واحدة من أشهر الفضاءات التاريخية في المغرب، تختزن منذ قرون تعبيرات الثقافة الشعبية والفرجة المفتوحة في وجه الزوار من مختلف أنحاء العالم، فضلا عن أهمية المكان التجارية والاقتصادية
الموقع
تقع ساحة جامع الفنا في وسط المدينة العتيقة لمراكش، عاصمة المرابطين، والمدينة ذات الثقل التاريخي والإشعاع الثقافي والسياحي. قريبا من مسجد الكتبية الأثري، وتعد الساحة موطن الحركة التجارية ومعبرا نحو مختلف مفاصل المدينة الحمراء
التاريخ
تربط المصادر التاريخية نشأة ساحة جامع الفنا بتأسيس مراكش عام ١٠٧١ للميلاد على يد المرابطين. وقد تبلورت وظيفتها التجارية قبل أن تكتسي أبعادا أخرى بعد بناء مسجد الكتبية المجاور لها، والذي منحها صيتا أكبر
ثمة من يربط تسميتها بساحة جامع الفِناء نسبة الى فناء الدار، أي الباحة المفتوحة، وهناك من يعتمد الفاء بالفتحة، فيقرنها بالفناء بزعم أنها كانت مسرحا لتنفيذ عمليات الإعدام في عصور غابرة، لكن ثمة إجماع على أن الساحة شكلت عبر قرون طويلة مكانا لاستعراض الجيوش في طريقها الى الحملات العسكرية
وتقول بعض المصادر إن الساحة كانت مكان تجمع الجيش في عهد الدولة المرابطية قبل الانطلاق نحو الحملات العسكرية في مختلف الاتجاهات، بما في ذلك حملة يوسف بن تاشفين على الأندلس التي توجت بانتصاره في معركة ” الزلاقة” الشهيرة على الإسبان
ورغم تأكيد وجودها وموقعها الحيوي في العهد المرابطي، فإن بعض المؤرخين يربط اسم “الفنا” بفِناء المسجد الأعظم الذي بناه السعديون بحي روض الزيتون في القرن السادس عشر الميلادي. وقد اكتست الساحة منذ القدم شهرة واسعة الى حد أنها كانت فضاء للعديد من الأفلام السينمائية، بما في ذلك العربية
وشكل تصنيفها عام 2001 ضمن قائمة التراث العالمي للإنسانية لدى منظمة اليونسكو، المنعطف الأهم في حياة المكان، كاعتراف عالمي بقيمتها الثقافية، واحتفاء برواد فنون الفرجة الشعبية الحاملة لأسرار تراث إنساني عريق، وذاكرة شفهية يخلدها التوارث بين الأجيال.
وقد لعب الكاتب الإسباني الشهير خوان غويتيسولو، الذي اختار الاستقرار بمراكش منذ السبعينيات، دورا هاما في حشد الدعم لانتزاع هذا الاعتراف الدولي الأممي لحماية الفضاء ودعم استمرارية أنشطته ومساعدة رواده على الصمود في وجه تقلبات الحياة الحديثة.
النشاط الثقافي والسياحي
أصبحت ساحة جامع الفنا علامة سياحية مسجلة تجذب الزوار عبر أنحاء العالم. فهي واحدة من أشهر الفضاءات الإنسانية المفتوحة التي تعيش عصرها، وهي تختزن أسرار وإرث أزمنة سحيقة من خلال فنون الفرجة التي يقترحها ممارسون يحترفون أشكالا متعددة من التواصل الفني مع الناس، إما غناء شعبيا أو استعراضا رياضيا وبهلوانيا، أو فصولا من الحكايات التراثية أو فنون ترويض الأفاعي والقرود وغيرها من العروض التي تستهوي الزوار حسب أهوائهم.
وبالموازاة مع هذا النشاط الذي لا ينقطع عن الساحة، وعلى مدار النهار وحتى وقت متأخر من الليل، تزدهر مهن تقليدية مثل نقش الحناء وتقديم المأكولات التقليدية الشعبية التي تشتهر بها المنطقة ومختلف مناطق المغرب.
وعموما تشكل عروض الساحة التي تنتظم في شكل تجمعات دائرية حول الراوي أو الفنان أو البهلوان (تسمى الحلقة) فرصة للوقوف على ثراء وتنوع الموروث الثقافي الشعبي المغربي بأبعاده العربية والأمازيغية والصحراوية والأفريقية.
ومما ورد على لسان الكاتب الإسباني غويتيسولو أن الساحة “لا نظير لها عبر العالم” وإن كان ممكنا القضاء عليها بقرار إداري فإنه يستحيل إنشاء ساحة مماثلة بقرار من هذا النوع.
وقد ألهمت الساحة الكثير من الشعراء والروائيين نصوصا خلدت هذا الفضاء وخلدت به. وقد صنفت ساحة جامع الفنا ثانية أفضل عشر ساحات عالمية، من قبل موقع adioso.com المختص في السياحة والسفر.
مراكش مدينة سبعة رجال
مراكش واجهة المغرب السياحية، وعاصمته أيام حكم المرابطين والموحدين، وتلقب بالمدينة الحمراء نسبة إلى اللون الغالب على مبانيها، وتوصف بمدينة البهجة، حيث لا تخفى الروح المرحة والميل للنكتة لدى أهلها.
يصفها الأوروبيون بالمدينة الساحرة لطبيعتها ومناخها الصحي؛ مما جعل الآلاف منهم يختارون الاستقرار بها، وفيهم شخصيات عالمية وأسماء كبيرة في عالم السياسة والفن والرياضة.
الموقع
تقع مراكش جنوب المغرب عند سفوح جبال الأطلسي على بعد ثلاثين كيلومترا منها، وترتفع 450 مترا عن سطح البحر، وتبعد عن العاصمة الرباط 327 كيلومترا، تتميز بمناخ شبه جاف، شتاؤه معتدل رطب وصيفه جاف حار.
وتقدر مساحة المدينة بنحو 230 كيلومترا مربعا، ووصفت بأنها “المدينة الحمراء، الفسيحة الأرجاء، الجامعة بين حَرٍّ حرور وظل ظليل، وثلج ونخيل”.
السكان
تصنف مراكش بأنها ثالث أكبر مدن المغرب من ناحية عدد السكان، حيث يفوق تعداد سكانها مليون نسمة، من مجموع سكان البلاد، بحسب تقديرات رسمية، يشتغل أغلبهم في قطاع الخدمات والصناعة الحديثة والتقليدية والأعمال الحرة والوظائف العمومية.
الاقتصاد
يعتمد اقتصاد المدينة بشكل كبير على النشاطين السياحي والعقاري، كما يقوم على الصناعة التقليدية باعتبارها رافدا مهما لقطاع السياحة، حيث يشتغل أكثر من أربعين ألف شخص في صناعة الفخار والنحاس والجلود والسجاد (الزرابي) وغيرها، إضافة إلى بعض المعارض كمعرض مراكش الدولي للصناعات وخدمات الطيران.
تتوفر المدينة على شبكة مواصلات وطرق حديثة، وفيها سكة حديد ومطار دولي هو الثاني على مستوى المغرب من حيث حركة المسافرين.
واختيرت مراكش أفضل وجهة سياحية جديدة في العالم عام 2015، في تصنيف أعدّه الموقع العالمي المتخصص في الأسفار (تريب أدفايزر)، حيث تفوقت مراكش على أعرق العواصم العالمية ومنها لندن، وروما، وباريس.
وحققت “زهرة الجنوب” المركز الأول على المستوى الوطني، من حيث عدد سياح المدينة، برقم تجاوز مليوني سائح عام 2014، واحتلت من خلاله المركز السابع عربيا، في نتائج المدن التي شهدت أكبر عدد زوار، بحسب تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
وتعد مراكش المركز السياحي الأول في المغرب، وتتوفر على بنية تحتية فندقية مهمة، حيث تحتوي على أكثر من 1400 وحدة للإيواء، بما فيها أكثر من 170 فندقا مصنفا.
التاريخ
يعود تأسيس مراكش إلى زمن المرابطين، وتختلف الروايات في تفسير الاسم؛ فيرى بعضها أن مراكش كلمة أمازيغية تعني “مرّ بسرعة”، ويرى آخرون أن “أكش” اسم إله قديم.
وهناك من يرى أن اسم “مراكش” يرجع إلى الكلمة الأمازيغية “أمور ن اكوش”، وتنطق بالأمازيغية أموراكش، وتعني بلاد الله أو أرض الله، وهي دلالة لها بُعد عالمي، والانتماء إلى الإنسانية جمعاء.
وكان اسم مراكش يطلق على كل المغرب قديما، منذ أن تأسست كعاصمة للمرابطين إلى عهد الاحتلال الفرنسي في العصر الحديث، ولا زالت هذه التسمية متداولة في كل اللغات، كالفارسية (مراكش)، والإسبانية (مارويكوس) والإنجليزية (موروكو).
تقول المصادر التاريخية إن بناء النواة الأولى لمراكش كان عام 1070 على يد مجموعة قبائل أمازيغية أتت من الصحراء، واختارت موقعها لقربه من صحراء لمتونة، ومن جبال المصامدة.
وتوصف بالمدينة الحمراء، نظرا لأن معظم منازلها تم طلاؤها باللون الأحمر، وتزداد جمالا وإشراقا مع انعكاس ضوء الغروب على بيوتها.
تعرف مراكش أيضا بلقب “مدينة سبعة رجال”، ويرجع الباحثون أصل ذلك إلى مجموعة من كبار العلماء والصوفية الذين عاشوا بالمدينة واضطلعوا بدور كبير في نشر الوعي السياسي والفكري والتربوي وسط سكانها، وهم على التوالي: يوسف بن علي الصنهاجي، وعياض بن موسى اليحصبي، وأبو العباس السبتي، ومحمد بن سليمان الجزولي، وعبد العزيز التباع، ومحمد بن عجال الغزواني، وعبد الرحمن الضرير.
وعرفت المدينة ازدهارا عمرانيا وتنظيميا كبيرا في عهد السلطان يوسف بن تاشفين (1061–1107) وباتت عاصمة ومركزا سياسيا وثقافيا للدولة المرابطية وكل الغرب الإسلامي.
وصفها الحميري في كتابه الروض المعطار في خبر الأقطار بأنها أكبر “مدن المغرب الأقصى، وعظمت تجارتها وتنافس الناس في البناء فيها وبنيت فيها الفنادق والحمامات، وفيها قيسارية عظيمة البنيان، وهي أكثر بلاد المغرب جنات وبساتين وفواكه، وأكثر شجرها الزيتون”.
أسهمت دولة الموحدين بعد عام 1147 في تطوير المدينة بعدما اتخذتها عاصمة، وتركت فيها معالم لا تزال قائمة، وحرص كل من جاء بعدهم من المرينيين -رغم أنهم لم يتخذوها عاصمة- والسعديين على أن تصبغ حيطان الأساور والمباني بلون الآجر والطين الأقرب إلى الحمرة بما يتوافق ولقب المدينة الحمراء.
ولقيت في ظل حكم العلويين اهتماما في أيام السلطان سيدي محمد، فبنيت بها أحياء ومعالم عديدة ورُمّم عدد من مساجدها وأسوارها ومعالمها البارزة.
المعالم
تزخر مدينة مراكش بالمعالم الأثرية التاريخية والحضارية الشاهدة على تاريخ عريق، منها أسوار مراكش التي يقدر طولها بنحو تسعة كيلومترات، ولها أبواب أبرزها باب أكناو ودكالة.
وفيها القبة المرابطية، وهي شاهد حي يبرز جمال الفن المعماري المرابطي، وتحمل نقوشا فنية فيها أقواس وأشكال تشبه نجمة سباعية.
ويعتبر بعض المؤرخين والجغرافيين القدامى القصر البديع في مراكش من عجائب الدنيا لاحتوائه على أربع حدائق، وزخارف ورخام وتيجان وأعمدة مكسوة بأوراق الذهب والزليج متعدد الألوان.
ومن معالم المدينة الشهيرة مسجد الكتبية ومدرسة ابن يوسف، وساحة جامع الفنا، التي يحج إليها الزوار من داخل المغرب وخارجه، واعتبرتها منظمة اليونيسكو عام 1997 تراثا شفويا إنسانيا.
وتتوفر “عاصمة النخيل” على معالم ومآثر تاريخية أخرى، بينها “حدائق ماجوريل” التي تحتوي على نباتات وأزهار نادرة قادمة من القارات الخمس، و”حدائق المنارة” التي يتوسطها خزان المنارة الكبير.
المصادر : مواقع الكترونية عربية – الجزيرة