في محاولة للتقدم في عالم الصناعة المتطورة، قام علماء صينيون بتسخين حلقة من البلازما لدرجة حرارة تساوي تقريباً 5 أضعاف من درجة حرارة الشمس.
وأطلقوا عليها “الشمس الاصطناعية”، حيث سجلت رقماً قياسياً عالمياً جديداً، بحسب وسائل الإعلام الحكومية.
ووفقاً لوكالة أنباء شينخوا، فإن “إيست” (EAST) مفاعل الاندماج النووي، استطاع أن يحافظ على درجة حرارة ثابتة لمدة 1056 ثانية، بلغت 70 مليون درجة مئوية.
ويقود هذا الإنجاز العلماء إلى خطوة صغيرة لكنها مهمة نحو إنشاء مصدر للطاقة النظيفة المستدامة عبر تفاعل الاندماج النووي.
وبحسب موقع “لايف سينس” العلمي الشهير فقد تم بذلك تحطيم الرقم القياسي السابق، الذي سجله الفرنسي توري سوبرا توكاماك عام 2003 حيث ظلت البلازما عند درجات حرارة مماثلة لمدة 390 ثانية.
وكان مفاعل “إيست” قد سجل سابقًا رقمًا قياسيًا آخر في مايو/ أيار 2021 من خلال بلوغ حرارة 120 مليون درجة مئوية لمدة 101 ثانية.
لماذا نحاول الوصول والحفاظ على درجات حرارة هائلة؟
في هذا الصدد، قال قائد التجربة “قونغ شيانزو”، وهو الباحث في معهد فيزياء البلازما التابع لأكاديمية العلوم الصينية إن “العملية الأخيرة تضع أساسًا علميًا وتجريبيًا قويًا لتشغيل مفاعل الاندماج”.
ويحاول العلماء الاستفادة من قوة الاندماج النووي أي العملية التي تحترق بها النجوم لأكثر من 70 عامًا، من خلال دمج ذرات الهيدروجين لتكوين الهيليوم تحت ضغط ودرجات حرارة عالية للغاية بحيث يمكن تحويل المادة إلى ضوء وحرارة، وتوليد كميات هائلة من الطاقة دون إنتاج غازات أو نفايات مشعة طويلة الأمد.
لكن تكرار الظروف الموجودة داخل النجوم ليس بالعمل اليسير. ويعد “التوكاماك” التصميم الأكثر شيوعًا لمفاعلات الاندماج، إذ يعمل عن طريق التسخين الفائق للبلازما قبل حصرها داخل حجرة مفاعل على شكل كعكة دائرية ذات مجالات مغناطيسية قوية.
تكاليف هائلة ومشروع أكبر بكثير قيد التطوير:
بحسب “لايف سينس”، من المتوقع أن يكلف “إيست” الصين أكثر من تريليون دولار بحلول الوقت الذي تنتهي فيه التجربة في يونيو/ حزيران. وكان التعامل مع بلازما ساخنة بدرجة كافية للانصهار إحدى العقبات الرئيسية في التجربة.
ويتم استخدام “إيست” لاختبار التقنيات لمشروع اندماج أكبر وهو “أيتير” (ITER) المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي الذي يتم بناؤه حاليًا في مرسيليا بفرنسا.
ومن المقرر أن يكون “أيتير” أكبر مفاعل نووي في العالم وهو نتاج تعاون بين 35 دولة، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والصين والهند والولايات المتحدة.
ويحتوي “أيتير” على أقوى مغناطيس في العالم، مما يجعله قادرًا على إنتاج حقل مغناطيسي بقوة تعادل 280.000 مرة قوة الحقل الموجود حول الأرض، بحسب “لايف سينس”.
ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل مفاعل الاندماج عام 2025.
وتتابع الصين أيضًا المزيد من برامجها الخاصة لتطوير قوة الاندماج النووي، فهي تجري تجارب اندماج حصر داخلي وتخطط لإكمال توكاماك جديد بحلول أوائل عام 2030.
الاندماج النووي… إلى أين وصل العلم؟
يسعى العلماء إلى محاكاة الشمس والنجوم في تسخير الاندماج النووي الذي يدمج ذرات الهيدروجين لتكون عناصر أكبر وأثقل مثل الهليوم.
وبينما تعتمد الشمس على الجاذبية في صهر الذرات ومزجها ببعضها البعض؛ يلجأ العلماء على الأرض إلى وسائل أخرى مثل استخدام حقل مغناطيسي بالغ الشدة كما في مفاعل “توكاماك” لإنشاء حرارة تكفي لدمج أنوية الذرات.
وتشير الأبحاث إلى أن مقدار الديوتريوم (وهو شكل مستقر من الهيدروجين يحتوي على بروتون واحد ونيوترون واحد) في لتر واحد من مياه البحر قادر على توليد طاقة تعادل 300 لتر من الغازولين من خلال طاقة الاندماج النووي.
كان التحدي الذي يواجه العلماء يكمن بالحفاظ على البلازما لفترة طويلة في وسط ساخن بما يكفي لحدوث الاندماج، ويجب أن يكون هذا الوسط أكثر سخونة من الشمس؛ لأن جاذبية الشمس القوية تذيب أنوية الذرات وتدمجها ببعضها البعض، وهو أمر لا نستطيع محاكاته أو تكراره على كوكب الأرض.
غير أن تكنولوجيا الاندماج النووي ما زالت تستعصي على العلماء في الوقت الحالي وتكتنفها صعوبات جمة، ويبدو أن حلم إنشاء شمس اصطناعية تمدنا بالطاقة النظيفة على الأرض سيظل حلما يراود العلماء لعدة عقود مقبلة.
وبالرغم من أن الاندماج النووي يبشر بآفاق واسعة في توليد الطاقة النظيفة؛ فإن تسخيرها والتحكم فيها ما زال تحديا؛ إذ لم يصل العلماء حتى الآن إلى النقطة التي يولد فيها مفاعل الاندماج طاقة أكثر مما يستهلكها؛ وهذا ما يجعلها غير مجدية اقتصاديا على الإطلاق، لكن بعض الخبراء يرون أننا نقترب من ذلك.
والطاقة الناتجة عن دمج الذرات أكبر بكثير من الطاقة الناتجة عن الانشطار النووي، وهي التكنولوجيا المستخدمة في إنتاج الطاقة النووية.
وبالمقارنة؛ فإن الدمج النووي لا يخلف أي غازات تسبب الاحتباس الحراري أو وقود نووي مشع ومخلفات خطيرة تهدد صحة البشر لآلاف السنين، فضلاً عن التكاليف الباهظة لصيانتها.
حيث أصبحت مقصداً لاهتمام علماء البيئة والمهتمين بالحفاظ على النظام البيئي متوازناً، خوفاً من أي اختراع يؤثر في حيويته.