اقتصاد

تنافس محموم بين الدول الكبرى على خام “الليثيوم” في القارة السمراء.. التفوق صيني

تشهد أفريقيا تنافساً محتدماً بين الدول الكبرى على خام “الليثيوم”، وهو التنافس الذي وصفته تقارير غربية بأنه أشبه بـ “الحرب الباردة في قطاع التعدين”، وسط تفوق صيني ملحوظ هناك، حيث أنفقت بكين المليارات على إبرام صفقات خاصة داخل القارة، لتعزيز قبضتها على المناجم، لا سيما في زيمبابوي، صاحبة أكبر احتياطي بالقارة.

يُعرف الليثيوم بـ “الذهب الأبيض”، وهو أخف عنصر صلب في الجدول الدوري.

إمكاناته الكهروكيميائية العالية تجعله مهماً لبطاريات السيارات الكهربائية.

يتم إنتاجه من المحاليل الملحية في أميركا اللاتينية أو أجسام خام الصخور الصلبة في أستراليا (المنتج الرئيسي) وأجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك إفريقيا والصين.

من المتوقع أن يؤدي الطلب السريع بصناعة السيارات الكهربائية إلى زيادة تقارب خمسة أضعاف في الطلب على الليثيوم بحلول العام 2030.

ويعتبر تأمين إمدادات ليثيوم “موثوقة وكافية”، من بين أبرز التحديات التي تواجه شركات صناعة السيارات في العالم، فيما يتعلق بمساعيها لإنتاج المزيد من السيارات الكهربائية.

الصين تربح المنافسة “حتى الآن”

تحت عنوان (كيف تربح الصين السباق على الليثيوم في إفريقيا)، نبَّه تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، إلى السباق العالمي على “الليثيوم” في القارة السمراء.

من بروكسل إلى لندن إلى واشنطن، بلغ القلق بشأن الوصول إلى المعادن الحيوية أعلى مستوياته على الإطلاق بعد الحرب في أوكرانيا.

بنت الصين موقعاً مهيمناً على عديد من المعادن الضرورية لانتقال الطاقة، بما في ذلك الكوبالت والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة.

يستعد الغرب لإنفاق مئات المليارات من الدولارات لمحاولة اللحاق بالركب.
وتبرز القارة السمراء كساحة للتنافس بين القوى الدولية للاستحواذ على الليثيوم والمعادن النادرة الأخرى. ويحظى الليثيوم بأهمية خاصة بوصفه “سلاح استراتيجي” لكونه يُستخدم في عددٍ من الصناعات الأساسية، ومن ثم يعد مكوناً مهماً في الاقتصاد العالمي، وبما يعزز التنافس الواسع عليه.

هذا ما يؤكده عضو مجموعة الخبراء الدوليين للطاقة، هشام عقل، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، والذي يُعدد أوجه استخدام “الليثيوم”، بدءاً من السيارات الكهربائية ووصولاً إلى الأجهزة (الهواتب والكمبيوتر والكاميرات وغير ذلك).

ويضيف عضو معهد اكسفورد لدراسات الطاقة:

القارة السمراء تعتبر موطناً رئيسياً لما يزيد عن 30 بالمئة من احتياطيات المعادن بصفة عامة حول العالم، ومن بينها الليثيوم.

تتمتع عديد من الدول في القارة بتوافر الليثيوم، من بينها زيمبابوي وناميبيا والكونغو ومالي.

ثمة تنافس تشهده القارة بين القوى الدولية على الليثيوم في أفريقيا، لا سيما بين واشنطن وبكين.

سباق صيني أميركي على المزيد من الثروات الأفريقية

ويشدد على أن البلدين يسعيان إلى الحصول على مزيد من الثروات المتوافرة بالقارة، لا سيما في قطاع التعدين، وذلك مقابل إغراءات مختلفة من بينها القروض والمساعدات ومشروعات التنمية في دول أفريقية وغير ذلك.

ويُبرز عقل في الوقت نفسه مساعي روسيا أيضاً ودخولها على خط المناسة، من خلال السعي للاستحواذ عديد من المناجم الاستراتيجية، مستغلة دور قوات فاغنر الآخذ في التوسع ببعض الدول.

ويريد الاتحاد الأوروبي وعدد متزايد من الولايات الأميركية مثل كاليفورنيا ونيويورك التوقف عن بيع سيارات البنزين والديزل بحلول العام 2035 ، وهو الموعد النهائي الذي لا يترك سوى القليل من الوقت لاكتشاف رواسب الليثيوم الجيدة وتطويرها لإنتاج ثابت. خوفاً من حدوث نقص أعمق، وقد استثمرت شركات صناعة السيارات مثل جنرال موتورز في المناجم.

ووفق تحليل الفاينانشال تايمز، فإنه:

إذا تمكنت إفريقيا من طرح مشاريع الليثيوم بسرعة هذا العقد، فسوف تقطع شوطاً طويلاً في الخروج من عنق الزجاجة في تحول الطاقة.

تتوقع شركة ترافيغورا العملاقة لتجارة السلع الأساسية أن تزود إفريقيا بخمس الليثيوم في العالم في العام 2030.

المحللة في”ريستاد إنرجي” سوزان زو، تقول إن القارة “يمكن أن تكون نجماً صاعداً لمعادن الليثيوم.

وبالعودة لتصريحات عضو معهد اكسفورد لدراسات الطاقة، هشام عقل، لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإنه يلفت إلى ارتفاع الطلب على البطاريات حول العالم، في خطٍ متوازٍ مع تقديرات ارتفاع حصة السيارات الكهربائية إلى نحو 50 بالمئة من قطاع السيارات عالمياً بحلول 2030، وهو ما يعزز الاهتمام الواسع بالليثيوم.

ويتحدث في السياق نفسه حول تزايد المخاوف الأميركية والغربية من تنامي النفوذ الصيني في القارة، وتوسيع سيطرة بكين على المعادن الأفريقية، مشيراً إلى أن “التنافس الدولي على معدن الليثيوم في أفريقيا مرشح للتصاعد خلال السنوات القليلة المقبلة”، وذلك في وقت تتوقع فيه وكالة الطاقة الدولية تضاعف الطلب على الليثيوم 40 مرة بحلول العام 2040.

ويلفت إلى أن بكين تسعى إلى تنويع مصادر الحصول على “الليثيوم” وتعتمد في ذلك على القارة الأفريقية، حتى أن ثلاث شركات صينية وخلال أشهر قليلة (من نهاية 2021 وحتى مارس 2022) استحوذت على حصص مختلفة في مناجم في زيمبابوي، لتعزز مكانتها كلاعب رئيسي في هذا القطاع داخل القارة، وبالنظر لما تتمتع به الشركات الصينية من نفوذ واسع في قطاع التعدين بدول أخرى مثل الكونغو الديمقراطية.

حرب باردة من نوع آخر

وأبرزت صحيفة فاينانشال تايمز، في تقريرها المشار إليه، مستوطنة “Uis” في جمهورية ناميبيا (غرب القارة السمراء)، والتي تُعد “نقطة ساخنة” وغير متوقعة لما وصفته الصحيفة بـ “الحرب الباردة المعدنية” حول مستقبل السيارات الكهربائية.

ووصفت هذا المكان بأنه “قريباً سيكون موقع هذا المنجم جزءًا من سباق عالمي لليثيوم”.

المنجم الواقع على بعد أقل من 300 كم من ميناء “والفيس باي” الإقليمي الرئيسي، يُعتقد -طبقاً لرئيس التنفيذي لشركة “أندرادا للتعدين” أنتوني فيلغوين، بأنه سيكون “ذات أهمية عالمية” ليس فقط بالنسبة لليثيوم ولكن معادن أخرى مهمة في انتقال الطاقة، مثل القصدير والتنتالوم.

وتنتظر تلك المنشأة منافسة قوية، لا سيما بعدما بدأ الشهر الماضي أول مصنع مملوك للصين في أفريقيا الإنتاج التجريبي من منجم “أركاديا”، في زيمبابو (التي تعد الدولة التالية في أنظار المستثمرين الصينيين بعد ناميبيا في هذا السياق).

اشترت المنجم شركة “Huayou Cobalt” الصينية، في2021، بقيمة 422 مليون دولار، ويعد جزءاً من “موجة مليارات الدولارات الأخيرة التي أنفقتها الصين على صفقات الليثيوم، في بلد يخشى العديد من المستثمرين الغربيين العمل فيه”.

الصين في المقدمة عندما يتعلق الأمر بتحويل المعدن إلى مواد خام للبطاريات.

قدرت وكالة الطاقة الدولية حصة بكين من طاقة التكرير العالمية بنسبة 58 بالمئة.

إلى أن يتم تشغيل منشآت مماثلة في أوروبا أو الولايات المتحدة أو إفريقيا نفسها، ستكون الصين العميل الرئيسي لليثيوم في إفريقيا.

استثمرت الشركات الصينية في إمدادات الليثيوم في إفريقيا وأميركا اللاتينية حتى عندما كانت أسعار الليثيوم منخفضة.

وفي مواجهة هيمنة الصين على سلسلة توريد الليثيوم، يطرح المسؤولون الغربيون عرضهم الاستثماري للدول الأفريقية كبديل أكثر مسؤولية اجتماعياً، بحسب ما ورد بتحقيق الصحيفة البريطانية.

ويعلق عقل في هذا السياق بالإشارة إلى تزايد المخاوف الأميركية والغربية من تنامي النفوذ الصيني في القارة، مشدداً على أن هذا النفوذ ربما يكون دافعاً إلى مزيد من الانتقادات الغربية لبكين، والتي تشير إلى منح الصين الأولوية لمصالحها على حساب الشعوب الأفريقية (بسبب الآثار الاجتماعية وكذلك البيئية لعمليات التعدين).

ويتابع: “بينما تشير التقديرات إلى ارتفاع الإنتاج القاري في أفريقيا بحلول العام 2030 إلى 497 ألف طن متري من الليثيوم، فإنه يُتوع اشتداد حدة المنافسة الدولية بالقارة”.

أبعاد التنافس الدولي على الليثيوم في القارة السمراء

وفي هذا السياق، نشر إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية في أبوظبي، أخيراً، تحليلاً أبرز فيه أبعاد التنافس الدولي على الليثيوم في أفريقيا، على النحو التالي:

تمتلك زيمبابوي أكبر احتياطي من الليثيوم في أفريقيا، وخامس احتياطي على مستوى العالم.

من أبرز الدول في إنتاج التي تمتلك مناجم الليثيوم إلى جانب زيمبابوي، كل من (ناميبيا والكونغو الديمقراطية ومالي ونيجيريا).

تتلخص دوافع التنافس الدولي على معدن الليثيوم في أفريقيا، في عدد من المحاور، من بينها: (ضخامة الثروات والمعادن الأفريقية، وزيادة الطلب على قطاع البطاريات، و المخاوف من تقلبات النظام الدولي، إضافة إلى التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة).

وسلط التحليل المشار إليه الضوء على تعدُّد اللاعبين الدوليين في سوق الليثيوم الأفريقي، وسط “تفوق صيني”، حيث تركز بكين بشكل متزايد على قطاع التعدين الأفريقي، وخاصةً خام الليثيوم.

ومن المتوقع، حسب ما خلص إليه التحليل، أن تشتد المنافسة الدولية للاستحواذ على كميات أكبر من إنتاج الليثيوم الأفريقي خلال السنوات المقبلة، خاصةً أن التقديرات تشير إلى زيادة إنتاج القارة إلى نحو 497 ألف طن متري بحلول عام 2030.

وإذ يشير الواقع إلى أن أفريقيا لن تكون قوة عالمية في مجال تصنيع السيارات الكهربائية، على الأقل في المديين القريب والمتوسط، بالرغم من توافر الليثيوم وبعض الإمكانات المتاحة؛ فإنه يمكن للأفارقة تحقيق أقصى استفادة من التنافس الدولي على معدن الليثيوم من أجل تعظيم الفوائد الاقتصادية، خاصةً أن أفريقيا ربما تصبح هي المصدر الرئيسي لليثيوم في العالم خلال المرحلة المقبلة.

المصدر: سكاي نيوز عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى