يُطلق “العقيق” النادر على مجموعة من الأحجار الكريمة التي تتكون من مادة السيليكا، وتختلف في أحجامها وأشكالها.
وتتفاوت قيمة الفص من العقيق بحسب مدى ندرته، وخصائصه الروحية.
ويعود جمال هذه الأحجار النادرة إلى المركبات والعناصر الكيميائية داخلها التي تعطيها ألواناً مختلفة.
وتوجد هذه الأحجار في العديد من جبال اليمن كجبال منطقتي آنس وعنس بمحافظة ذمار جنوبي العاصمة اليمنية صنعاء وعقيقها هو الأشهر، وفي جبال خولان في محافظة صنعاء وجبال المحويت وجبال محافظة إب وسط اليمن.
أنواع العقيق وأسعاره
تزيد أنواع العقيق اليمني عن العشرين، منها: العقيق الرماني الأحمر والعقيق المزهر وعقيق الدم وعقيق الجزع وعقيق الشمس وعقيق السجين وعقيق النمر وعقيق أظافر الشيطان وعقيق الفيروز والعقيق السليماني والإسماعيلي والعقيق البقراني والعقيق الطحلبي والعقيق الدخاني أو الأسود والعقيق الكبدي والبني والتمري والأصفر والأخضر والعقيق المصور والمشجر.
“يفوق عدد أحجار العقيق عدد الأحجار الكريمة الأخرى بأضعاف؛ وللعقيق اليمني جاذبية خاصة لدى هواة جمع الأحجار الكريمة من السائحين والمرضى المعتقدين بقدراته العلاجية”، قال عبد القدوس المتوكل، رئيس سمسرة النحاس والعقيق في مدينة صنعاء القديمة.
وشرح المتوكل أن “العقيق له خصائص لونية تميز كل نوع عن غيره؛ وفي الظل يكتسي العقيق بألوان تختلف عن الألوان التي يتزين بها تحت أشعة الشمس وتختلف الأحجار في ما تختزنه بداخلها من صور وكتابات وأشكال”.
وعن سعر العقيق قال: “خصائصه الكثيرة هي ما يحدد سعره؛ فهناك أنواع تراوح أسعار حجرها بين خمسة وعشرين ألف ريال يمني وثلاثين ألفاً أي نحو المئة والأربعين دولاراً؛ وبعضها سعره خمسون ألف ريال يمني، أي ما يعادل مئتي وخمسين دولاراً؛ وكلما كبر حجم الفص زاد سعره وكلما كانت ألوانه أكثر تركيزاً وجاذبية تضاعفت قيمته”.
صعوبات تهدّد المهنة
وقال المتوكل: “هجر صنّاع كثيرون هذه الحرفة التي كانت المرتكز الأساس هنا في سمسرة النحاس بشكل خاص وصنعاء القديمة بشكل عام.
رغم أننا كنا نشجع محترفي هذه المهنة على الاستمرار برغم الاضطرابات الأمنية والأزمات المتعاقبة التي أدت إلى انقطاع السائحين لا سيما الخليجيين.
وهكذا حالت الظروف دون مواصلة أغلب الحرفيين لعملهم، وبعضهم متمرّس فيها منذ القدم وتوارثها عن آبائه وأجداده.
فقد اضطروا للبحث عن أعمال أخرى يحصلون منها قوت يومهم؛ أنا وحرفيون بعدد أصابع اليد نحاول إحياء هذه المهنة حتى لا تنقرض”.
نعمان علي البهلولي، صانع وتاجر للعقيق في صنعاء القديمة، قال: “أعمل في صناعة العقيق منذ أكثر من 35 عاماً.
ورثت هذه الحرفة عن والدي وما زلت حتى اليوم محافظاً عليها كونها موروثاً حضارياً عمره مئات السنين.
أمتلك معملاً في صنعاء القديمة وآخر في ضواحي العاصمة وأقوم بتحويل الحجر الكريم إلى فصوص للخواتم والصدريات (القلادات)”.
وأضاف: “كنت أنتج قبل أن تتأزم الأوضاع الأمنية من ألف إلى ألف وخمسمئة حبة عقيق في الشهر، بل أكثر من ذلك أحياناً، أما الآن فبالكاد أنتج مئتي حبة وأحياناً مئة، بحسب طلب الزبائن الذين يبحثون عن نوع خاص من العقيق”.
حمود محمد أحد، حرفي يبيع العقيق، قال: “تركت هذه المهنة منذ أكثر من أربع سنوات، وتحديداً بعد العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة واستهدفت سائحين أجانب.
الأمر الذي أدى إلى انقطاعهم عن زيارة العاصمة صنعاء وكانوا مصدر دخل كبير لي وكنت أجني بفضلهم أكثر من ثلاثة آلاف دولار شهرياً”.
وأكمل: “كان جميع السائحين يقبلون على شراء العقيق ولا يمكن لأي سائح أن يعود إلى بلاده دون أن يشتري كمية من خواتم العقيق ليوزعها هدايا أو يحتفظ بها كتذكار”.
أحد ترك حرفته القديمة وحالياً يقوم بالمتاجرة بشجرة القات، وخلال مواسم شهر رمضان والأعياد يتاجر ببعض الملابس الرخيصة على رصيف المدينة.
فوائد العقيق في الموروث الشعبي
ساهم الموروث الثقافي الشعبي في أن ينافس العقيق الأحجار الكريمة الأخرى.
فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يضع خاتماً من العقيق وأوصى بالتختم به، وكذلك آل بيته وصحابته.
قال عبد العزيز محسن أحمد، أحد المقبلين بكثرة على شراء العقيق: “للعقيق خصائص تدفع الأمراض وتجلب السعادة والرزق وتطرد السحر وتقي من العين والحسد والغم والفقر ونوبات الصرع والجنون وتزيد من الذكاء وتمكن الإنسان من الانتصار على أعدائه.
ويستخدم العقيق لحبس نزيف الدم ويمنح مرتديه الطاقة والقوة والنشاط عبر اشعاعاته ويساعد على معالجة أمراض الأعصاب وكلّه بإذن الله”.
واستطرد: “تختمت بالعقيق يوم عرسي والحمد لله أحسست بأنه طرد الأرواح الشريرة عنّي، كما أنه حرز يحتمي به العريس من العجز الجنسي والعروس من السحر”.
وعبّر الثلاثيني بدر عبد الله عن حبه للعقيق: “أعشق العقيق اليماني بشكل كبير وأقتني أفضل أنواعه الذي قد يصل سعره إلى مئة ألف ريال (500 دولار)”.
وأشار إلى إصبعه مضيفاً: “هذا خاتم عقيق لا يفارقني أبداً؛ فالعقيق يمنحني البركة ويبعد عني الأرواح الشريرة؛ تستكين نفسي حين ارتدي خاتم العقيق ويجلب لي الحظ كما أن ألوانه المختلفة تبعث فيّ الفرح”.
الأصول التاريخية للعقيق اليمني
الدكتور غيلان حمود غيلان، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية في قسم الآثار في جامعة صنعاء، تحدث عن أصول العقيق اليماني: “تشير الدلائل الأثرية إلى أن صناعة العقيق اليماني ترجع إلى عهود قديمة.
إذ ظهرت رسوم لفصوص العقيق في المنحوتات السبئية والمعينية، كما وُجدت فصوص من العقيق اليماني المصقول بعناية فائقة وإجادة تامة وتعود إلى العصر الحميري”
وأضاف: “ليس ذلك فحسب، بل نقشت على تلك الفصوص رسوم ونقوش حميـ.ــ.ـرية مما يؤكد أن صناعة العقيق في تلك الفترة قد وصلت إلى أعلى المستويات من الإتقان.
فاليمنيون قد استخدموا العقيق كأختام عليها ما يشبه التوقيع لتعبر عن شخصياتهم في جميع المعاملات التجارية والرسائل.
وتجسّدت مكانة العقيق الحقيقة في امتلاك العلماء والفقهاء لخواتم تزينها فصوص العقيق”.
مبالغ ضخمة مقابل بعض الأحجار
عبد الكريم نزار، الخبير في العقيق اليمني قال: “أهوى جمع أحجار العقيق اليماني منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وقد وجدت على مدى مسيرة بحثي فصوصاً عدّة نادرة.
فص يحمل صورة الكعبة المشرفة، وآخر يحمل صورة الحجر الأسود، وفص يحمل صورة القدس وآخر صورة الجنين وسط الرحم، في حين يحمل أحد الأحجار في أحد وجهيه صورة لخارطة سلطنة عمان وفي الوجه الآخر صورة السلطان قابوس بن سعيد، سلطان سلطنة عمان”.
وتابع: “شاركت في العديد من المعارض الدولية. وأنواع العقيق التي يكثر الطلب عليها هي ذات اللون الكبدي والأحمر والرماني وهي أفخر انواع العقيق اليماني، وتأتي هذه الأحجار الكريمة بأحجام صغيرة ومختلفة وبعضها بأحجام كبيرة.
والحرفي البارع هو من يقوم بجلخ الحجر وتنظيفه وتلميعه متابعاً بدقة وتركيز متناهيين الصورة التي يختزنها الحجر حتى يتم إبرازها”.
وروى نزار أنه باع خاتماً من العقيق اليماني، مكتوباً عليه في أحد وجهيه اسم محمد، وفي الثاني تظهر رسوم لغابات من الأشجار، لمواطن سعودي، منذ تسع سنوات، بثمانين ألف ريال سعودي (22 ألف دولار).
كما باع لمواطن سعودي أيضاً فصاً آخر مرسوماً عليه وجه رجل بسبعين ألف ريال سعودي.
ومن الجدير بالذكر أن العقيق اليماني النادر يعتبر أحد أهم الثروات الطبيعية الثمينة التي تعود على البلاد بمبالغ ضخمة.