خلال تاريخها واجهت الأرض عدة عصور جليدية انخفضت خلالها درجات الحرارة بشكل جذري، وانتهى آخر تلك العصور قبل حوالي 12 ألف سنة، ونحن نعيش الآن في ما يسميها العلماء فترة “بين جليدية” ذات درجات حرارة معتدلة.
لكن أكثر تلك العصور الجليدية لفتا للانتباه حصل قبل حوالي 635 مليون سنة، ويصفه العلماء بأنه إحدى أقسى موجات البرودة في تاريخ الأرض، فخلاله وصلت درجات الحرارة في بعض المناطق إلى أقل من 100 تحت الصفر، ووصل الأمر لدرجة أن الجليد غطى كل الكرة الأرضية من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي.
وسميت تلك الظاهرة “فرضية كرة الثلج الأرضية” Snowball Earth hypothesis، وهو اصطلاح صاغه عالم الجيولوجيا من معهد كالتك في الولايات المتحدة الأميركية جوزيف كيرشفينك في الثمانينيات من القرن الماضي، وفي تلك الفترة تشكك العلماء في صحة تلك الفرضية، لكن مع الوقت واجتماع الدلائل من علوم الأرض والمناخ وجدت اهتمام أغلبية العلماء.
وفي هذا الصدد، يعتقد الباحثون أن دخول الأرض في نوبة من الجليد بهذه القسوة كان ذا علاقة بانخفاض مستوى الغازات الدفيئة بالغلاف الجوي (مثل ثاني أكسيد الكربون)، إلى حد أنه تسبب في انخفاض درجات الحرارة بشكل جذري.
لكن انخفاض درجات الحرارة أدى إلى تكوّن مساحات واسعة من الصفائح الجليدية التي عكست ضوء الشمس ولم تمتصه كعادة الكوكب، مما تسبب في المزيد من انخفاض درجات الحرارة، وبالتبعية تكوّن المزيد من الجليد.
هل كانت كرة جليدية حقا؟
يتفق العلماء على أن تلك الفترة شهدت تجمعا للجليد كان الأكبر في تاريخ الأرض، لكنها ربما لم تكن كرة كاملة، بل شبه كاملة.
وحسب دراسة نشرت مؤخرا في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” Nature Communications، فإن الأدلة الجديدة التي تم جمعها في منطقة غابات شينونججيا الشرقية بمقاطعة هوبي الصينية تشير إلى أن الأرض لم تكن متجمدة تماما، بل كانت هناك بقع من المياه المفتوحة في بعض البحار الضحلة في خطوط العرض الوسطى.
وتقع خطوط العرض الوسطى بين مدار السرطان والدائرة القطبية الشمالية وبين مدار الجدي والدائرة القطبية الجنوبية.
وحسب الدراسة التي نشرت في الرابع من أبريل/نيسان الحالي، فقد توصل العلماء إلى تلك النتائج بناء على عينات جيولوجية تعود إلى تلك الفترة من تاريخ الأرض، حيث وجد هذا الفريق أن أنواعا من الطحالب التي عاشت في قاع تلك البحار قبل 600 مليون سنة كانت من النوع الذي يحتاج إلى ضوء الشمس لتحويل الماء وثاني أكسيد الكربون إلى طاقة من خلال عملية التمثيل الضوئي وإلا كانت ستنقرض، وبالتبعية فإنها عاشت في قيعان بحار مفتوحة لا مغطاة بالجليد.
ويتفق ذلك مع نتائج دراسة سابقة شاركت فيها وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) في عام 2015 وأشارت أيضا إلى أن الأرض ربما لم تكن كرة ثلجية بالكامل، بل احتوت بعض مناطق منها على مساحات من المياه تتوسطها كتل من الثلج.
هل ستعود كرة الثلج مجددا؟
إلى الآن، يعتقد العلماء أن موجة “الكرة الثلجية” لم تضرب الأرض مرة واحدة فقط، بل مرتين أو 3 مرات، ولا يوجد ما يمنع هذه الظاهرة من الحدوث مجددا، خاصة أنها تتعلق كذلك باضطرابات في مدار وميل كوكب الأرض ما زالت تحدث إلى الآن.
لكن على الرغم من ذلك يعتقد الباحثون أنها على الأقل لن تحدث خلال عدة عشرات الآلاف من الأعوام القادمة.
ولو قدّر للأرض أن تدخل في طور كرة الثلج يوما ما لتسبب الأمر في انهيار الحياة عليها بشكل جذري، حيث ستحدث انقراضات واسعة ولن يتبقى من صور الحياة إلا القليل جدا الذي أمكن له التكيف مع تلك التغيرات.
وبالنسبة للبشر، فإن التقنيات المتقدمة وقتها ربما تساعد في حمايتهم، أما لو حصل ذلك الآن فإن الأمر يمكن أن يؤدي إلى انقراض الجنس البشري أو على الأقل يخفض أعدادنا لنسب ضئيلة جدا.
المصدر: الجزيرة نت – ناسا