بينها “الطاقة الزرقاء”.. أغرب مصادر الطاقة النظيفة على وجه الأرض

على الرغم من أن اكتشاف الطاقة الشمسية يعود إلى القرن التاسع عشر تحديدًا في عام 1839، حين اكتشف الفيزيائي الفرنسي ألكسندر إدموند بيكريل التأثير الكهروضوئي (PV) وهو إنشاء شحنة كهربائية نتيجة التعرض للضوء من خلال تحفيز الإلكترونات في المعادن مثل السيلينيوم أو البلاتين بصفتها موصلات.

وطور ألكسندر ستوليتوف من بعد الفكرة، عبر اختراع أول خلية شمسية بناءً على التأثير الكهروضوئي في أواخر القرن التاسع عشر. فإن هذه الصناعة لم تبدأ في النمو حتى طورت شركة «Bell Labs» خلية شمسية قائمة على السيليكون في الخمسينيات من القرن الماضي.

ورغم مرور كل تلك السنوات لم تجد الطاقة المتجددة فرصتها في الانتشار عالميًّا حتى يومنا هذا، كونها مكلفة للغاية وتحدث عبر عمليات معقدة أعاقت انتشارها، ما جعل العلماء ينكبون على محاولات أخرى للوصول إلى مصادر طاقة نظيفة أخرى تكون أقل تكلفة أو تكون أكثر انتشارًا.

وفي طريقهم لذلك تفاجأ العالم بالعديد من المصادر الغريبة التي يمكنها توليد الكهرباء، وفي السطور القادمة نأخذكم في جولة للتعرف إلى بعضها.

1- الفيروسات:

يمكن للفيروسات أن تغير موازين العالم وتغلق الدول مثلما فعل فيروس كورونا المستجد، إذ يستطيع الضار منها، قتل الإنسان والحيوان، لكن ما قد لا تعرفه عن الفيروسات أن بعض أنواعها يمكن أن يكون مصدرًا للطاقة الكهربية وأن «M13 bacteriophage» هي كلمة السر.

فتلك «الفيروسات العاثية» التي لا ترى بالعين المجردة يمكنها أن تولد شحنة كهربية تسمح بفحص مجاهر المسح الإلكتروني، وإشعال ولاعات السجائر، ويمكن للشحنات الصادرة عنها تشغيل هواتف محمولة، وغيرها من الاستخدامات، عبر «الكهرباء الانضغاطية» والتي تعني: «تراكم الشحنة الكهربائية في بعض المواد الصلبة استجابة لإجهاد ميكانيكي».

وقد توصل إلى ذلك الاكتشاف الباحثون في «Berkeley Lab» بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، عبر ابتكار مولد رقيق ينتج تيارًا كافيًا لتشغيل شاشة صغيرة من الكريستال السائل، عن طريق الخصائص الكهروضغطية لمادة بيولوجية (الفيروسات).  ويعمل المولد عن طريق النقر بالإصبع على قطب كهربائي بحجم طابع بريد مغطى بالفيروسات المصممة هندسيًّا، لتقوم الفيروسات بتوليد شحنة كهربائية.

وقد اختبر سونج ووك لي، عالم هيئة التدريس في قسم العلوم البيولوجية الفيزيائية بـ«بريكلي لاب» وفريقه قدرة هذه الفيروسات، وتأكدوا من أن لديها قدرة كهربائية انضغاطية بشكل طبيعي، ثم عززوا فيها هذه القدرة عن طريق تعديلها وراثيًّا للحصول على نتائج مضاعفة.

2- وقلب الأرض المنصهر مصدر نظيف للكهرباء

يمتلك البعض اعتقادًا خاطئًا أن باطن الأرض يمكنه أن يمدنا فقط بالبترول والفحم والآبار والينابيع، إلا أن الواقع غير ذلك، فتلك الأرض تضم في قلبها مصدرًا آخر للطاقة، ليس ذلك فحسب، بل إنها طاقة يمكنها أن تصمد لمئات السنين، إنها الطاقة الجيوحرارية (Geothermal).

تمتلك الأرض طاقة حرارية مرتفعة جدًّا، ويمكنها أن تنتج كميات ضخمة من الكهرباء، لأنها مخزن لحرارة تجمعت عبر ملايين السنين، فنواة الأرض مثلًا، تحتوي بداخلها على مواد منصهرة قد تصل حرارتها إلى درجة 6 آلاف درجة مئوية، أما القشرة الأرضية التي تقع على عمق من خمسة إلى 60 كيلومترًا، فنجد أن الحرارة بداخلها ما بين 500 وألف درجة مئوية، وتلك الدرجات المرتفعة من الحرارة تولد طاقة تدعى الطاقة الحرارية الجوفية أو الجيوحرارية.

وتتميز الطاقة الحرارية الجوفية بأنها تأتي بكميات ضخمة جدًّا من بقع صغيرة، إذ إن كل ما يتطلبه الأمر هو الحفر على عمق كبير، يبدأ من ألفي متر تحت سطح الأرض.

وكلما زاد العمق ارتفعت درجة الحرارة، وهو ما ينتج طاقة تعادل ما يقارب 250 مليار طن من الفحم، إذ يجري تركيب أنابيب حفر على أعماق كبيرة تصل إلى 5 آلاف متر، ثم تتحول المياه الساخنة إلى بخار يتجه مباشرة نحو توربينات متصلة بمغناطيس كهربائي أو مولد كهربائي يقوم بدوره بتوليد الكهرباء عن طريق البخار الجاف، بينما توجد طريقة أخرى تعتمد على التبخير والدارة المزدوجة وكل طريقة تعتمد على درجة حرارة مختلفة.

ويعود هذا الاكتشاف إلى سنة 1904، عندما قرر عالم يدعى بيرو جينوري خوض تجربة تشغيل مولد كهرباء باستخدام الطاقة الحرارية الجوفية في حقل «لارديلو» (Lardello) بإيطاليا، واستعمل البخار النابع من أعماق الأرض لتشغيل توربين لتوليد الكهرباء بقدرة 15 كيلوواط، وبالفعل نجح وما زال يعمل حتى يومنا هذا.

على جانب آخر، لا يمكن الاستفادة من هذه التقنية عن طريق المحطات الضخمة، لكن يمكن استخدامها في المنازل، فقد بدأت أوروبا في استخدام هذه التقنية عام 1970، وصارت شائعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا وألمانيا والسويد وسويسرا وفرنسا ودول أوروبا الغربية الأخرى، وتعد أكثر مصادر الطاقة النظيفة الشائعة في أيسلندا.

3- الطاقة الزرقاء: طاقة التقاء الماء المالح بالمياه العذبة

تعد المياه أحد المصادر المعروفة للطاقة المتجددة مثل طاقة الشمس والرياح وكذلك تنتج  المياه عن طريق استخراجها عبر السدود مثل السد العالي في مصر، إلا أن الطاقة الزرقاء هنا تعتمد على عملية أخرى لا تحتاج إلى سد؛ وهي طاقة التقاء مياه البحر المالحة مع المياة العذبة والتي ينتج منها الطاقة الزرقاء، وتسمى أيضًا «طاقة الانتقال الأسموزي» أو «الطاقة التناضحية».

كان أول ظهور لتوليد «الطاقة الزرقاء» بوصفها مصدرًا من مصادر الطاقة النظيفة في عام 1954، على يد مهندس بريطاني يدعى آر.إي باتل، واستغرق الأمر سنوات طويلة حتى ظهرت للنور أول محطة فعلية لتوليد الطاقة الزرقاء من خلال شركة «ستات كرافت» في بلدة «توفت» النرويجية عام 2009؛ بقدرة توليد كهرباء تصل إلى أربعة كيلو واط.

4- الثعابين الكهربائية: مصدر من مصادر الطاقة النظيفة!

بهيئة أقرب للثعابين وتصنيف ينتمي لأسماك الشبوط والسلور، اكتسبت هذه الكائنات المفترسة التي تعيش في المياه العذبة اسمها من الشحنات الكهربائية الضخمة التي يمكن أن تولدها عند صعق فريستها أو لردع الحيوانات التي تحاول مهاجمتها، إذ تحتوي أجسام الثعابين الكهربية أو «الرعاد» على أعضاء كهربائية تقدر بنحو 6 آلاف خلية متخصصة، تسمى الخلايا الكهربية التي تخزن الطاقة مثل البطاريات الصغيرة، وتفرز شحناتها عند تهديد الفريسة أو مهاجمتها.

على جانب آخر، يصل حجم الثعابين الكهربائية التي لها أجسام طويلة أسطوانية ورؤوس مسطحة وعادة ما تكون خضراء داكنة أو رمادية في الأعلى مع لون أصفر تحتها، إلى أبعاد ضخمة؛ يتجاوز طولها ثماني أقدام ما يقارب 2.5 أمتار، ووزنها 44 رطلًا (نحو 20 كجم).

يستطيع ثعبان البحر الكهربائي إنتاج ما يصل إلى 650 فولتًا من الكهرباء، وعادة ما يُصدر تلك الشحنات بهدف الدفاع عن نفسه ولتعويض ضعف بصره، ما يجعله درع حماية له من البيئة المحيطة، كذلك يستعمل تلك الشحنات مثل رادار له يكشف عن موقع الفرائس كونه يعيش عادة في المياه الضحلة والمظلمة، إلا أن العلماء كان لهم رأي آخر في تلك القدرات الكهربية.

وعليه، تمكن المبتكرون من الوصول إلى طريقة لاستخدام الطاقة التي يولدها الثعبان لتشغيل المنشآت الصغيرة وبات متداولًا في بعض البلدان مثل أحواض السمك في اليابان، التي استغلوها لإضاءة شجرة عيد الميلاد.

5- الدموع وبياض البيض: كلمة السر إنزيم الليزوزيم

ما العامل المشترك بين الدموع وبياض البيض؟ وكيف يمكنهما أن يكونا مصدرًا للطاقة الكهربية وليسا مجرد موصل بل منتج للكهرباء؟

وفق دراسة علمية أُجريت في أيرلندا، ونُشرت في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) 2017 في مجلة «الفيزياء التطبيقية»، يمكن لبياض البيض والدموع توليد الكهرباء بفضل إنزيم يحتويان عليه، وهو إنزيم الليزوزيم المتوفر كذلك في اللعاب وحليب الثدييات. وفقًا للدراسة فإن الإنزيم المضاد للبكتيريا يهاجم جدران خلايا البكتيريا ويضعفها، كما أنه يمتلك خاصية تسمى «الكهربية الإنضغاطية»، مما يعني أن الإنزيم يمكنه تحويل الطاقة الميكانيكية (عند الضغط عليه) إلى طاقة كهربائية مثلما ذكرنا من قبل عن الفيروسات.

فيما أوضحت مؤلفة الدراسة الرئيسية إيمي ستابلتون، وهي زميلة دراسات عليا تُدرِّس الفيزياء في جامعة ليمريك في أيرلندا، أن المواد الكهرضغطية (مثل بلورات الكوارتز في الهواتف المحمولة) تعمل عنصر اهتزاز. ومن أجل دراسة الخصائص الكهرضغطية لهذا الإنزيم، طبق العلماء شكلًا بلوريًّا من الإنزيم على الأفلام موضع الدراسة، ثم طبق الباحثون القوة الميكانيكية على هذه الأفلام وسجلوا كمية الكهرباء المتولدة.

ليجد العلماء أن الليزوزيم يمكنه توليد الكهرباء تمامًا مثل الكوارتز، لكن الليزوزيم مادة بيولوجية، لذلك يمكن أن يكون لها تطبيقات طبية كونه مادة «غير سامة»، فمن الممكن استخدام الليزوزيمات لتشغيل الأجهزة الطبية الحيوية المستخدمة في أجسام الناس.

المصادر السابقة ليست فقط ما يمكن الحصول منها على الكهرباء، بل يوجد غيرها الكثير مثل بقايا القهوة، والطحالب  وكذلك التنفس في حد ذاته، والسكر، وناتج العملية الإخراجية للإنسان، والكحول، وحرارة جسم الإنسان، والرياح الشمسية، وبقايا الطعام، والقمامة وغيرها من مصادر الطاقة النظيفة التي يسعى العلماء كل يوم لاكتشاف الوجه الآخر لها في محاولة سد احتياجات العالم للطاقة.

المصدر: مواقع إلكترونية