كثيراً ما تتم عمليات اكتشاف الآثار التاريخية عن طريق الصدفة، وقد تتم الاكتشافات بعد البحث والتنقيب المجهد.
وفي عملية اكتشاف فريدة من نوعها، تم الإعلان عن اكتشاف 44 قطعة نقدية تاريخية مصنوعة من الذهب الخالص داخل محمية بانياس، من قبل سلطة الآثار التابعة للاحـ.ـتلال في هضبة الجولان السوري.
حيث تم الاكتشاف أثناء أعمال حفر شهدها الموقع لتحسين البنية التحتية لشبكة الكهرباء وإيصالها لموقع النبي خضر المقدس للطائفة العربية المعروفية.
ويوضح الباحث في الآثار وليد أطرش أن بعض هذه القطع الذهبية تحمل اسم القيصر البيزنطي فوكاس (610-602 ميلادي)، وبقية العمل تحمل اسم القيصر هرقل (641-610)، وقد صكتّ عشية الفتوحات العربية الأموية.
ويوضح أطرش لـ “القدس العربي” أن القطعة الذهبية الواحدة تزن 170 غراماً، وقد عثر على الكنز داخل أساس لجدار مبني من حجارة الرماد خلال الفتح العربي الإسلامي للمنطقة، منوهاً أن المكتشفات توفّر صورة للحظة زمنية حساسة، ويمكننا تخيل صاحب القطع الذهبية وهو يخبئها في المكان خوفاً عليها نتيجة المعارك الدائرة آملاً أن يعود لاحقاً ليستردها، ويبدو أنه لم يكن محظوظاً.
ويتابع: “هذا المكتشف يسلط الضوء على الناحية الاقتصادية في منطقة بانياس في تلك الفترة التاريخية، خاصة خلال الأربعين سنة من الحكم البيزنطي في مدينة بانياس في الجولان.
كما تساهم القطع الذهبية هذه في الاطلاع على تاريخ الحياة البشرية في منطقة الجولان في فترات مختلفة، خاصة أنه قد اكتشفت في الآونة الأخيرة كنيسة بيزنطية ربما تعود للقديس بطرس، وفق ما يقول أطرش، منوهاً أنه في بدايات حكم القيصر هرقل كانت القطع الذهبية المتداولة تحمل صورته فحسب، ولاحقاً صارت تحمل صور أفراد عائلته أيضاً.
ويضيف: “تماماً يمكن ملاحظة مسيرة تزايد أبنائه ممن نُقشت صورهم على مثل هذه القطع النقدية الذهبية منذ طفولتهم وحتى صاروا رجالاً، وطول كل منهم بطول والدهم، الذي نقشت صورته ملتحياً”.
علاوة على القطع الذهبية اكتشفت خلال أعمال الحفر في القسم الغربي الشمالي من مدينة بانياس الأثرية أطلال مبان وقنوات لتزويد المياه وأفران لصناعة أوان رخامية وقطع فخارية وزجاجية وقطع نقدية معدنية مصنوعة من البرونز تعود لنهاية الحقبة البيزنطية (مطلع القرن السابع ميلادي) وبعضها الآخر يعود للقرنين الحادي عشر والثالث عشر.
يشار إلى أن مدينة بانياس في الجولان السوري المحتل باتت محمية طبيعية منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وهي موقع تاريخي فيه آثار كنعانية في مركزها هيكل للإله بعل.
وفي الفترة الإغريقية كانت بانياس موقعاً مقدساً جرت فيه طقوس عبادة للإله بان، ومن هنا اشتقت التسمية “بانياس”، وقد بلغ الموقع ذروة ازدهاره في الحقبة الرومانية خاصة في فترة حكم الإمبراطور هيرودوس، ومن بعده فيليبوس، الذي قام بتطوير المكان. وفي المسيحية اشتهرت بانياس بكونها المكان الذي قدم فيه السيد المسيح لتلميذه بطرس مفاتيح مملكة السماء.
وفي الفترة الصليبية حاول الصليبيون تعزيز تحصين الموقع عام 1129 ليكون قاعدة للانطلاق لاحتلال دمشق، لكن العرب والمسلمين قطعوا عليهم الطريق بسرعة واحتلوا مدينة بانياس عام 1132.
ومن المكان يمرّ نهر بانياس، ويتدفق على مدار الأيام بغزارة لافتة، وهو واحد من مكونّات نهر الأردن، سوية مع نهري الحاصباني ودان، حيث تلتقي الأنهر الثلاثة قريبا من بانياس، في الجليل الأعلى داخل الأراضي الفلسطينية، وتعتبر محمية بانياس واحدة من الواحات المدهشة في جمالها ووفرة عوامل الجذب السياحي فيها، من مياه وغابات وآثار وغيره.
إذ تزخر الطبيعة هنا بالغابات دائمة الخضرة، والمياه من أنهار وبحيرات تصنع شلالات أحياناً، إلى جانب بعض الآثار التاريخية العريقة.