كان سكان جزيرة العرب قديماً من فرط حبهم للصقور ينصبون أفخاخهم، لاصطيادها وامتلاكها والاستئناس بها. لكن، الأمر لم يعد كذلك اليوم، بعد أن بات البلد الذي تأوي إليه الطيور في مواسم هجرتها، ينصب أكبر وأول مزاد عالمي في الخليج، لجذب أبرز مزارع إنتاج الصقور العالمية بمشاركة 14 دولة من مختلف دول العالم في مهرجان كبير يمتد إلى أكثر من شهر.
وفي شمال العاصمة السعودية الرياض، في بلدة (ملهم) الصغيرة باتت الطيور الجارحة الباهظة الثمن ترفرف بأجنحتها العملاقة على وقع أصوات (الدلالين) المبحوحة، وسط مزايدات من الوفود الذين على يمين كل منهم طائر، له اسمه ولقبه، وتاريخ لسلالته ونشأته الأولى.
الطائر الذي لم يعد شغف حبه مقصوراً على الملوك والأمراء وعلية القوم في الجزيرة العربية، بات اليوم نحو عشرين ألف صقار سعودي وغيرهم من بلدان شتى يزايدون في حبه وقيمته من أجل اقتنائه وتربيته، والسعي لأن يكون منتجاً لنوادر الطيور.
وتهدف السعودية التي تنظم لأول مرة مزاداً دولياً لمزارع إنتاج الصقور في العالم، أن تكون الحاضنة الموثوقة والآمنة للصقارين، والسعي أيضاً لأن تكون سوقاً وقبلة أولى للمهتمين بالطائر الأسرع على وجه الأرض.
أهداف تتحقق
يقول نادي الصقور السعودي، الذي تأسس في يوليو (تموز) 2017، إن البلاد تباع فيها سنوياً صقور تبلغ قيمتها نحو 30 مليون ريال سعودي، (ما يعادل 7.998.933 دولار أميركي)، وإنه يهدف من المزاد إلى توفير منصة عالمية، ومزاد فريد من نوعه للصقارين القادمين من مختلف أنحاء العالم، كما أنه يدعم مزارع إنتاج الصقور ويعزز الإنتاج في السعودية.
والأهداف التي سعى النادي لتحقيقها قد رأت النور بعد 48 ساعة فقط من انطلاق المزاد الأكبر على مستوى الدول الخليجية، إذ حقق المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور صفقة قياسية لبيع صقر نادر بمبلغ 270 ألف ريال (أكثر من 71 ألف دولار)، في ثاني ليالي المزاد المباشر، ليكون بذلك أغلى صقر إنتاج سعودي (حر من حر)، كما يعد الأغلى على مستوى مزارع الشرق الأوسط.
وكان الصقر القادم من مزرعة العرادي السعودية، قد شهد منافسة قوية للظفر به، ويبلغ طوله 17 إنشاً ونصف الإنش، وعرضه 17 إنشاً إلا ربع، ووزنه 1105 غرامات.
المزاد الذي بات مصدر رزق للفقراء وصغار المربين بات المسير على سجادته الحمراء نحو القاعة التي تتميز بالديكورات العصرية والأسقف المضاءة بألوان الطيف حلماً بالنسبة إلى كثيرين، إذ ثمة لجان لخبراء في الطير لا تسمح بدخول المزاد إلا وفق مقاييس محددة للطيور المنتقاة.
لكن ثمة أملاً في المعرض المجاور، الذي يؤكد القائمون على المهرجان أن طيوراً بيعت فيها بأسعار تفوق ما يدخل للمزاد في سياسة (العرض والطلب)، وذلك من أجل منح الفرص للجميع.
وفي اليوم الثالث من المزاد، الذي شهد مشاركة من مزارع فرنسية وإنجليزية، عُرضت 5 صقور، وبيعت بـ 300 ألف ريال (أي ما يعادل 79.989 دولار أميركي).
وبدأت المزايدة على الصقر الأول ونوعه فرخ “جير بيور” من مزرعة “أس بي فالكونز” الفرنسية، الذي يبلغ عرضه 18.5 إنش وطوله 18.5 إنش ووزنه 1430 غراماً، وبيع بعد لحظات من المزايدة عليه بـ 61 ألف ريال (ما يعادل 16.264 دولار أميركي).
وكانت الصفقة الأغلى لليوم الثالث من نصيب مزرعة فوكس الإنجليزية، إذ بِيع صقر من نوع “جير بيور”، يبلغ عرضه 18.5 إنش وطوله 17.5 إنش ووزنه 1440 غراماً بـ 80 ألف ريال.
المنتجون سعداء
يقول فيليب، وهو مشارك فرنسي شغفه حب الطير في أيام صباه، لـ “اندبندنت عربية”، “السعوديون متمسكون جداً بثقافتهم، وهم يعتنون بالطيور بشكل كبير”.
ويضيف الفرنسي، الذي يصف تجربته بـ”الرائعة”، “نقضي أياماً جميلة، ونراهن على أن العام المقبل سيكون أجمل، إذ سنجلب أفضل الصقور إلى هنا”.
ويقول لارس سيقو، وهو مرب يبلغ من العمر 52 سنة، “نحن سعداء لأننا في السعودية. هذا المزاد هو الأفضل في العالم، الصقارون في الخليج هم الأفضل دائماً في تربية الصقور وإنتاج سلالاتها”.
ويضيف، “علاقتي بدأت مع حب الصقر حين كنت أبلغ من العمر ثماني سنوات، بعد مشاهدتي فيلماً يحكي عن الطير الجارح”.
أما حمد الثبيتي، وهو مرب ومنتج للطيور، فيقول “أعتقد أننا صنعنا فرصاً كبيرة ليس للسعوديين فحسب، إنما لجميع المهتمين بتربية الصقور من مختلف العالم. نحن نشترك مع دول العالم في الهواية.”
ويضيف الثبيتي أن بلاده جمعت “الهواية والهوية وموروثاً مرتبطاً بحب الصقر، وهذا عامل كبير يسهم في نجاح هذا المزاد العالمي الذي سيكون داعماً كبيراً للشركات السعودية ومزارع إنتاج الطيور”.
تشارك في المزاد مزارع إنتاج محلية وعالمية من 14 دولة (اندبندنت عربية)
ويؤكد سلطان المواش، وهو متخصص صقور في السعودية، وعضو لجنة مزاين الصقور في مهرجان الملك عبد العزيز، “المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور قدم خدمة كبيرة للصقّارة في المملكة من خلال استقطاب أفضل المزارع في العالم، لعرض مُنتجها، إذ أسهم في توفير كثير من الجهد والمال على الصقّارة والراغبين في اقتناء أفضل الصقور، وهو أمر يُشكر عليه نادي الصقور السعودي”.
الجزيرة العربية نقطة عبور
بالحديث عن اعتناق حب الصقور، يؤكد المهتمون أن الجزيرة العربية “لا تزال معبراً مهماً للصقور المهاجرة من وسط آسيا وشرق أوروبا إلى أفريقيا”، حيث يكمن الصقّارون للصقور في صحارى شمال الجزيرة العربية، لصيدها مع انكسار صيف كل عام، كما تستوطن بعض أنواع الصقور جبال الجزيرة العربية وتتكاثر فيها.
وتحظى تربية الصقور بقدر كبير من الاهتمام في السعودية في مختلف مناطقها، وهو أمر دعا الحكومة إلى إنشاء ناد كبير يهتم بها، كما تشارك في المهرجانات بأجنحة مخصصة لعرض الصقور الحية، ولا تغفل عن تقديم دروس مخصصة في تربية الصقور وتدريبها والتعريف بأهمية هذا التراث وأصالته في منشآت متخصصة، وتتشارك مع باقي دول الخليج في منع صيدها بالبنادق، والحد من الصيد الجائر والالتزام بالقوانين المفروضة، وذلك للحفاظ على توازن الأنواع المهددة بالانقراض.
المصدر: اندبندنت عربية