمة اقتصادية عاصفة ، في منتصف التسعينيات، قررت الادارة تسريح الكثير من عمالها ، بل وحتى بيع أصولها ، دون المساس بوحدة البحوث والتطوير التي كانت تعتمد عليها اعتماداً كاملاً لتطوير منتجات تستحوذ على الاسواق في خطتها الاستراتيجية المقبلة لقدوم الألفية.

وكان رهان سامسونغ صحيحاً، وحقق نتائجه بعد عدة سنوات.

الامبراطورية

بنهاية التسعينيات ومطلع الألفية، كانت منتجات سامسونغ عالية الجودة تغزو أسواق العالم.

بدأت الشركة الكورية في منافسة منتجات الشركات اليابانية بشكل واسع، الى ان بدأ عصر الاجهزة الذكية، فانطلقت سامسونغ لتصنيع اجهزتها اللمسية التي وجدت صدى هائلا حول العالم ، حيث استطاعت بعد اصدار النسخة الأولى من الأيفون ، أن تتسيد عالم الاجهزة اللمسية لسنوات طويلة، مع تطوير نظام تشغيل الاندرويد.

بالتوازي مع نشاطها في عالم الاليكترونيات ، توسع سامسونغ لتشمل قطاعات اخرى حولتها الى امبراطورية مترامية الاطراف ، مثل شركات متخصصة في الصناعات الثقيلة، وبناء السفن ، وشركة تطوير عقاري وبناء ناطحات سحاب. يكفي ان تعلم ان برج خليفة في دبي ، البرج الاشهر ، ساهمت في بناءه شركة سامسونغ.

اليوم، تعتبر سامسونغ واحدة من اكبر شركات المتعددة الخدمات عابرة القارات، بمئات الآلاف من الموظفين ، وعائدات سنوية بمئات المليارات من الدولارت.

بالتأكيد عندما أطلق بيونغ تشول لي اسم ” النجوم الثلاثة ” لشركته الصغيرة لتصدير الاسماك المجففة ، كان طموحا. ولكنه حتما لم يكن يتصور ان طموحه هذا قد يصل الى بناء امبراطورية ضخمة من اضخم امبراطورية الشركات حول العالم ، والتي توازي عائداتها اقتصاديات دول كاملة ، ويعمل فيها مئات الآلاف من الموظفين.

هل كانت البداية من طموح تشول لي ، أم كانت بلحظة ” غيروا كل شيء ” المحورية التي ادت الى النجاح الضخم لسامسونغ.

أو ربما كلاهما : التأسيس الطموح ، والتغيير الطموح أيضاً !

هذه هي قصة سامسونغ التي بدأت من الصفر لتصبح واحدة من أكبر الشركات وأشهرها في العالم، بمئات الآلاف من الموظفين ، وعائدات سنوية بمئات المليارات من الدولارت.

المصدر: عربية فاوندرز

Exit mobile version