حصل العلماء على لمحة عما يحدث داخل الثقوب السوداء، إذ يشير أشار نموذج رقمي جديد مبني على موجات الجاذبية التي اكتشفت للمرة الأولى قبل نحو 10 سنوات، إلى ما يجري داخل تلك الأجرام الكونية الغامضة. وفي نهاية المطاف، قد يساعدنا ذلك العمل الجديد على فهم ما يحدث حينما تتصادم تلك الثقوب مع بعضها بعضاً، مع ملاحظة أن ذلك التصادم قد يكون الحدث الكوني الأكثر دراماتيكية والأشد قسوة.
وتذكيراً، اكتشفت موجات الجاذبية للمرة الأولى في عام 2015، حينما استخدم العلماء معدات واسعة ودقيقة لرؤية التذبذبات في النسيج الكوني للزمان والمكان التي تحدث حينما تتصادم الثقوب السوداء، فتحدث نوعاً من الاضطراب يمتد في جميع أنحاء الكون. ومنذ ذلك الحين، تمكن العلماء من رصد 100 حادثة لتصادم واندماج للثقوب السوداء، عبر التقاط إشارات موجات الجاذبية الناتجة من كل واحدة من تلك الحوادث.
[اعتبر العالم ألبرت أينشتاين أن الكون يتحدد بالزمان والمكان، وهما نسيج واحد متداخل، يسمى الزمكان، فكأن الكون كله غطاء سميك ممدود على اتساعه، وكل حركة عليه تتضمن بصورة أساسية تأثيراً في الزمان والمكان].
وبالتالي، شبه العلماء دراستهم لنماذج عن تصادم الثقوب السوداء، بعملية هز صندوق مغلق واستخدام الصوت الذي يخرج لمحاولة فهم طبيعة ما بداخله. ويشير ذلك التشبيه إلى أن الاهتزاز يماثل اصطدام ثقبين أسودين، فيما الصوت الذي يصدر عن عملية الهز هو موجات الجاذبية التي تنبعث منها، ما يتيح للعلماء دراستها.
واستطراداً، استخدم البحث الجديد بيانات تضمنت المعلومات عن إشارات موجات الجاذبية [التي جمعت من رصد 100 حادثة تصادم واندماج بين ثقوب سوداء] لتحسين النماذج الرقمية عن تلك الحوادث الكونية. ويجب أن يتيح ذلك للعلماء رسم خريطة عن بنية ما يحدث في داخل الثقوب السوداء، بالتالي سيضع العلماء نظرية أينشتاين عن النسبية العامة تحت اختبار تلك المعطيات التي هي بمثابة محك صعب لتلك النظرية.
وحتى الآن استندت النماذج العلمية إلى التفاعلات “الخطية” [يعني ذلك أنها تسير بشكل منتظم ومضبوط، ما يتيح دراستها بأساليب الرياضيات التقليدية التي تتضمن معادلات تقليدية توصف بأنها خطية أيضاً]. بالتالي، تعمل تلك النماذج بشكل جيد، لكنها تبقى محدودة [مقيدة بمعادلات الرياضيات التقليدية التي تستند إليها، وتقدر على تقديم وصف للأنماط المنتظمة وحدها]، لأنها لا تأخذ في الاعتبار أنواعاً أخرى من السلوك. واستطراداً، تركز الدراسة الجديدة على للتفاعلات غير الخطية [أي السلوك المضطرب وغير المنتظم] بغية تحسين النماذج الرقمية بما قد يصل إلى 10 في المئة. وكذلك ستساعد النماذج نفسها في عمليات مراقبة الكون، إذ يتوقع أن يكتشف العلماء مزيداً من الثقوب السوداء المتصادمة. وبحسب ماكارينا لاغوس، مؤلف مشارك في الورقة التي احتوت الدراسة الجديدة، “هذه خطوة كبيرة في إعدادنا للمرحلة التالية من اكتشاف موجات الجاذبية، والتي ستعمق فهمنا للجاذبية، وكذلك تلك الظواهر المذهلة التي تحدث في أقاصي الكون”.
وتذكيراً، إن مرصد “ليغو” LIGO [مختبر أميركي ضخم يدرس تموجات الجاذبية الآتية من خارج الأرض، باستخدام الأشعة الليزر]، الذي اكتشف موجات الجاذبية الكونية للمرة الأولى في 2016، قد فصل عن الإنترنت منذ عام 2020 بسبب وباء كورونا. وفي المقابل، ينتظر أن يعاد تشغيله مع أنظمة جديدة في السنوات المقبلة، ما قد يوصل إلى اكتشاف مزيد الثقوب السوداء مع تفاصيل أكثر عنها.
نشرت دراسة تفصيلية عن نموذج اللاخطية في رنين الثقب الأسود Nonlinearities in Black Hole Ringdowns في مجلة “فيزيكال ريفيو ليترز” Physical Review Letters.
© The Independent